الدوسري والإعلام ..عن ساحة الأزمنة المعاصرة
2023-03-27
إميل أمين
إميل أمين

خلال أعمال المكتب التنفيذي لوزراء الإعلام العرب في دورته الـ16 بالكويت، توقف وزير الإعلام السعودي معالي سلمان الدوسري، أمام مشهد الإعلام الدولي وواقع حاله في حاضرات أيامنا، مطالبا بجعله أداة من أدوات تعزيز ثقافة الحوار والتعاون والتسامح واحترام القيم والثقافات الأخرى.

الوزير السعودي، الوثيق واللصيق الصلة بعالم الإعلام، أظهر في كلمته أهمية تبني موقف عربي موحد لمواجهة ما تبثه بعض المنصات الإعلامية الدولية من محتوى مخالف، يتعارض مع المبادئ الإسلامية، ولا يحترم قيم وأخلاقيات المجتمعات العربية.

هل من إشكالية حقيقية تلف وسائل الإعلام التقليدية، ناهيك عن وسائط التواصل التي باتت تشبه انفتاح مياذيب السماء، وانفجار ينابيع الغمر العظيم؟

الجواب نجده عند الكاتب والفيلسوف الإيطالي الراحل، أمبرتو إيكو، والذي تحدث ذات مرة قائلا: "إن أدوات مثل فيسبوك وتويتر، تمنح حق الكلام لفيالق من الحمق، فمن كانوا يتكلمون في الحانات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، كان يتم إسكاتهم فورا، أما الآن فلهم المقدرة على الحديث مثلهم مثل من يحمل جائرة نوبل".

غزو البلهاء من جهة، والنوايا الطالحة غير الصالحة من جهة ثانية، يجعل من وسائل الإعلام سلاحا فتاكا، يقطع الطريق على فرص اللقاء الإنساني، بما يحمل من إمكانيات للتعاون والشراكات البناءة.

مضامين كلمة الوزير الدوسري، تتسق طولا وعرضا، شكلا وموضوعا، مع منطلقات رؤية المملكة 2030 التي يقودها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي لا ينفك يؤكد على نشر قيم التسامح والوسطية والاعتدال، ونبذ الكراهية والتطرف، التي تضررت منها دول ومجتمعات كثيرة.

لم يعد الحديث عن الإعلام ترفا، ذلك أن زيادة التفاعل بين الشعوب، وحرية تداول المعلومات والترابط بين الثقافات، أظهر أهمية، بل خطورة الدور الذي تقوم به وسائل نقل المعلومة والصورة كمحفز ووسيط محفور في الوعي العالمي، ويمكن له أن يضحى إيجابيا، وقد يصبح سلبيا في الوقت عينه.

الأصل في وسائل الإعلام ووسائطه أنها تهدف إلى إفساح المجال أمام مختلف الثقافات للتعبير عن نفسها بكل حرية، وبالطرق التي تناسبها، لكن ضمن إطار ما يعرف بالخير العام، مع الابتعاد عن كافة ما يمكن أن يؤدي إلى نزع السلام الاجتماعي من بين الأمم والشعوب.

كما أنها تمتلك القدرة على تجسير العلاقات بين الثقافات المختلفة، وباستطاعتها خلق رؤى تتجاوز التصورات النمطية الموروثة عن الآخر، وتبديد سوء الظن بالآخرين، ومن ثم تعزيز روح التسامح والقبول بالاختلاف، بحيث يصبح التنوع فضيلة، والاختلاف فرصة وطاقة للتعددية في إطار الروح الإنسانية الأكبر والأشمل.

يبدو تاريخ الاتصال البشري أشبه ما يكون بطريق سفر طويل يوجه البشرية، بدءا من مسيرة بابل المستكبرة، وصولا لزمن الإنترنت.

هذا الزمن الأخير، أسهم في إحداث تغيرات ثورية في غالبية إن لم يكن كل مناحي الحياة، وهي تغييرات لا ينحصر ارتباطها بالطريقة التي يتخاطب بها الأشخاص فيما بينهم وحسب، بل أيضا بالطريقة التي يتصورون بها الحياة.

باتت وسائل الإعلام وعن حق، الساحة الأولى في الأزمنة المعاصرة، حيث تفتح مجالات جديدة لتلاقي البشر، ومن هذا المنطلق أضحت لا تؤثر تأثيرا شديدا في المفهوم الذي يكونه الأشخاص عن الحياة فحسب، بل وإلى حد واسع أصبح الاختيار البشري بحد ذاته اختيارا إعلاميا.

اجتماع الكويت، وكلمة الوزير الدوسري العميقة، تجعلنا نتساءل عمن تقع عليه مسؤولية تصويب المسار الإعلامي الذي ينجرف وينحرف كثيرا مؤخرا، حاملا دعوات فراقية لا وفاقية، ومغلبا لغة الخصام على مفردات الوئام، وهل الحكومات فقط هي المسؤولة؟

تبدو مسألة الرقابة المطلقة في زمن السماوات التي انفطرت شبه مستحيلة من قبل جهة واحدة بعينها، ما يعني أن مسؤولية تصويب المسار تقع على عاتق الجميع، أدباء ومفكرين، رجال إعلام وثقافة، قادة دينيين، وطلائع تنويريين، جميعهم مدعوون لوضع الخطط والبرامج الكفيلة بنشر ثقافة الحوار بين أفراد المجتمعات البشرية المعاصرة، وزيادة مستوى الوعي والإدراك الإيجابي الخلاق.

في كتابه "العنف في العصر الرقمي"، بوضح لنا البروفيسور فرانسوا جوست "المتخصص في علم السيميولوجيا (العلامات أو الإشارات اللغوية)، كيف أن الخليقة عرفت العنف منذ بواكير وجودها على الأرض، لكن وسائل انتشارها اليوم تتسارع خطاها وتنتقل من وظيفة التحليل والنقد إلى مرحلة الإدانة وإصدار الأحكام، ما عزز من العنف، لاسيما في ظل عدم وجود قوانين تضع عقوبات رادعة على مستخدمي ومروجي خطاب الكراهية، والذي يعني باختصار غير مخل، أي نوع من التواصل الشفهي أو الكتابي أو السلوكي الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية، أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهوية.

أحسن الوزير الدوسري في بدايات مهامه بالمطالبة بوضع آليات تنفيذية مشتركة واضحة، لبلورة موقف رافض لمحتويات الكراهية والعنف، ومتابعة مدى التزام تلك المنصات بضوابط النشر في دولنا، واتخاذ إجراءات موحدة في حال مخالفتها.

تتيح التكنولوجيا الحديثة للبشر التلاقي خلف حدود المكان والحضارة، وبالتالي خلق عالم جديد تماما، مكونا من الأنماط، إنها فرصة عظيمة، لكنها تحتاج إلى الكثير من العناية والوعي للأخطار المحتملة.

هل من خلاصة؟

قطعا تبقى وسائل الإعلام أدوات لصنع الصيف أو الشتاء، عبر أهداف خيرة أو سيئة، ويبقى الإنسان سيد القرار والاختيار.

*هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن موقع الأمة برس-العربية نت-



مقالات أخرى للكاتب

  • أميركا: انتخابات الرئاسة وحديث البدائل
  • بايدن مأزق للديمقراطيين أم لأميركا؟
  • متلازمة التعاسة.. بعيدًا عن السياسة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي