الانسحاب من أفغانستان وتأثيره في علاقة أميركا مع بريطانيا
2021-09-04
جون رينتول
جون رينتول

أثناء الفترة التحضيرية لغزو العراق، أعلن رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير أن أهمية العلاقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا تعتبر بالنسبة إليه "من أركان الإيمان"، ولاحظ أيضا أن لتلك العلاقة قيمة يعتد بها، حتى لو تمخضت في نهاية الأمر عن أداء بلير دوراً في حرب أدت إلى تقصير حياته المهنية.

جاء رد فعل بلير الفوري على هجمات 11/9 التي تعرضت لها الولايات المتحدة التعهد بالوقوف "كتفاً إلى كتف" مع حليفنا، وتقديم الحجة على وجوب بناء استجابة عالمية جماعية لم يستطع تقديمها جورج بوش الذي أعوزته الفصاحة، وقد عاد ذلك على بلير بكثير من التقدير في البيت الأبيض.

وعلى الرغم من أن منتقدي بلير يسخرون منه من خلال وصفه بأنه كلب بوش الصغير، فقد استطاع أن يمارس تأثيراً كبيراً في السياسة الأميركية، ويقنع بوش بأشياء لم يكن ليفعلها لولاه [بلير].

فقد وافق الرئيس بوش على رفع قضية الولايات المتحدة ضد العراق إلى الأمم المتحدة، رافضاً معارضة أعضاء إدارته ذلك بمن فيهم ديك تشيني نائب الرئيس، الذي اعتبر أن الاستعانة بالأمم المتحدة عبارة عن مضيعة للوقت، إضافة إلى أنها تنتهك حرية الولايات المتحدة في العمل. كذلك أقنع بلير بوش أيضاً أن ينشر خطة الولايات المتحدة في شأن تسوية سلمية بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولم تحقق الجهود المبذولة في أي من الحالين نتيجة ملموسة، لكن لم يكن هناك شك على الإطلاق في أن حقيقة التأثير البريطاني في إطارهما.

اعتمد ذلك التأثير على شخصية بلير نفسه، لكنه استند أيضاً إلى تاريخ طويل من التعاون في مجالات الدفاع والاستخبارات، وبدا رؤساء الوزراء البريطانيين الذين أتوا من بعده كأنهم كانوا يصارعون من أجل الفوز بجلسة استماع واحدة في البيت الأبيض. وإذ تواصل التأثير البريطاني في السياسة الخارجية الأميركية في ظل باراك أوباما، فقد جرى ذلك على الرغم من ديفيد كاميرون وليس بسببه، وتخلى الرئيس أوباما عن خططه في شن هجمات عقابية ضد نظام الأسد في سوريا بعدما صوّت مجلس العموم البريطاني ضد تلك الضربات في 2013.

واستطراداً، نسقت الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا معاً انسحاب قواتهما من العراق في 2011، وخلافاً لما حصل في أفغانستان بعد عقد من الزمن، تركت الدولتان حينذاك في بغداد حكومة قادرة على العمل بشكل أو آخر، إلى أن زحف تنظيم "داعش" على تلك البلاد، الأمر الذي حفز أميركا على إرسال قواتها من جديد في 2014، لكن هذه المرة أسهمت بريطانيا بمجرد تقديم دعم جوي للجهود الأميركية.

في صورة عامة، باتت علاقة الولايات المتحدة وبريطانيا شبيهة بزملاء سابقين يلتقون في نشاط ما، ويخبرون بعضهم بعضاً ضرورة الاجتماع كي يتناولوا فنجان قهوة معاً، لكنهم لا يفعلون ذلك أبداً، ولقد اهتم دونالد ترمب بالمملكة المتحدة لأن حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدت كأنها عبارة عن تكريم له، وتجلى كل اهتمامه بتيريزا ماي في إلقاء المحاضرات عليها حول كيفية إجراء المفاوضات بشأن "بريكست" مع الاتحاد الأوربي، مقترحاً "مقاضاة دول الاتحاد".

وبالتالي تنفست الآلة الدبلوماسية البريطانية الصعداء حينما انتخب جو بايدن، لأنه من قماشة أولئك الأميركيين الملائمين لها، إذ تمرس بايدن في السياسة الخارجية كلاعب في ميادينها على مدى عقود عدة، إضافة إلى ميله أحياناً كثيرة إلى الأخذ بوجهة النظر البريطانية، فمثلاً دعم بايدن بقوة المملكة المتحدة في حرب جزر "فوكلاند"، فيما جاء موقف رونالد ريغان منها موارباً على الرغم من علاقته الشخصية الوثيقة بمارغريت تاتشر، وكذلك دافع بايدن بجسارة عن التدخل العسكري لأسباب إنسانية في البلقان، فيما راوغ بيل كلينتون بشأن ذلك قبل أن يقنعه توني بلير بضرورة التدخل.

وبالتالي افترض دبلوماسيون بريطانيون أن الوعد بـ "إنهاء الحروب الأبدية" في برنامج بايدن جاء على غرار التعهدات التي يطلقها السياسيون الأميركيون كي يجري انتخابهم، وفي العادة تضم برامج المرشحين الرئاسيين الأميركيين نوعاً من الخطاب الانعزالي والحمائي الذي لا يتحول كله إلى سياسات تجد طريقها إلى التنفيذ، فحتى ترمب وعلى الرغم من فرضه رسوماً جمركية حمائية، فقد فشل في تحقيق إعادة القوات الأميركية من أفغانستان الذي شكل هدفاً وعد به هو وأوباما.

في سياق مشابه، فشلت الحكومة البريطانية في تقدير أهمية الصفقة التي وقعها ترمب مع طالبان في فبراير (شباط) 2020، وكم سيكون من الصعب على بايدن أن يسير على العكس من ذلك المسار، وتالياً تمثلت حجة الرئيس بايدن في أن صفقة سلفه ترمب تمخضت عن سلام موقت، لكن الحفاظ على قوة أميركية في أفغانستان ضد حركة طالبان المعادية كان سيستدعي زيادة جديدة في القوات قوامها 30 ألف جندي، وذلك أمر لا يتحمله الرأي العام في الولايات المتحدة.

وبالنسبة إلى المملكة المتحدة، شكل إخفاق بايدن في استشارة حلفائه قبل تأكيد تفاصيل المرحلة الأخيرة من الانسحاب، تذكيراً بالواقع الكامن وراء التحالف بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، المتمثل في أن الأميركيين غالباً ما يكونون عاطفيين تجاه إنجلترا، لكن العلاقة تدور في الغالب حول المكاسب التي يمكن أن يحققها كل جانب عبر ذلك التحالف، مما يعني أيضاً أنه عندما يجد الجد فإن الأميركيين ليسوا حقاً مهتمين بنا إلى حد كبير.

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس



مقالات أخرى للكاتب

  • قاعدة حزب "المحافظين" البريطاني تتآكل على ثلاث جهات
  • هل يتفوق العمال أخيرا على المحافظين في الإنفاق الانتخابي؟
  • توني بلير يتحكم بإمبراطورية من المال والسلطة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي