لقد كثفت كورونا الحال الرقمية فجعلت من الأرقام رمزاً للكذب والفوضى، وبين لحظة وضحاها، تحولت اللعبة الرقمية إلى كشّاف بفضل الجائحة، في الجانب المزيف كما في الحقيقي، لأن لعبة الأرقام في المجتمعات الحديثة قديمة من ناحية، ومن أخرى أن الدول اللاديمقراطية بالضرورة تزوّر أرقامها. إذاً كورونا الأرقام كشّاف قوي للتزوير، ما زاد مع الجائحة، كما هو كشّاف للفوضى، ما بانت جلية في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، إذ ليس الإحصاء دالاً على الصحة، حتى وإن أبرزت الأرقام تفوقاً.
لغة الأرقام، كما تجلى في زمن "كورونا"، لغة مموهة وبعيدة من الحقائق، في المجتمع البشري كافة، خصوصاً في دول العسف والمجتمعات غير المتطورة. ولغة الأرقام بكماء لا تفصح، هي قد تؤشر لكن ينقصها كثير، كما بينت الوقائع وبعض من النظريات البشرية. ومن هذا فالشكوك لا تمس الصين مثلاً في ما يخص مصدر كورونا، بل في ما صدر منها من إحصاءات تخص مصابها من الجائحة، وهذا مؤشر إلى أن الأرقام لا تصدق، في مجتمعات قادرة قوة ما فيها على إخفاء الحقيقة. وإذا كانت الأرقام كاذبة فلا يمكن التحقق مما حدث، ولا يمكن توقع ما سيحدث.
كورونا كارثة لكنها ككل كارثة كاشفة. وأن يحدث تزوير أكثر زمن الجائحة فهذا يضاعف الكارثة. نعم ليست الأرقام أصدق أنباء في كل حال، لكن أن يجري التلاعب فيها في حال كورونا، فهذا لا يعقد مسألة الجائحة وحسب، بل مما يعني أن البشرية بهكذا فعل تعمّق كوارثها، من ثقب الأوزون إلى الشعبوية وغيرها كثير، أما في دول الفقر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فما تفعله دولها بهكذا تزوير هو مزيد من إفقارها.
المشكلة أن معرفة المشكلة ليس حلاً، وأن الأماني الطيبة لا تأتي بما تشتهي السفن. وأن "كورونا" قادر على القتل لا على الحياة، وأن "كورونا" قتل منا أكثر من الأرقام التي نعرف، بحسب ما جاء في تصريحات منظمة الصحة العالمية المتضاربة، وأن ما ينتج من الجوائح، لا تظهر ولا تفصح عن نفسها ساعتها، بل في العاقبة وما أدراك ما العاقبة. فالرجاء أن تكون العاقبة في المسرات.
هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس