أميركا والشرق الأوسط.. إشكالية البقاء وجدلية الرحيل
2022-01-01
إميل أمين
إميل أمين

على مشارف عام جديد ومع انتهاء العمليات القتالية للقوات الأميركية في العراق، يتجدد التساؤل مرة أخرى: "هل تنسحب أميركا من الشرق الأوسط؟".

يحمل التساؤل في طياته جانبين، الأول سياسي، والثاني عسكري، وما بينهما نفوذ طويل المدى للولايات المتحدة الأميركية يتجاوز السبعة عقود، أي منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في المنطقة.

ينقسم المحللون للمشهد إلى قسمين، واحد يرى أن الشرق الأوسط لم يعد مهما لمستقبل الولايات المتحدة التي باتت منشغلة إلى أبعد حد ومدى بشرق آسيا، وبخاصة لجهة مواجهة روسيا وبهدف حصار الصين.

فيما تيار آخر يذهب إلى أن واشنطن لا تمتلك رفاهية مثل هذا الانسحاب ذلك لأنه ببساطة شديدة يعني تفريغ مربعات نفوذ جيوسياسية على درجة عالية من الأهمية، للقوى التقليدية المنافسة، ما يختصم من القوة والمنعة لأميركا عالميا مرة وإلى قرن قادم على الأقل.

ولعل التساؤل بشكل آخر: "ما الذي تحتاجه أميركا في مخططاتها بالنسبة للشرق الأوسط، هل تحتاج إلى انسحاب أم هي في عوز إلى استراتيجية جديدة؟".

صاحبة علامة الاستفهام السابقة، هي داليا داسا كاي، الباحثة في مركز "بيركل" للعلاقات الدولية في جامعة كاليفورنيا، والتي ترى ضرورة تحول فكر الولايات المتحدة من دائرة الانسحاب الذي يولد المزيد من الأزمات إلى آفاق الإمكانيات الجديدة، بالتعاون مع حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة.

ليس سرا أن الانسحاب الأميركي الفوضوي والمرتبك من أفغانستان في أغسطس/آب المنصرم، قد ولد انطباعا قويا بأن واشنطن لم تعد راغبة في البقاء في منطقة الشرق الأوسط بحال أو بآخر، غير أن واقع الحال يشير إلى صعوبة لوجستية كبيرة في مطابقة المشهدين، لاسيما في ظل وجود تحد عالمي لواشنطن في المنطقة يتمثل في إيران، وبرامجها النووية والصاروخية، عطفا على أطماع صينية روسية جلية للعيان في الإحلال والتبديل محل الولايات المتحدة، ومن هنا يفهم المرء لماذا تحتفظ أميركا وحتى الساعة بشبكة مترامية الأطراف من القواعد العسكرية في المنطقة، ومبدية استعدادها لتقبل حتى أكثر شركائها المفارقين لها أيديولوجيا، باسم تعزيز الأمن الإقليمي، بل الأكثر من ذلك، ناهيك عن أن الديناميات الإقليمية قد تقود إلى مزيد من عدم الاستقرار والعنف، ما يستدعي الوجود الأميركي.

ولعل التساؤل الأكثر إثارة للجدل هو: "ماذا عن موقف إدارة بايدن من فكرة الانسحاب من الشرق الأوسط، وهل هي حاسمة حازمة في هذا الاتجاه أم أنها تقدم خطوة وتحجم خطوة أخرى؟".

بحسب قراءة معمقة نشرتها مجلة الفورين بوليسي ذائعة الصيت، فإن بايدن ومنذ دخوله إلى البيت الأبيض، يؤكد بشكل لا لبس فيه أن تركيزه سيكون على الصين، ومنطقة المحيطين الهندي والهادي، مع رغبته بـ"إعادة التوازن" إلى الوجود العسكري للولايات المتحدة في الشرق الأوسط.

تبدو واشنطن أمام مفترق طرق صعب، فهي من جهة وتحت ضغوط الانعزاليين، لا تريد بقاء جنودها خارج ترابها الوطني، ويبدو أن الأمر لم يكن قسرا على ترامب فحسب، بل ينسحب ولاشك على بايدن، فلا أحد يريد إراقة المزيد من الدم الأميركي خارج التراب الوطني، مع توجه مستقبلي يميل إلى القطع بأن واشنطن ليست شرطي العالم أو دركه.

لكنها ومن جهة أخرى، تبدو أمام تحدٍ مزعج آخر مرتبط بتعهداتها في الدفاع عن المنطقة تجاه الأطماع المسيطرة على قوى إقليمية بعينها لا تغيب عن أعين القارئ، عطفا على إرهاصات عودة تنظيم الدولة الإرهابي داعش، والذي بدأ من جديد يشكل دائرة إزعاج حقيقية للأوضاع الأمنية في المنطقة.

من هنا تنطلق الفورين بوليسي في رؤيتها والتي تتمحور حول حاجة الولايات المتحدة إلى إعادة تقويم رصينة للأدوات العسكرية التي ينبغي أن تكرسها للشرق الأوسط وهذا يشمل تقييما واضحا لكيفية إعطاء الأولوية للموارد العسكرية لواشنطن، وكيفية ربطها بشكل أوثق بالأهداف الاستراتيجية للولايات المتحدة.

قد تبدو مسارات ومساقات الولايات المتحدة في المنطقة غير تقليدية، بمعنى أنه لا حاجة لواشنطن لحشد العديد من قواتها وبعشرات الآلاف، وبوضعية عسكرية هي بقايا حروب عفا عليها الزمن.

يقترح البعض في الداخل الأميركي أنه يمكن لواشنطن أن تتفاوض على اتفاقيات خطط طوارئ مع شركاء إقليميين حتى تتمكن من نشر القوات وتوسيع نطاق المرافق إذا لزم الأمر.

البعض الآخر يرى أنه يمكن للولايات المتحدة أن تنأى عن تشغيل مجموعة من القواعد الكبيرة في المنطقة، وأن تعتمد بدلا من ذلك نظام قواعد موزعة مصممة للحفاظ على الأصول الأميركية، أي الأسلحة والقدرات العسكرية،آمنة، وهذا يعني إبعادها عن بعض القواعد التي يرجح أن تواجه هجمات من الصواريخ الإيرانية، إلى قواعد خارج نطاق ساحات التهديد الأسوأ.

يتساءل الكاتب والمفكر الأميركي، بن رودس، في قراءة أخيرة له في الفورين بوليسي عينها عن: "الكيفية التي تتيح بها الولايات المتحدة لأعدائها اختطاف سياستها الخارجية؟".

قراءة بن رودس مطولة، لكن خلاصتها أن العالم يعتبر مكانا صعبا وخطيرا في بعض الأحيان، لذا يجب على الولايات المتحدة أن تفرض نفسها للدفاع عن مصالحها، ولكن ينبغي تعريف حقبة ما بعد 11 سبتمبر، ليس من خلال المواجهة مع العدو التالي الذي ينتظر دوره، بل من خلال تنشيط الديمقراطية كوسيلة ناجحة في التنظيم البشري.

ولعل الأهم هو استبدال الحرب على الإرهاب بمشروع أفضل للأجيال، وهنا يجب على الأميركيين أن يدفعوا بأفكار يدعمونها، لا أن ينسحبوا من جراء الآراء التي يعارضونها، والمهارة في التوفيق بين الأمرين.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – العربية نت-



مقالات أخرى للكاتب

  • أميركا: انتخابات الرئاسة وحديث البدائل
  • بايدن مأزق للديمقراطيين أم لأميركا؟
  • متلازمة التعاسة.. بعيدًا عن السياسة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي