إسرائيل على شفا أزمة أمنية خطيرة ونتنياهو أمام الامتحان الأصعب
2023-01-29
كتابات عبرية
كتابات عبرية

قبل شهر على تشكيلها تجد الحكومة الجديدة نفسها أمام أزمة أمنية خطيرة. موجة الإرهاب الحالية في الواقع بدأت في آذار السنة الماضية في ظل ولاية الحكومة السابقة، وبالأساس لم تخبُ منذ ذلك الحين، لكن العملية في حي “نفيه يعقوب” الجمعة الماضي هي الأكثر دموية التي شهدتها إسرائيل من حيث نتائجها منذ 15 سنة.

النجاحات التي سجلها المخربون ربما تجر وراءها موجة من التقليد. الأجواء في القدس متوترة أصلاً على خلفية أحداث كثيرة نسبياً بين الفلسطينيين والشرطة، وبسبب الخلافات حول ما يحدث في الحرم، والشعور العام بأن انفجاراً آخر قد يأتي من الحرم قبل شهري آذار ونيسان، بين بداية شهر رمضان وعيد الفصح. أعلنت الشرطة أمس عن رفع مستوى التأهب واستدعى والجيش كتيبتين للمظليين إلى الضفة الغربية، قتل هناك الخميس تسعة فلسطينيين أثناء عملية اعتقالات في جنين، التي تصاعدت إلى تبادل إطلاق النار بين قوات الأمن ونشطاء مسلحين، معظمهم من أعضاء “الجهاد الإسلامي”.

رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الذي مر بهذه التجربة مرات كثيرة، يعرف أنه لا يمكن تحقيق الأمن والهدوء بهذه الأفعال. إذا كان يمكن أصلاً إدخال المارد العنيف إلى القمقم لفترة معينة، فإن هذا الأمر مشروط بتعزيز استعداد القوات استناداً إلى المعلومات الاستخبارية التي يجلبها “الشاباك” وبإدارة حذرة للأزمة بدون التأثر بدعوات الانتقام في الشارع. ولكنها ليست أوقاتا عادية؛ فنتنياهو بدأ ولايته الحالية بالقيام بعملية قوية، وتشريع يهدف إلى تغيير جهاز القضاء، وتتبلور أمامه معارضة جماهيرية واسعة، وهو بحاجة إلى شركائه الجدد لتمرير التشريع. لو لم تكن الظروف مأساوية بهذا القدر لأمكن إيجاد بُعدٍ ساخر في هذه التعرجات المحرجة للوزير الجديد للأمن الوطني، الذي وصل كالعادة إلى ساحة العملية واكتشف بدهشة أن السكان في “نفيه يعقوب” يعتبرونه المسؤول عن الوضع وعن حله.

انعقد الكابنت الأمني مساء أمس لمناقشة التطورات في “المناطق”. سيحتاج فيها نتنياهو لكل تجربته وحنكته لمنع رؤساء بعض القوائم الأخرى من جره إلى مواجهة أوسع في “المناطق”، التي لن تجلب لإسرائيل نتائج أفضل. كان يتوقع أن يعرض رؤساء جهاز الأمن اقتراحات ملموسة على أمل أن يكتفي الوزراء بعدم المطالبة باصطدام كبير باسم الكرامة الوطنية. في هذه الأثناء، وإزاء الضغط العام والسياسي، يتم الآن القيام بخطوات عبثية. صباح أمس، تفاخرت الشرطة باعتقالها 42 شخصاً من جيران وأبناء عائلة المخرب من حي الطور، الذي قتل المدنيين في “نفيه يعقوب”. واضح للجميع أنه لا رابط مقنعاً بين هذا العدد وحل لغز خلفية العملية (من الذي يعرف عن خطط المخربين ومن هو مشارك فيها).

الخوف من قلب ظهر المجن

بدأت جولة الأحداث الحالية صباح الخميس الماضي بنفس العملية الإسرائيلية في جنين، التي استندت إلى تحذير عام بشأن نوايا وخطط لتنفيذ عمليات، ولم تستهدف كما وصف الأمر في بعض وسائل الإعلام، بوقف سير عملية سبق أن انطلقت. بعد أن قتل رجال “الجهاد الإسلامي”، كان واضحاً أنه سيرى نفسه ممنوعاً من توجيه أي رد مناسب من غزة. ولكن هذا لم يتم تنسيقه مع النشرات الإخبارية المسائية في التلفاز، ولم يوجه لـ”غوش دان”، بل تم تأجيله إلى منتصف الليل، وتضمن صلية نحو عسقلان وبلدات غلاف غزة، وهذه الصلية لم ينتج عنها أي مصابين بسبب قدرة اعتراض القبة الحديدية.

حماس، التي سمحت للجهاد بالإطلاق، وجدت طريقة للمشاركة في النضال هي نفسها، عندما أعلنت بأنها أطلقت صواريخ مضادة للطائرات باتجاه طائرات سلاح الجو التي هاجمت -رداً على ذلك- أهدافاً للمنظمة في القطاع. ولكن حماس منعت “الجهاد” من توجيه رد أشد، لنفس المبررات المعروفة منذ فترة طويلة. يبدو أنه لا توجد للمنظمة المسيطرة في القطاع أي مصلحة في مواجهة أخرى مع إسرائيل في هذه الأثناء؛ فهي تواصل بناء قوتها العسكرية ومسرورة من التمتع من الضرائب على الرواتب التي يجلبها معهم الـ 17 ألف عامل من غزة المسموح لهم بالعمل في إسرائيل منذ أيام حكومة بينيت – لبيد.

الآن يجب الانتباه إلى حقيقة أن “الشاباك” يكشف محاولات لحماس في غزة من أجل تفعيل الإرهاب بواسطة خلايا ومخربين أفراد في الضفة، ومن خلال استغلال دخول العمال من القطاع. في نقاشات داخلية، يحذر “الشباك” من اتساع هذا التوجه ومن غرق إسرائيل في مفهوم خاطئ عن رغبة حماس في هدوء طويل المدى.

مقارنة مع غزة، التي باستطاعتها الانضمام إلى المواجهة بكامل القوة إذا اشتدت، فالمشكلة الفورية تكمن في الإرهاب داخل الضفة وفي القدس، مع التأكيد على العامل الديني في المواجهة حول الحرم. المخرب الذي نفذ عملية “نفيه يعقوب” الذي قتل على يد رجال الشرطة، أصبح بطلاً قومياً في شرقي القدس و”المناطق”. شهدت المدن الفلسطينية مظاهر فرح علنية على المذبحة ضد المواطنين العزل، التي حدثت قرب كنيس (في البداية تم الإبلاغ بالخطأ أنها حدثت أثناء الصلاة)، هذه أسطورة ستبث الإلهام لدى شباب آخرين، لذا قد تكون الأيام القادمة حاسمة.

جهاز الأمن يتصرف في هذه السنة، أكثر مما في السنوات السابقة، في ظل إنذار بشأن إمكانية “قلب ظهر المجن” – حادثة دراماتيكية ستؤدي إلى اشتعال واسع على صيغة انتفاضة ثالثة. لم يحدث هذا حتى الآن، بالأساس لأنه لم تنضم لمئات الشباب منفذي العمليات كتلة كبيرة من الجمهور الفلسطيني الذي سيخرج بجموعه لمواجهة إسرائيل في الشوارع. يبدو أن عوامل الانفجار الآن تراكمت بالتدريج على الأرض. ليس غريباً أن ترسل الإدارة الأمريكية قطاراً جوياً لكبار الشخصيات فيها في غضون أسبوعين إلى هنا. فإلى جانب قلق مبرر في واشنطن من محاولات الحكومة الجديدة تغيير قواعد الديمقراطية في إسرائيل، فإن الأمريكيين قلقون من احتمالية اشتعال واسع في الساحة الفلسطينية.

الدكتور ميخائيل ملشتاين، الخبير في الشؤون الفلسطينية في جامعة تل أبيب وجامعة رايخمان، قال للصحيفة بأن على إسرائيل أن تحاول استغلال زيارة وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلنكن للمنطقة في الأسبوع القادم، لإقناع السلطة الفلسطينية بإلغاء وقف التنسيق الأمني. قرار السلطة الذي هو تصريحي بالأساس، تم اتخاذه الخميس احتجاجاً على عملية الجيش الإسرائيلي في جنين. ذكر ملشتاين بزيارة نتنياهو للأردن في بداية الأسبوع الماضي كخطوة صحيحة، وأوصى بمحاولة تجنيد دول عربية معتدلة أخرى مثل مصر والمغرب في جهود تهدئة النفوس قبل شهر رمضان.

 

بقلم: عاموس هرئيل

هآرتس 29/1/2023



مقالات أخرى للكاتب

  • لغانتس "الساذج" وآيزنكوت "المغبون": ساعر حجر نتنياهو الأخير لـ "الإخفاق المطلق"  
  • شلهوب وديمقراطية إسرائيل".. ما معنى أن يعبر "غير اليهودي" عن رأيه في مؤسسة أكاديمية؟    
  • الاستخبارات الإسرائيلية تسائل نفسها: هل قتلنا مروان عيسى؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي