واشنطن – موسكو.. احتواء أم ردع ؟
2021-05-18
إميل أمين
إميل أمين

تتسارع الخطى الدبلوماسية الأمريكية، قبل اللقاء المتوقع الشهر المقبل، بين الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، حيث يحاول كلا الزعيمين تحسين صورة بلديهما في عيون الآخر على حد وصف، إيزابيل خورشوديان، من صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية.

في الطريق إلى ذلك اللقاء، يحاول وزيرا خارجية كل من أمريكا وروسيا، أنتوني بلينكن، وسيرجي لافروف، تهيئة المسرح السياسي للقاء الكبير، وذلك من خلال ما سوف يتم تنسيقه في ريكيافيك بايسلندا الأربعاء والخميس من الأسبوع الجاري، على هامش القمة التي ستعقد بشأن القطب الشمالي.

يعن لنا أن نتساءل :"أي مسار سياسي أو دبلوماسي تسعى فيه واشنطن في علاقتها مع موسكو في زمن بايدن؟

قبل الجواب ينبغي علينا الإشارة إلى جزئية مهمة من الناحية التاريخية، وهي أنه طوال زمن الحرب الباردة، كان الصراع بين واشنطن وموسكو قائما على أشده، ولم يكن للاحتواء مكان في العلاقة بين الجانبين، إذ كان الردع هو المسيطر والمهيمن.

على أنه من وقائع الماضي، كانت بكين دائما الطرف الثالث، والذي حاول الجانبان تحييده، إن لم يقدر لأيهما اكتسابه في المعركة الدائرة بينهما.

من هذا المنظور عملت واشنطن في أوائل سبعينات القرن المنصرم على دفع بكين خارج سياقات التحالف مع موسكو بصورة فاعلة، الأمر الذي لعب فيه بطريرك السياسة الأمريكية، هنري كيسنجر، دورا بالغ الأهمية.

هل اليوم شبيه بالأمس؟

حكما التاريخ لا يعيد نفسه، لكن أحداثه تتشابه بصورة أو بأخرى، ويبدو مشهد الثلاثي القطبي، إن جاز التعبير، هذه الأيام، قراءة في المعكوس، بمعنى محاولة واشنطن تحييد موسكو أو ضمها إلى جانبها، في مواجهة بكين الصاعدة إلى أعلى عليين، مهددة القطب الأمريكي، بالردع النقدي تارة، وربما بالنووي عما قريب تارة أخرى.

في هذا السياق تبدو أهمية اللقاء القادم بين بايدن وبوتين، فعلى الرغم من وجود ملفات فرعية عديدة تختلف فيها توجهات واشنطن عن موسكو ، إلا أن الجانب الأمريكي يبدو حريصا على أن لا يرتمي الدب القطبي الروسي، في أحضان التنين الصيني، بحال من الأحوال.

والثابت أنه في مقدمة القضايا الشقاقية بين واشنطن وموسكو ، وبعيدا عن ملفات حقوق الإنسان التي تستخدمها واشنطن عادة كخنجر في خاصرة أعداءها ، تأتي قضية الهجمات السيبرانية ، وما جرى في ديسمبر كانون أول الماضي من هجمة خارجية شرسة على وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكيتين ، وربما طالت الهجمات كذلك البنتاجون، قد دفع بايدن الرئيس المنتخب وقتها إلى التهديد والوعيد، وكانت جل الإشارات تقطع بأن موسكو هي الفاعل من دون أدنى شك.

على أن هناك ملفات بات يتحتم على الطرفين التعاون فيها، وفي مقدمتها تحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي من هناك، ناهيك عن ملف الحد من الأسلحة النووية، والتشاور حول إشكالية الملف النووي الإيراني، بجانب ملف كوريا الشمالية الذي لا يزال يحتاج إلى مسيرة طويلة من التفاهمات.

غير أن الملف الساخن والذي كاد أن يشتعل في الفترة الأخيرة ، هو ملف شرق أوكرانيا ، لا سيما بعد أن حركت موسكو عدة فرق عسكرية بالقرب من شبه جزيرة القرم تحسبا لأي تحرك من قبل قوات الناتو .

على الجانب الروسي تبدو موسكو كمن يحمل لواشنطن العصا والجزرة بدورها ، فهي ترغبها بعلاقات جيدة تأمل من خلالها رفع العقوبات المفروضة عليها منذ تغيير الواقع السياسي لشبه جزيرة القرم، ومن جهة ثانية تتهددها بخلق عالم من الجغرافية السياسية الآسيوية المخيف للأمريكيين من خلال تعميق التعاون مع بكين.

ولعل ملف القطب الشمالي بنوع خاص يمكن أن يكون مجالا للتعاون الأمريكي – الروسي ، ومحاولة تهميش الصين ، بدرجة نسبية ، لا سيما وأن السباق الحادث على تلك المنطقة بات يكتسي أهمية كبيرة جدا في العقدين الأخيرين لسببين رئيسيين ، الأول يتعلق بالثروات الطبيعية الكامنة في جوف تلك المنطقة ، لا سيما الغاز والنفط ، عطفا على المعادن النادرة وفي مقدمها الذهب.

فيما الأمر الثاني موصول بفكرة فتح طريق في منطقة القطب الشمالي يكون ممرا للتجارة بين طرفي الكرة الأرضية ، من روسيا في أقصى الشرق إلى الولايات المتحدة الأمريكية في الجانب الغربي.
هل يثق الروس والصينيين في الجانب الأمريكي بشكل خاص ، وفي حلف الناتو بنوع عام؟

غالب الأمر أن هذه الثقة مفقودة، لا سيما بعد اعتراف الأمين العام لحلف الأطلسي، ينس ستولتنبرغ ، مؤخرا بأن الاستراتيجية التي تم تبنيها في قمة لشبونة العام 2010 قد عفا عليها الزمن، حيث تغير الوضع بشكل جذري منذ ذلك الحين، وعلى وجه الخصوص، يحتاج الناتو إلى التكيف مع "روسيا العدوانية باستمرار، وصعود الصين الشعبية، على حد قوله.

هل من خلاصة يمكن للمرء أن يستنتجها من تطورات الأحداث الأخيرة بين الرؤوس الثلاث الكبرى حول العالم؟

باختصار غير مخل، نحن ومن جديد أمام القاعدة المثيرة الحاكمة للدبلوماسية العالمية، المتشارعة والمتنازعة، بالنار والدمار مرة، وبالدبلوماسية والعلاقات الماورائية مرة أخرى... قاعدة المصالح تتصالح، حيث لا خلافات للأبد ولا أحلاف إلى ما شاء الله، وسبحان الذي يغير ولا يتغير.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس



مقالات أخرى للكاتب

  • أميركا: انتخابات الرئاسة وحديث البدائل
  • بايدن مأزق للديمقراطيين أم لأميركا؟
  • متلازمة التعاسة.. بعيدًا عن السياسة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي