مصير «المحافظين».. أسبوع بريطاني لا ينسى
2022-06-11
جيفري كمب
جيفري كمب

في الأيام الماضية الأخيرة، أحيت بريطانيا الذكرى السبعين لجلوس الملكة إليزابيث الثانية على العرش في 1952. الاحتفالات باليوبيل البلاتيني للملكة أُقيمت على مدى أربعة أيام وشملت استعراضات كبيرة، وحفلات، وقداساً دينياً بكاتدرائية سينت بول، والعديد من حفلات الشوارع عبر كل أنحاء البلاد، ويوماً إضافياً لعطلة رسمية للبريطانيين. وفي ذلك اليوم نفسه، واجه رئيس الوزراء بوريس جونسون من حزبه تصويتاً سرياً حول سحب الثقة من زعامته. وفاز جونسون في التصويت بـ211 مقابل 148، وهو ما قد يبدو أشبه بانتصار، لكنه كان ضربةً موجعةً جداً، وربما قاتلة، لسمعة رئيس الوزراء ولقدرته على الحكم.

اليوبيل مثّل نجاحاً كبيراً، وأظهر أنه على الرغم من الانقسامات الصعبة والمرّة التي تعتري المجتمع البريطاني، بما في ذلك صدمة الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، والخلافات المتواصلة حول الهجرة والصحة والاقتصاد، فإن المؤسسة الملكية ربما تمثل الموضوع الوحيد الذي يوحّد البلاد.

وعلى الرغم من أن الملكة البالغة من العمر 96 عاماً كانت غير قادرة على حضور كل الفعاليات المقامة بهذه المناسبة، إلا أنها كانت في حالة صحية ممتازة، ومن الواضح أنها استمتعت بالدعم والإعجاب الإضافيين اللذين تلقتهما من مئات آلاف الأشخاص الذين ملأوا شوارع لندن على مدى عدة أيام وليال. ولحسن الحظ، كانت الظروف المناخية ممتازةً، خلافاً ليوم تتويجها ملكة ذات يوم من أيام يونيو عام 1953 حين هطلت أمطار غزيرة طوال اليوم. لقد كانت النجمة، ولا أحد من أفراد العائلة حاول سرقة الأضواء منها، بمن فيهم الأمير هاري وزوجته الأميركية ميجن، اللذان دشنا أول ظهور لهما مع العائلة منذ سنوات.

مستقبل الملكية البريطانية أبرزته رؤى الملكة في حضور خلفها تشارلز والحفيد ويليام وابن الحفيد جورج، وجميعهم على خط خلافتها. ولا شك في أن سد فراغ غياب الملكة سيكون أمراً صعباً ومحزناً، لذلك يثور التساؤل: هل سيحتضن الجمهورُ تشارلز بنفس الاحترام والتقدير؟ الواقع أن الدعم الشعبي للملكية يظل أعلى مما كان عليه خلال عقد التسعينيات في ظل ميلودراما زواج تشارلز وديانا العاصف ثم موت ديانا في عام 1997. فخلال تلك الفترة، كانت العائلة الملكية موضوع انتقادات قوية بسبب ما كان يعتبره البعض بعداً عن الشعب ولامبالاة برغبات الجمهور الذي كان حزيناً أشد الحزن بسبب وفاة ديانا. ولا شك في أن قدرة التاج على البقاء والاستمرار خلال تلك الفترة تؤشر إلى أنه سيكون قادراً على الاستمرار لسنوات وعقود طويلة مقبلة، وإن بقدر أقل من الأبهة والطقوس.

وبالمقابل، تراجع الدعم لرئيس الوزراء بسرعة كبيرة منذ الانتخابات التشريعية لعام 2019 عندما حقق حزبه نصراً ساحقاً على حزب العمال وزعيمه اليساري المتطرف جيريمي كوربن. تراجع شعبية جونسون بلغ ذروته مع صدور تقرير رسمي أظهر أنه وزملاءَه المقربين خرقوا قواعد «كوفيد-19» الصارمة بشأن التباعد الاجتماعي، والتي كانت حكومته قد أقرتها خلال أوج فترة الجائحة. فخلال تلك الفترة، حضر جونسون حفلات، في حين مُنع مواطنون عاديون من زيارة أقاربهم المحتضرين في المستشفيات.

مشاعر الغضب من جونسون ازدادت، وصعدت إلى الواجهة أسئلة جديدة بشأن أهليته للاستمرار كرئيس للوزراء. يقال إن الفيلسوف الإغريقي هرقليطس، في عام 500 قبل الميلاد، هو من نحت عبارة أن «الشخصية هي القدر». وبالنسبة لكثيرين، فإن شخصية بوريس جونسون كانت دائماً نقطة قوته وعيبه القاتل معاً. فمواقفه التي تميل إلى الاحتفالية والبهرجة مكّنته من الفوز في الانتخابات وكسب كثير من معاركه الأخرى، لكن عدم مراعاته أحياناً لقواعد السلوك العامة، وتجاهله المتكرر للحقيقة، يثيران انتقادات حوله منذ عدة أعوام.

واستناداً إلى تاريخ رؤساء وزراء آخرين من حزب المحافظين فازوا بفترات سماح في تصويتات حول سحب الثقة، فإن تداعيات هذه المحنة تعني في العادة رحيلهم المبكر. وقد حدث هذا لمارغريت تاتشر، كما حدث لتيريزا ماي. وأغلب الظن أن أي خطأ فادح آخر يصدر عن جونسون سيعني نهاية تزعمه للحزب والحكومة.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس – الاتحاد-



مقالات أخرى للكاتب

  • القوة الأميركية بعد «عاصفة الصحراء»
  • نهر نهاية العالَم الجليدي
  • دراما الانتخابات الأميركية





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي