مؤتمر غلاسغو.. الطاقة وتغير المناخ
2021-10-16
جيفري كمب
جيفري كمب

في الحادي والثلاثين من شهر أكتوبر الجاري، من المرتقب أن يبدأ مؤتمر الأمم المتحدة الـ26 حول تغير المناخ أسبوعين من النقاشات والمباحثات في مدينة غلاسغو باسكتلندا. ويأتي المؤتمر في وقت عاث فيه المناخ المتطرف دماراً في كثير من البلدان مع تواتر فترات الجفاف الشديد، والفيضانات المدمرة، وارتفاع مستويات البحار، وحرائق الغابات، والأعاصير، وموجات الحر المفرط.. وهي ظواهر لم تسلم منها أي منطقة في العالم. واليوم، هناك أدلة قاطعة لا يمكن دحضها على أن الاحتباس الحراري الذي يعزى إلى انبعاثات غاز الكربون التي يتسبب فيها البشر هو المسؤول الرئيسي عن هذه الأحداث. وفي الأثناء، أصدر الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ التابع للأمم المتحدة تقريراً في أغسطس 2021 خلص إلى أن «التأثير البشري زاد من حرارة المناخ بوتيرة غير مسبوقة». تقرير اعتبره أمينُ عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتريش «تحذيراً للبشرية».

إدارة بايدن مصممة على أن تتولى مرة أخرى الزعامة العالمية في دعم وتشجيع تدابير أكثر صرامة لتقليص انبعاثات الكربون، وقد تعهدت بتقليص الانبعاثات الأميركية إلى النصف بحلول عام 2030. وهذا من شأنه أن يضاعف حجم الالتزام الذي أخذته الولايات المتحدة على عاتقها في عام 2015 عندما انطلقت اتفاقات باريس للمناخ. غير أن دونالد ترامب، للأسف، أعلن في عام 2017 اعتزام الولايات المتحدة الانسحاب من اتفاق باريس، وفي 4 نوفمبر 2020 أصبح الانسحاب الأميركي رسمياً. ولحسن الحظ، فقد تراجع بايدن عن هذا القرار بعد توليه الرئاسةَ وانضمت الولايات المتحدة إلى الاتفاق من جديد في فبراير 2021.

أحداث العام الماضي المناخية الكارثية يفترض أن تشكّل حافزاً قوياً للمشاركين في لقاء غلاسغو من أجل التوصل إلى إجماع بشأن الخطوات العملية اللازمة من أجل تقليص الانبعاثات أكثر. أما إذا فشلوا في ذلك، فيمكن القول إن العالم يمكن أن يصل إلى نقطة اللاعودة مع ما ينطوي عليه ذلك من تكاليف باهظة جداً بالنسبة للبشرية، تكاليف يمكن أن تتسبب في اضطراب كامل للاقتصاد العالمي وفي إطلاق موجات جديدة من الهجرة، في وقت ينفد فيه فعلياً مخزون البلدان الفقيرة من الطعام والماء. وأمام هذه التوقعات الكارثية، تبدو الحجج المؤيدة لتدابير تقنينية أكثر صرامة للانبعاثات دامغة.

غير أنه من غير الواضح كلياً ما إن كان التوصل إلى إجماع سيكون ممكناً في غلاسغو. وأحد أسباب ذلك أن الاجتماع سيتزامن مع أزمة طاقة عالمية سترغم معظم البلدان على زيادة الطلب على الوقود الأحفوري، وخاصة الفحم والنفط والغاز الطبيعي، وهي المنتجات ذاتها التي تُعد سبب أزمة المناخ. لكن ما الذي حدث؟ وما سبب هذه المفارقة؟

خلال ذروة جائحة «كوفيد-19» في عام 2020 وأوائل عام 2021، دخل العالمُ ركوداً عالمياً. وساهم تضافر البطالة الجماعية، والمصانع المغلقة، وتراجع التجارة الدولية، وقواعد «الحجر المنزلي».. في انخفاض سريع للطلب على الطاقة. وهذا تسبب بدوره في انخفاض مهم لإنتاج الفحم والنفط والغاز الطبيعي، وفي بعض الحالات في إغلاق مناجم ومنشآت نفطية وغازية.

وفي منتصف عام 2021 شرع الاقتصاد العالمي في التعافي، لكن الظروف الشتائية الشديدة تسببت في ازدياد الطلب على الطاقة، وخاصة الفحم والغاز الطبيعي. وارتفاع الطلب هذا أدى إلى نفاد المخزونات، وتحديداً في الوقت الذي بدأ فيه التعافي الاقتصادي. واليوم، أدى التخوف من أن يكون شتاء 2022 مماثلاً لشتاء العام الماضي الذي أدى إلى زيادة في الطلب على الطاقة، الأمر الذي أدى بدوره إلى زيادة سريعة في الأسعار. والحال أن بعض البلدان، مثل المملكة المتحدة، توجد في وضع هش وصعب بالنظر إلى الاعتماد على الغاز الطبيعي المستورد ومنشآت التخزين غير الكافية. وبينما تكافح البلدان من أجل تفادي أي نقص في إمدادات الطاقة، هناك مخاوف من أنه إذا حدث هذا النقص خلال شتاء بارد فإنه قد يصبح من الضروري تقليص الطلب، مما سيعني انقطاعات في إمدادات الكهرباء وتقلص ساعات عمل المصانع. والحال أن مثل هذه الظروف يمكن أن تكبح التعافي الاقتصادي من «كوفيد-19»، وتشكّل إشارة تحذير للحكومات من أن أولويتها يجب أن تكون ضمان إمدادات كافية من الطاقة، حتى وإن كان ذلك يعني زيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري.

وعليه، فإن القادة في مؤتمر غلاسغو سيحتاجون إلى مهارات كبيرة من أجل إقناع العالم بأنهم عاقدو العزم على تقليص انبعاثات الكربون، وفي الوقت نفسه الأخذ في عين الاعتبار أزمة طاقة يمكن أن تزداد سوءاً في حال كان المناخ الشتوي البارد قارساً بشكل خاص.

هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن الأمة برس

العربية نت



مقالات أخرى للكاتب

  • القوة الأميركية بعد «عاصفة الصحراء»
  • نهر نهاية العالَم الجليدي
  • دراما الانتخابات الأميركية





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي