اقتحام بن غفير للأقصى.. "نصر تكتيكي" أم خدمة للفلسطينيين؟
2023-01-07
كتابات عبرية
كتابات عبرية

إن ظهور وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، على مدخل الحرم حصل على صدى إعلامي واسع وردود فعل على نطاق دولي. مع ذلك، حتى لو استمرت الزيارة فترة زمنية محدودة جداً، فقد مرت بدون أي حادثة على الأرض وبصورة سهلة من ناحية عملية. رئيس “قوة يهودية”، الذي كانت كل زيارته وصفة لانفجار وتصادم، دخل هذه المرة إلى باحات الحرم وهو يحمل منصب وزير الأمن القومي، بل بضع ساعات على تعيينه في الكابينت السياسي الأمني. تجول في باحات الحرم والتقط الصور هناك، وفي غضون ذلك استفز حماس والفلسطينيين. تدعي الشرطة ومن هم في محيط الوزير أن ذلك كان انتصاراً تكتيكياً.

مر الحدث أيضاً بهدوء رغم كل النداءات والتهديدات – سواء من السلطة الفلسطينية في رام الله أو من حماس في قطاع غزة، وحتى من رئيس المعارضة يئير لبيد – القائلة بأنها زيارة ستشعل المنطقة وتزيد سفك الدماء. صورة بن غفير، الذي تم توثيقه وهو يخرج لسانه لمعارضيه في الكنيست، ربما تكون مناسبة هنا أيضاً. وربما لو تعلق به الأمر لأعاد هذه اللقطة أمام الرئيس الفلسطيني محمود عباس وزعيم حماس في القطاع يحيى السنوار، وبالتأكيد أمام لبيد.

تفسير غياب رد الفلسطينيين في القدس لا يتعلق بالتحديد بنفس هذه العوامل. لا يوجد للسلطة الفلسطينية على الأرض، ولا لحماس أيضاً، أي بنية تحتية تنظيمية في القدس يمكن أن تملي جدول الأعمال العام، وتخرج الجمهور إلى الشوارع. يبدو أن هذا قد يعطي لإسرائيل أفضلية وادعاء بالسيطرة. ولكن عملياً، لا توجد أفضلية هنا، بال العكس؛ ثمة أوقات كان التحدث فيها مع رجال حركة فتح في السلطة أو في القيادة الفلسطينية شرقي القدس، هو الذي منع حدوث العنف وسفك الدماء.

السلوك في القدس في السنوات الأخيرة شعبي بالأساس، وينمو ويتطور على الأرض، وغير متوقع. قضية البوابات الإلكترونية على بوابات الحرم في 2017 والاحتجاج في الشيخ جراح، وحتى أحداث عملية “حارس الأسوار” في 2021، التي تطورت من حدوث كثيف للشباب على درج باب العامود، أثبتت أن من يحدد النغمة في شرقي القدس غير مرتبط أبداً بقيادة سياسية لفصيل معين. هذا احتجاج قد يندلع في لحظة ويجر خلفه الجمهور بدون أي إنذار أو أي توجيه من غزة أو من رام الله.

بناء على ذلك، فإن ما مر بهدوء أول أمس لا يعطي ضمانة لما سيتطور في الغد أو في المستقبل القريب. احتجاج وانتفاضة في القدس حول المسجد الأقصى سيدويان أيضاً في فضاء أوسع، الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل الخط الأخضر أيضاً. وإذا لم يكن هذا كافياً، فهناك في عمان والقاهرة وحتى في الرياض وأبو ظبي أيضاً. فهم هناك مبالون بمغزى الزيارة، ويكفي فحص تسلسل الردود لفهم الرسالة، إن حكم القدس، لا سيما الحرم، ليس كحكم غزة وجنين. عدد القتلى في السنة الأخيرة في الضفة الغربية لم يستدع إصدار بيانات دولية بالحجم الذي كان بالأمس. لن ينجح أحد في التنافس إزاء رمزية المسجد الأقصى والقدس.

مع ذلك، إذا كان بن غفير والشرطة يرسمون علامات الانتصار فإن هذه الزيارة، بأثر رجعي، خدمت الدعاية الفلسطينية بشكل كبير جداً، حتى لو لم تسجل أي حادثة عنف واحدة. لم تكن القيادة الفلسطينية فقط تحلم بعقد مجلس الأمن خلال أسبوع من أداء حكومة نتنياهو لليمين، والحصول على الدعم العربي والإسلامي، وحتى على رد أمريكي يتبنى موقفهم بشأن الوضع القائم في القدس. هذا الموقف يتخذ بعد أقل من أسبوع من مصادقة الجمعية العمومية للأمم المتحدة على مشروع القرار الفلسطيني الذي طالب برأي استشاري من محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن التداعيات القانونية لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وشرقي القدس.

في إسرائيل بالطبع يهاجمون القرار، ويهددون بعدم التعاون، لكن في غضون أسبوع سيتعين عليهم مواجهة انعقاد مجلس الأمن وبيانات إدانة من كل العالم. قام بن غفير بزيارة الحرم ودغدغ غروره، وربما غرور بعض ناخبيه. هو عملياً، قدم خدمة مؤثرة للدعاية الفلسطينية ولمكانة الحرم في العالم العربي والإسلامي، وربما سيطالب بأحقيته في شعار “بن غفير جيد للعرب”.

 

بقلم: جاكي خوري

 هآرتس 5/1/2023



مقالات أخرى للكاتب

  • هل كان "منع الفيتو الأمريكي" متفقاً عليه مع تل أبيب؟  
  • الأمن الإسرائيلي متوجساً من "لاهاي": ما مصير علاقاتنا مع الولايات المتحدة؟  
  • “الجزيرة” تنشر “فيلم رعب”.. والمتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي: كانوا في ساحة شهدت قتالاً من قبل!





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي