د.ياسر عبد العزيز

ياسر عبد العزيز

في مشهد عبقري من رائعة المخرج الفذ يوسف شاهين، (الناصر صلاح الدين)، تدخل الكاميرا من اللقطة العامة إلى وجه المبدع حمدي غيث، الذي كان يجسد شخصية الملك الإنجليزي ريتشارد الملقب بقلب الأسد، بعد أن عرف خيانة ملوك أوروبا له في حرب الاستيلاء على بيت المقدس والمدن التي حولها لنهب ثرواتها وتحقيق حلم تخليد اسمه "لاستعادة" المدينة المقدسة يقول الفنان حمدي غيث: (كل حلفائك خانوك يا ريتشارد).

في شهر مارس من عام 2015 أطلقت المملكة العربية السعودية حملة عسكرية على اليمن بذريعة دعم شرعية الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي بعد أن استولت ميليشيات الحوثي على العاصمة، وجمعت السعودية في سبيل ذلك بعض الدول العربية، تباين موقفهم منذ البداية، فمنهم من كان داعما بقوة لأهداف يحققها في اليمن، كالإمارات، ومنهم من شارك على استحياء واختار مهمة لا تجعله منخرط مباشرة في الحرب فاختار مهمة تأمين الحدود البحرية، كالنظام المصري، ومنهم من باع جيشه مرتزقا من أجل إنقاذ كرسيه ودعمه ماليا، كنظام البشير في السودان، لكن الإمارات كان لها دور محوري في سحب السعودية إلى عمق المستنقع اليمني مستغلة في ذلك التماس الجغرافي الذي يجمع اليمن بالسعودية، ولأن الأمير الصغير كان يبحث عن مجد له يرفع أسهمه، فقد وقع في الفخ ببساطة.

عد مرور أربع سنوات على وقوع السعودية في مستنقع اليمن، وبعد الضربات الموجعة التي تلقتها على أراضي الجارة، والتطور النوعي للمعارك بتوجيه الحوثي ضربات عكسية في العمق السعودي، وتهديد الإمارات بمثلها بعينة تمثلت في ضرب مطار أبو ظبي، ثم ناقلتي النفط على شواطئها، قررت الإمارات سحب قواتها من اليمن لتترك السعودية وحيدة تواجه مصيرها كل يوم على يد طائرات الحوثي المسيرة، بعد أن أخذت الإمارات ما تريد في اليمن _ الموانئ الجنوبية_ بعد الانقلاب الأخير في عدن على الحكومة الشرعية.

بحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية فإن مصادر مقربة من الرئيس الأمريكي نقلت عن الإدارة الأمريكية استعدادها لبدء محادثات مباشرة مع ميليشيات الحوثي، أو بمعنى آخر، تريد أن تمهد للسعودية خروجا يحفظ ماء وجهها في اليمن، بعد أن بات البقاء فيها يعني مزيدا من الهزائم واستنزاف الأرواح والمعدات ومن ثم الهيبة في المنطقة، بعد أن أيقنت الولايات المتحدة أن السعودية غير قادرة على حماية الخليج ولا حتى نفسها.

تقول الصحيفة أن محادثات سرية مع قادة الحوثيين في سلطنة عمان ستعقد مع السعوديين، في محاولة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، ووقف النزيف اليومي للقوات السعودية والمنشآت النفطية، وأكدت الصحيفة أن مسؤولين أميركيين سيلتقون خلال الأيام القادمة عددا من المسؤولين السعوديين في واشنطن، بينهم الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع، للتمهيد لهذه المحادثات ورسم سيناريو الخروج من اليمن، وبحسب الصحيفة فإن الدبلوماسي المخضرم كريستوفر هينزل - الذي عين سفيراً في اليمن منذ أشهر- سيقود خطة الإنقاذ.

الصرخة السعودية والاستغاثة بالأمريكيين للخروج من الورطة اليمنية، لاسيما بعد أن باعتها الإمارات مستغلة عدم إدراك الرياض لتحركاتها منذ البداية، يجعل السعودية تخرج وقد عقدت المشهد بشكل كبير على الحكومة الشرعية في اليمن، لكنها في الوقت نفسه لن تبتعد كثيرا عن الهدف المحدد منذ البداية بإسقاط الثورة اليمنية، فمباحثات عمان، من وجهة نظري، ما هي إلا انقلاب جديد تحضره المملكة على الثورة اليمنية وصولا الى يمن ضعيف متناحر مقسم، فالجلوس على مائدة المفاوضات مع الحوثي بمثابة غسل اليد من إسقاط صنعاء بتواطؤ تتحدث عنه الدوائر السياسية اليمنية، ستكشف عن حقائقه الوثائق في الأيام القادمة.

الآن ولغرض زرع القنبلة في المشهد اليمني، واستبعاد واحد من المكونات السياسية الرئيسية في اليمن، يريد الأمير الصغير إجلاس الحوثي الطامع، من خلال أسياده في طهران، في الاستيلاء على اليمن، أو على أقل تقدير لبننته، على طاولة المفاوضات مع الرئيس الأسير هادي لحل أزمة السعودية لا أزمة اليمن، صحيح أن كل حلفائه خانوه، لكن الحقيقة التي لا يستطيع الأمير الصغير أن يدركها، أنه ليس الملك ريتشارد، ولا اليمن هي القدس، وأن المصالح ستحكم الأزمة، لكن أصحاب البلد والثوار ستكون لهم الكلمة الفصل مهما طال الزمن، وقد بدت تلك الإرادة في استعادة قوات الشرعية لشبوة وأبين ثم عدن، فشتان بين من يقاتل من أجل الجمهورية ومن أجر بندقيته من أجل الدولار، خاب مسعاكم ... والثورة ستنتصر رغم أنف المتآمرين.