ما زال كارهو توني بلير يجترون أكاذيب حرب العراق
2022-01-09
جون رينتول
جون رينتول

لمدة عشرين سنة تقريباً، تقوم صحيفة "ذا ديلي ميل" باجترار كل ما يتيسر لها من القصص المكررة قليلة الأهمية ضمن حملة الكراهية التي تشنها ضد توني بلير بسبب حرب العراق، وهي حملة عسكرية دعمتها الصحيفة بحذر وقت شنّها.

في الصفحة الأولى من طبعة يوم [الخميس] نُشر مقال رئيس بعنوان "وزير سابق يقول: طلب مني مساعد بلير إحراق مشورة بخصوص حرب العراق"، وهو استفادة بارعة من كتاب صدر قبل شهرين رويت فيه قصة ترددت قبل سبع سنوات، وتشير إلى وثيقة نشرت قبل 17عاماً، في محاولة لجمع مزيد من التوقيعات الإلكترونية على التماس ضد تقليد بلير لقب فارس.

يورد المقال الرواية التي قدمها جيف هون، وزير الدفاع أيام حرب العراق، في مذكراته التي تحمل عنوان "انظروا كيف يفرون" الصادرة في نوفمبر (تشرين الثاني). حصل هون على نسخة من المشورة القانونية التي قدمها المدعي العام بيتر غولدسميث مباشرة قبل غزو العراق في عام 2003. وعندما سأله سكرتيره الخاص الأول جوناثان باول، الذي كان يشغل منصب رئيس فريق موظفي بلير، ما الذي يجب فعله بالوثيقة بعد اطلاع هون عليها، أجابه الأخير بأنه طلب منه "إحراقها".

رأت هذه القصة النور لأول مرة عندما نشرتها صحيفة "ميل أون صاندي" قبل سبع سنوات، وكانت مكتوبة بعبارات أكثر سخونةً. في عام 2015 ذكرت صحيفة "ميل أون صنداي" أن الوثيقة "ذكرت أن الحرب كانت غير قانونية"، لكن الأمر لم يكن كذلك. كانت نصيحة اللورد غولدسميث التي سربت عشية انتخابات عام 2005 في محاولة للإضرار بـبلير، تقول إن العمل العسكري كان قانونياً في رأيه، لكنه أعرب عن قلقه من احتمال الطعن في القرار في المحاكم البريطانية. هناك حرص أكبر في صياغة القصة التي نشرتها "ذا ديلي ميل"، اليوم، حيث قالت إن العبارة الواردة في المذكرة هي أن الحرب "يمكن أن تكون غير قانونية"، وهي ليست الصيغة التي استخدمها المدعي العام.

نحن نعلم الآن، بعد مرور قرابة عقدين من الزمن، أن مخاوف اللورد غولدسميث لم يكن لها أساس من الصحة. ولم ينجح الشروع في اتخاذ أي إجراء قانوني ضد قرار شن الحرب على العراق - القرار الذي أوصى به بلير ولكن اتخذه مجلس الوزراء والبرلمان. وكان رأي المدعي العام أن العمل العسكري مشروع صحيحاً. يستخدم بعض الأشخاص لغة قانونية للتعبير عن معارضتهم للقرار، لكن لا توجد محكمة يمكن أن تخضع رأيهم للمحاكمة. عندما وصف كوفي عنان الأمين العام السابق للأمم المتحدة الحرب بأنها غير شرعية، كان يعني أنها تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة، لكن هذه مسألة رأي، وليست مسألة قانون.

ما قاله هون في مذكراته هو عكس ما نقلته "ذا ديلي ميل": "قرر المدعي العام أن غزو العراق سيكون قانونياً إذا اعتقد رئيس الوزراء أن القيام بذلك يصب في المصلحة الوطنية للمملكة المتحدة". وعلق قائلاً: "لم تكن هذه بالضبط المصادقة القانونية التي كان ينشدها رئيس هيئة الأركان".

في الواقع، أثارت هذه النصيحة الذعر، ليس فقط في وزارة الدفاع، ولكن في مقر رئاسة الحكومة في ذلك الوقت. ففي حين أثلج قلب بلير من تغيير اللورد غولدسميث رأيه السابق بأن العمل العسكري سيكون غير قانوني، فقد فعل ذلك بطريقة محترزة وملتبسة بحيث سيستغل معارضو الحرب تعليقاته للقول إن الموقف "غير واضح"، وإن "المسلك القانوني الأسلم" سيكون ضمان قرار آخر من الأمم المتحدة - وهي محاولة كان التخلي عنها وشيكاً.

بعد ذلك، ثم تم إقناع اللورد غولدسميث بأنه يحتاج إلى تقديم وثيقة أقصر توضح مسألة قانونية العمل العسكري إلى مجلس الوزراء والجيش، وهو ما فعله بعد 10 أيام، حيث قدم ورقة واحدة قال فيها صراحة: "تمت استعادة صلاحية استخدام القوة بموجب القرار 678 ولا تزال مستمرة حتى يومنا هذا".

أما بخصوص التعليمات الخاصة بـ"حرق" الوثيقة الملتبسة الأطول، فقد نفى باول أنه أعطاها. افترضت أنه لو قال تلك العبارة، لكانت طريقة كوميدية سوداء للتأكيد على مدى حساسية الوثيقة، إذ من البديهي أن رئاسة الحكومة والمدعي العام يحتفظان بنسخ منها. على أي حال، نشر المستند منذ فترة طويلة وباستطاعة أي شخص قراءة محتواه.

في رأيي، الأمر الأكثر إثارةً للاهتمام في مذكرات هون المكتوبة بشكل جيد وجذاب هو الجزء الوارد مباشرة بعد قصة المشورة القانونية. يروي هون كيف أنه، في الأيام التي سبقت غزو العراق، تناول العشاء بمفرده في المطعم المؤقت لوزارة الدفاع: "أجريت محادثة مع الشخص الآخر الوحيد الذي كان يأكل هناك في ذلك الوقت. لم يعرف عن نفسه، ولكنه قال إنه يعرف العراق، وإننا كنا نقوم بالفعل الصحيح بمهاجمة صدام حسين وإسقاطه... لم يخبرني بالتحديد أنه كان مفتش أسلحة تابعاً للأمم المتحدة، على الرغم أن الكلمات التي استخدمها جعلت من الواضح جداً أنه يعرف بالتفصيل الموضوع الذي يتحدث عنه فيما يتعلق بالعراق وبرامج أسلحته المختلفة". لم يعلم هون إلا في وقت لاحق، بواسطة زوجة ديفيد كيلي وبناته، أن الرجل "أخبرهن عند عودته إلى المنزل في تلك الليلة أنه أجرى محادثة طويلة عن العراق مع وزير الدولة".

هذه النظرة التي تبين لنا كيف أن قضية الحرب في العراق كانت معقدة وكيف تمت موازنتها، تبدو لي قيمة أكثر من إعادة صياغة الكثير من الأساطير الكارهة لـبلير.

 

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس

الاندبندنت عربية



مقالات أخرى للكاتب

  • قاعدة حزب "المحافظين" البريطاني تتآكل على ثلاث جهات
  • هل يتفوق العمال أخيرا على المحافظين في الإنفاق الانتخابي؟
  • توني بلير يتحكم بإمبراطورية من المال والسلطة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي