الهند.. انتخابات في أجواء كورونا
2020-09-13
د.ذِكْرُ الرحمن
د.ذِكْرُ الرحمن

في الوقت الذي تشهد فيه الهند ارتفاعاً في حالات الإصابة بكوفيد-19، تستعد ولاية «بيهار» لإجراء انتخابات للمجلس النيابي في الولاية. وبدأت لجنة الانتخابات تدرب موظفيها وتفحص آلات التصويت الإلكترونية لتتأكد من صلاحياتها للعمل. والاختلاف الوحيد عن الانتخابات السابقة هو أن «بيهار» -وهي واحدة من أكثر ولايات الهند سكاناً حيث يقطنها 99 مليون نسمة- ستخوض الانتخابات في غمرة جائحة غير مسبوقة.
وتجاوزت الإصابات في الهند بفيروس كورونا أربعة ملايين إصابة بقليل، وأصبحت البلاد ثانية أكثر دول العالم في عدد الإصابات بعد الولايات المتحدة. ومن ثم، أصبح إجراء الانتخابات أكثر إثارة للجدل. ومن المفترض إجراء الانتخابات في أكتوبر أو على أقصى تقدير في نوفمبر ولا يوجد بند يجيز تأجيل الانتخابات. وحتى المحكمة العليا الهندية رفضت تأجيلها. وحتى إذا تأجلت الانتخابات، ففي ظل عدم ظهور بوادر توحي بانحسار الجائحة، لا يعرف أحد متى يمكن عقدها في أي وقت قريب.
وفي الولاية 8.7 مليون صوت فيما يمثل تحدياً كبيراً لعقد انتخابات تتبع تعليمات التباعد الاجتماعي مع استمرار ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا دون هوادة. وأصدرت لجنة الانتخابات إرشادات شاملة تتضمن تقييد عدد الأشخاص القائمين بعملية الدعاية الانتخابية على الأبواب بخمسة أشخاص فقط، من بينهم المرشح نفسه، وتوفير قفازات للناخبين بالإضافة إلى توفير مرافق لغسل اليدين والمطهرات في كل مركز تصويت. وكل مركز تصويت سيخدم ألف ناخب بحد أقصى، وسيطلب منهم إماطة الكمامة لثوان كي يتم التعرف عليهم.

وقررت لجنة الانتخابات إصدار مجموعة مختلفة من الإرشادات لمناطق الاحتواء قبل التصويت الفعلي. وسيسمح للمصابين بكوفيد-19 الذين في الحجر الصحي بالإدلاء بأصواتهم في الساعة الأخيرة من يوم الانتخاب تحت إشراف السلطات الصحية وفي اتباع صارم للإجراءات الوقائية المتعلقة بكوفيد-19. وحتى الذين اتضح أن درجات حرارتهم مرتفعة سيكون أمامهم خيار الإدلاء بأصواتهم في الساعة الأخيرة.

 

وولاية بيهار واحدة من أكبر الولايات التي ترسل عمالاً مهاجرين إلى أنحاء متفرقة من البلاد. والولاية تأثرت كثيراً بفيروس كورونا حين عاد مئات الآلاف من العمال المهاجرين من المدن إلى بلداتهم وقراهم بعد الإعلان المفاجئ لإغلاق صارم. وتواجه الولاية حالياً فيضاناً أثر على أكثر من 500 ألف شخص. وبيهار أفقر ولايات الهند، ويقودها رئيس الوزراء نيتيش كومار وهو الزعيم المحلي لحزب «جاناتا دل» المتحالف مع حزب «بهاراتيا جاناتا» الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

والأحزاب المعارضة الرئيسية في الولاية تضم حزب «المؤتمر الوطني» وحزب «راشتريا جاناتا دل». وهذه الأحزاب لم تعارض فحسب الإرشادات المعلنة لكن أيضاً توقيت الانتخابات بالتعبير عن الخوف من أن التباعد الاجتماعي سيكون صعباً، وأن مرشحيهم سيجري استهدافهم بعدد من القوانين الانتخابية الخاصة بالانتهاكات. وأحزاب المعارضة تؤكد أن الإرشادات وخاصة المتعلقة بتحديد خمسة أشخاص فقط يقومون بالدعاية بالطرق على الأبواب سيكون من الصعب التقيد بها. ويخشون أيضاً أن يجري استهداف المعارضة ظلماً بقانون انتهاكات الانتخابات.
وواقع السياسة في «بيهار» يمثل حالة تحول الولاءات والتحالفات. وفي الانتخابات الأخيرة عام 2015، فاز تحالف من حزبين إقليميين وهما «راشتريا جاناتا دل» و«جاناتا دل» بالانتخابات. وحصد حزب «بهاراتيا جاناتا» الذي ينتمي إليه مودي 59 مقعداً فقط في المجلس النيابي الذي يتألف من 243 مقعداً. وفي غضون عامين انهار هذا التحالف بين الحزبين الإقليميين وارتبط «نيتيش كومار» من حزب «جاناتا دل» بحزب «بهاراتيا جاناتا» الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء. ومنذئذ يحكم ائتلافهم الحكومي الولاية. ويُعتبر هذا التحالف متمتعاً بميزة أفضلية في الانتخابات المقبلة ويعتمد على الاجتماعات الافتراضية عن بعد والحملات الانتخابية على مواقع التواصل الاجتماعي التي مثلت قوة حزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم التي مكنته من الوصول إلى الناخبين. ويعتزم تحالفهم شن حملة على أساس التنمية والإنجاز الذي حققه رئيس وزراء الولاية «نيتيش كومار» ورئيس الوزراء «ناريندرا مودي».

ويقول مراقبو الانتخابات إن الجائحة الحالية واستخدام التكنولوجيا سيحرمان الأحزاب الأفقر أو الأحزاب التي لا تألف الوسيط الرقمي أو التواصل الاجتماعي على الإنترنت من وجود ساحة صراع عادلة. والتحالف الحاكم متقدم قطعاً كما عقد سلسلة من الاجتماعيات الافتراضية. فقد شاهد نحو أربعة ملايين شخص وزير الداخلية الاتحادي «أميت شاه» في اجتماع عبر الإنترنت في شاشات أقيمت لهذا الغرض وعلى الهواتف الذكية وفي التلفزيون في الآونة الأخيرة.
لكن مثل أي انتخابات أخرى في الهند، هذه الانتخابات ستميل إلى قوة المال. فالمرشح أو الحزب الذي لديه المال ويستطيع تسخير أحدث التكنولوجيات سيكون له أفضلية لأنها ستساعده في التواصل مع أكبر عدد ممكن من الناس. ومع عدم ظهور بوادر على تراجع حدة فيروس كورونا، ستميل هذه الانتخابات نحو الفضاء الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي



مقالات أخرى للكاتب

  • الهند.. مؤشرات انتخابية
  • الهند.. "كورونا" وانتخابات الولايات
  • هنود أميركا في مرمى السباق الرئاسي





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي