زيارة بايدن ... وزمن «اليد الواحدة»
2021-06-10
إميل أمين
إميل أمين

بينما كان الرئيس الأميركي يتهيأ على أرض قاعدة أندروز الجوية، للصعود على متن طائرة الرئاسة الأميركية التقليدية متجهاً إلى المملكة المتحدة، سُئِل عن الهدف مِن وراء هذه الرحلة، فأجاب: «تعزيز التحالف، وتوضيح متانة العلاقة الأميركية - الأوروبية التي تعبّر عنها اليد الواحدة».
عبر أكثر من أربعة عقود، حط بايدن رحاله في أوروبا كسيناتور، ونائب للرئيس، وها هو الآن تقوده الأقدار رئيساً للبلاد في أول رحلة له خارج الولايات المتحدة إلى أوروبا، الأمر الذي يحمل أصداء إيجابية لمقبل أيام العلاقة بين جانبي الأطلسي، وجناحي «الناتو».
تأتي زيارة الرئيس بايدن إلى أوروبا ليشارك في قمة الدول السبع، وكذا قمة حلف الناتو، والكل ينتظر الأربعاء المقبل على أحرّ من الجمر، حيث العاصمة السويسرية جنيف تنتظر لقاء القمة بين بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، ما يعني أن زخماً كبيراً سوف تجري به الأحداث في الساعات والأيام القليلة المقبلة.
ومع الزيارة تستعيد العلاقات الأميركية - الأوروبية ألقها التقليدي، بل لا نغالي إن قلنا إنها تدخل مرحلة جديدة، وذلك إثر تولي الرئيس بايدن لمقاليد الحكم في واشنطن.
والشاهد أنه بينما يستعد زعماء أوروبا لاستقبال الرئيس الأميركي، تبدو الحقيقة المؤكدة أن سيد البيت الأبيض يعتبر في قرارة نفسه منذ زمان، وزمانين، أن أوروبا حليف عضوي، وأن «الناتو» عنصر حيوي في منظومة الأمن الغربي، وبشكل لا يقبل التشارع أو التنازع، فهناك وحدة توجه ومصير تربط الجانبين.
العقلاء من الجانبين الأميركي والأوروبي في عهد الرئيس بايدن يدعون لتوثيق العلاقات الثنائية على جميع أصعدتها، لا سيما أنه قد مرّت عليها 75 سنة من الشراكة الوثيقة واللصيقة، سلماً وحرباً، كانا صفاً واحداً، في مواجهة الأعداء، أو تنسيق المواقف من حلفائهما.
لا ينسى الأوروبيون، إن قُدّر لهم النسيان، أن الولايات المتحدة قد لعبت دوراً فاعلاً في الحرب العالمية الثانية، أدى إلى اندحار دول المحور، وتالياً مدت واشنطن يدها طويلة بمشروع استنقذ أوروبا اقتصادياً، أي «مشروع مارشال».
وعلى الجانب الأميركي، يدرك الذين لديهم دالّة على قراءة التاريخ، كيف أن أوروبا شكلت حائط صدّ وحدّ في مواجهة أطماع الاتحاد السوفياتي في التمدد غرباً، وفي الحالتين تتبدى أهمية الحفاظ على كيان حلف الناتو، وتقوية حضوره، وتعزيز حظوظه في الحال والاستقبال.
تظهر الزيارة الرئاسية الأميركية لأوروبا أن هناك نهجاً أميركياً جديداً في البيت الأبيض، يرى أن التحالفات أمر حيوي للحضور الأميركي الأممي، وبالقدر ذاته يبدو الحلفاء مهمين إلى أقصى مدى ممكن، وأنه لا يمكن الاستغناء عنهم. كما يؤكد نهج الزيارة الذي تبدت ملامحه في الأسابيع الماضية أن واشنطن راغبة في العمل مع دول أخرى بشكل عام، وتعميق مثل هذا التعاون مع الأصدقاء بنوع خاص.
في قاعدة ميلدنهال، الواقعة في مقاطعة سوفولك الإنجليزية، بدا الرئيس بايدن داعية لنظرية اليد الواحدة، ومعتبراً أن الحضور والشراكة الأميركية أمر حتمي، إذ إنه ما من دولة قادرة على التغلب على التحديات التي تواجهها أميركا وأوروبا بشكل منفرد، خصوصاً في ظل عالم يتغير ويتبدل بسرعات غير معهودة.
واقعية بايدن حول الوضع الدولي، تركت انطباعاً إيجابياً عند المراقبين، وتحديداً الذين استمعوا إلى مقاربته الجوهرية لحال العالم منذ عشر سنوات، والتحديات الطافية عل السطح اليوم.
تبدو الولايات المتحدة وبروكسل معاً في مواجهة سيل الإشكاليات المعاصرة؛ فمن عند الطبيعة والتغير المناخي الذي يتهدد الكرة الأرضية وسكانها من المشرق إلى المغرب، مروراً بالمواجهات التي عادت لتخيم على سماوات أوروبا من قبل الصحوة الروسية العسكرية، وبالتزامن مع شهية التنين الصيني المفتوحة، وتحديات الحروب السيبرانية، ثم انسحاب الناتو من أفغانستان، ناهيك عن الجائحة التي أصابت البشرية، والتنسيق المطلوب للحفاظ على التنمية الاقتصادية وعدم انهيار الأسواق العالمية... من عند هذه جميعها تؤسس زيارة بايدن نهجاً جديداً للشراكات الأميركية مع الحلفاء الأوروبيين.
تخبرنا يانا بوغليرين، مديرة المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في برلين، أن هناك أجواء من التفاؤل تبعث على الأمل على صعيد الزيارة، لا سيما أن الرئيس بايدن يظهر، وبشكل متجدد منذ أن بلغ عتبة البيت الأبيض، إيمانه بالاتحاد الأوروبي، ويقول الكلمات الصائبة، ويطلق العملية الاستراتيجية الرئيسية لإصلاح أحوال حلف الناتو على مدار العقد المقبل، والجميع في انتظار نتائج جيدة وإيجابية لخطوات بايدن التقدمية ناحية الأصدقاء والحلفاء في أوروبا.
زيارة بايدن قبلة حياة للتحالف الأوروبي - الأميركي عامة، ولحلف الناتو بنوع خاص، وفي انتظار ما ستسفر عنه لقاءات ومشاورات الجانبين خلال أيام، الأمر الذي سيحدد دفة سفينة الغرب بمعناه المجازي الواسع، في مواجهة تحالف روسي - صيني، لا يواري أو يداري، وكأن العالم قد عاد من جديد إلى زمن الحرب الباردة إلى حين إشعار آخر.

* كاتب مصري

 



مقالات أخرى للكاتب

  • أميركا: انتخابات الرئاسة وحديث البدائل
  • بايدن مأزق للديمقراطيين أم لأميركا؟
  • متلازمة التعاسة.. بعيدًا عن السياسة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي