سقف الدين الأمريكي.. منعطف مثير وخطير
2023-01-17
إميل أمين
إميل أمين

سريعا بدأ موسم معارك الكونغرس، وبخاصة في ظل الصراعات الخفية والظاهرة، بين الحزبين الكبيرين، والكثير من الثأرات القديمة، التي يتطلع أصحابها للانتقام كل من غريمه.

بدأ الموسم افتتاحيته من خلال أزمة وثائق بايدن السرية، والتي تكاد تشبه كرة الثلج، ذلك أنها تكبر وتتعاظم يوما تلو الآخر، وهي ليست حديثنا، بل لنا معها عودة عما قريب، وفي ضوء ما يستجد من أحداث.

حديث الساعة هو قضية سقف الدين الأمريكي، ذلك أنه وخلال الساعات القادمة، حتى نهار الخميس، يمكن أن تدخل الولايات المتحدة في حالة شلل أو إغلاق حكومي.

قصة سقف الدين الأمريكي باتت تتكرر بصورة شبه تقليدية، غير أنها هذه المرة، تكتسب مخاطر مجتمعية وسياسية، قبل أن تعكس وجها فراقيا وشقاقيا سياسيا.

جرت العادة أن تغطي حكومات الولايات المتحدة العجز بين الإيرادات والنفقات، من خلال الاقتراض، سواء من الأسواق الخارجية، وغالبها دول وحكومات، أو من الداخل المتمثل في البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية الكبرى.

غالبا ما يكون الاقتراض في صورة أوراق مالية قابلة للتداول، وأذونات خزانة، وأحيانا سندات تضمنها الحكومة الفيدرالية، ولا تتأثر بالتضخم، حيث تستثمر فيها دول وحكومات وصناديق كبرى.

يبلغ الحد الأقصى للدين المسموح به للولايات المتحدة 31.4 تريليون دولار، وحتى السبت الماضي، بلغ 31.38 تريليون دولار، بحسب آخر البيانات على موقع وزارة الخزانة الأمريكية.

يبدو الرقم المتقدم حقا مخيفا، ذلك أنه يعني أن الدين العام يقارب 130% من الناتج الإجمالي لأمريكا، وبتوزيعه على تعداد أمريكا، يخلص المرء إلى أن كل مواطن أمريكي كبير أم صغير، رجل أم سيدة، بات محملا بأعباء هذا الدين.

هل يمثل المشهد مخاطر حقيقية على سمعة أمريكا مالئة الدنيا وشاغلة الناس؟

ذلك كذلك قولا وفعلا، وهو ما نبهت إليه وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت بلين، حيث اعتبرت أنه ما لم يقم الكونغرس برفع سقف الدين، ليتجاوز مبلغ 31.4، فإن البلاد ستدخل في إجراءات استثنائية، ستكون لها نتائج مريرة على الأمريكيين في الداخل، كما ستنعكس على مقدرة أمريكا على سداد ديونها.

في الداخل، سوف يتم تعليق المساهمات في صناديق التقاعد، والصناديق السيادية، وهو أمر لا يمكن بحال من الأحوال أن يستمر لأكثر من ستة أشهر.

وبتفكيك أكثر، سوف تتأثر عمليات الرعاية الصحية، والعديد من الخدمات الطبية التي تقدمها الحكومة الاتحادية لمواطنيها، مثل الميدكيد، والميدكير ،وغيرهما.

كما ستعاني العديد من الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد على قروض فيدرالية، وسيتوقف دفع رواتب الموظفين الفيدراليين، وبالنتيجة سوف تغلق الكثير من الشركات أبوابها.

يعني ما تقدم أن الاقتصاد الأمريكي الداخلي، والذي يعاني حتى الساعة من آثار جائحة كوفيد – 19 من جهة، ومن تبعات الحرب الروسية – الأوكرانية من جهة ثانية، سوف يتجرع المزيد من الركود والتضخم والكساد، عطفا على زيادة الأسعار، ما يعني عدم قدرة المواطن الأمريكي على تلبية احتياجاته اليومية بالشكل الذي اعتاده.

على أن الطامة الكبرى التي ستحدث حال عدم رفع سقف الدين، واستمراء الحزبين لحالة العناد، تتمثل في التخلف عن سداد الديون الخارجية، الأمر الذي لا يمكن إصلاحه باعتراف بيلين نفسها، وهو ما قد يدفع بتخفيض التصنيف الائتماني السيادي لأمريكا، وبالتالي لن يتم النظر إليها بوصفها أفضل مكان للاستثمار حول العالم، وللقارئ أن يتخيل ردات الفعل الدولية، حال طالبت دول العالم والمستثمرين الأممين بودائعهم، أو محاولة تسييل أذونات الخزانة التي يحوزونها.

لماذا تبدو المعركة قاسية بين الجمهوريين والديمقراطيين؟

باختصار غير مخل، يرى الجمهوريون أن الديمقراطيين قد أسرفوا بغير حد أو مد، خلال العامين الماضيين، لاسيما أنه كانت لهم اليد الطولى في مجلس النواب.

في أكتوبر الماضي وفي خضم أزمة مشابهة، قال مكتب الميزانية في الكونغرس إن عبء الدين الاتحادي سيتضاعف على مدى الثلاثين عاما القادمة، ليبلغ 202% من الناتج الاقتصادي بحلول عام 2051، مع نمو العجز وارتفاع أسعار الفائدة في نهاية المطاف.

لم يعد هناك أدنى شك، في أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعاني من حالة تشظٍ سياسي، تعمل على تفتيت نسيجها المجتمعي فحسب بل أضحت على عتبات أزمة اقتصادية واضحة تدل عليها معدلات الفائدة غير المسبوقة، والتي بلغت نحو 5% ما ينذر بالمزيد من الانكماش والكساد، ويحذر من إمكانية انهيار سوق العقارات على سبيل المثال، ما يعيد أشباح أزمة التوريق البنكية العقارية للعام 2008.

ما المطلوب من الديمقراطيين المسيطرين على مجلس الشيوخ؟

يرى الجمهوريون أنه لابد من تخفيض الإنفاق، وإنهاء نهج بايدن الخاص بسياسات الاستدانة الأمر الذي يجعل الطفل الأمريكي بمجرد ولادته، مطالبا بـ 150 ألف دولار من ديون بلاده، والعهدة هنا على الكاتب الأمريكي ستيفن مور ، عبر صحيفة "ذا هيل " الأمريكية.

حكما لن يقبل الديمقراطيون ذلك، ومرد الأمر أن البديل مر، ويتمثل في تخفيض النفقات أو زيادة الضرائب، وكلاهما يقود إلى فقدان الديمقراطيين حضورهم وشعبيتهم بين مؤيديهم، لصالح الجمهوريين.

الأمر المثير الآخر هو أن تخفيض النفقات، سيؤثر على واحدة من أهم القضايا مثار الشد والجذب في الكونغرس، ونعني بها قضية تمويل الحرب في أوكرانيا.

يتساءل الجمهوريون، وربما معهم ملايين الأمريكيين: "هل مائة مليار دولار دعما لكييف – زيلينسكي، خدمت الأمن القومي الأمريكي، أم يتوجب التوقف والبحث في الحلول السلمية؟

مهما يكن من أمر، تبدو واشنطن في الساعات القليلة القادمة أمام منعطف مثير وخطير، لكنه طبيعي للذين عندهم علم من كتاب دورات الحضارات الكبرى، نشوئها وارتقائها، ثم اضمحلالها، من فرط امتدادها الإمبراطوري.

ماذا بعد؟ دعونا ننتظر ونرى.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس- العربية نت-



مقالات أخرى للكاتب

  • أميركا: انتخابات الرئاسة وحديث البدائل
  • بايدن مأزق للديمقراطيين أم لأميركا؟
  • متلازمة التعاسة.. بعيدًا عن السياسة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي