العقل .. والقيم
2021-09-19
وحيد عبد المجيد
وحيد عبد المجيد

حين نتأمل سجال التراث والحداثة عندنا، ونفكر فى حال العالم حولنا، نجد أنفسنا أمام أسئلة من بينها سؤال افتراضى، يبدو للوهلة الأولى نوعًا من التمرين الذهني، ولكنه يكتسب أهمية فعلية في ظل ما آلت إليه أحوال البشر فى كل مكان، بما فى ذلك الغرب الذي سبق الجميع إلى التقدم.

السؤال هو: بافتراض أننا وُفقنا فى وقت ما خلال القرنين الأخيرين إلى صيغة خلاَّقة للعلاقة بين التراث والحداثة، فهل كان ممكنًا أن تصمد إزاء تحولات كبرى حدثت عندنا، وفى العالم؟ ولا يخفى أن السؤال مرتبط بتأمل ما حدث، ويحدث، فى الغرب، ويُفيدنا أن التقدم الكبير الذى تحقق في مرحلتى النهضة والتنوير لم يحل كل الأسئلة المتعلقة بالوجود الإنساني وإشكالياته.

فالحداثة التى أُنجزت لم تمنع تجدد أسئلة الوجود الإنسانى عندما تبين أن للعقل حدودًا، وأن إبداعه ليس مفيدًا فى كل الأحوال، وأن الأذى المترتب على سوء استخدامه أكبر بكثير مما كان متصورًا.

كان القتل والدمار المهولان فى الحرب العالمية الثانية نقطة تحول فى مسار تجدد مشكلة الوجود الإنسانى.

ولم تكن الفلسفة الوجودية، والنزعة العبثية، المؤشرين الوحيدين أو الأخيرين الدالين عليها.

فقد ظهرت تجلياتها فى كثير من مناحى الحياة بأشكال مختلفة ودرجات متباينة. صار الإنسان أكثر قلقًا، وأقل يقينًا، وأضعف ثقة.

وغدا كثير من البشر تائهين فى عالم يبدو غريبًا لبعضهم، وغريبًا عن آخرين، وازداد الشعور بفقدان الاتجاه. وتزداد تجليات مشكلة الوجود الإنسانى الآن فى ظل اشتداد غضب الطبيعة، وتوسع أخطار التغير المناخى، بالتوازى مع تبعات جائحة كورونا، بعد أن بلغت إساءة استخدام العقل ذروة غير مسبوقة، وأخذ عدد متزايد ممن رفعوه إلى مستوى القداسة فى إدراك أن انفلاته من القيم الإنسانية يُنذر بتهديدات أكبر.

وهذا يفسر توسع الاهتمام فى الغرب الآن بالبحث عن مركب يجمعهما من خلال اجتهادات جديدة تهدف إلى بلورة تصور عقلى لا يتجاوز الدين، وتصور دينى لا يخشى العقل.

ومن أبرزها اجتهاد ريتشارد إى روبنشتاين فى كتابه الجديد (أبناء أرسطو). وقد تكون لنا عودة إليه فى اجتهاد قادم.

 

  • كاتب مصري

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس



مقالات أخرى للكاتب

  • هل يتحسن الاقتصاد العالمي في 2023؟
  • أسوار في كل مكان
  • الحقائق أيضًا ترحل





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي