"المدرعات" بمفهوم إسرائيل الأمني.. بين غايات المتطرفين وخطوات البراغماتيين  
2023-09-15
كتابات عبرية
كتابات عبرية

 

يسعى الوزيران ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش لترجمة قوتهما السياسية إلى تغيير في مفهوم أمن إسرائيل في “يهودا والسامرة”. وربما أكثر مما في مسائل الإصلاح القضائي، فإن فوارق المواقف الأمنية غير القابلة للجسر ستواصل ضعضعة استقرار الحكومة التي تجد صعوبة في هذا الواقع أن ترسم خطاً سياسياً – أمنياً واضحاً دون أن تعلق كل أسبوع في مواجهة صاخبة في داخلها. تارة في موضوع بن غفير حول السجناء الأمنيين، وتارة أخرى عقب نقل تسع مركبات مدرعة ورّدها الأمريكيون لأجهزة الأمن الفلسطينية.

يسعى أحد طرفي الحكومة إلى البراغماتية وإلى خطوات بناء ثقة مع السلطة الفلسطينية، مع خلفية لضغط أمريكي، أما الطرف الآخر في الحكومة فيسعى لتعريفهم كمنظمة إرهابية ويطالب بنزع سلاحهم. في مثل هذا الواقع، يصعب بلورة سلوك سياسي وأمني مرتب على مدى الزمن.

لمحاولة تفكيك اللب السياسي الأخير، اضطر رئيس الوزراء لنشر شريط نفى فيه المنشورات التي جاء فيها أن ما ورد من أنباء حول المركبات المدرعة والأسلحة أيضاً أمور غير صحيحة. إن سرعة رد رئيس الوزراء الذي وقع في الماضي على أسلحة أهم في السلطة الفلسطينية، تشهد على مدى تفجر المسألة السياسية. يرى الجناح البراغماتي في الحكومة، مثل الحكومات السابقة، في السلطة الفلسطينية أهون الشرور. وحسب هذا المفهوم، وبسبب مصالح إسرائيلية، ينبغي تعزيز السلطة وأجهزة الأمن الفلسطينية في النظر أساساً إلى عدو مشترك مركزي، في شكل حماس، وعقب التخوف من سيطرتها على “المناطق” التي هي تحت السلطة الفلسطينية، مثلما حصل في قطاع غزة. بمعنى أنه إذا انهارت السلطة الفلسطينية، فستغرق إسرائيل في تصعيد أمني أخطر حتى الرقبة، وفي عناية مباشرة بملايين المواطنين الفلسطينيين.

إذا ما تحقق مثل هذا السيناريو من ناحية إسرائيل، فستكون حماس الرابحة الأكبر، خصوصاً أنها تسعى لخلق الفوضى في “المناطق”، لكن الأعقد من ذلك أن الربح الصافي سيكون لإيران و”حزب الله” بأن تحرف إسرائيل جل انتباهها ومقدراتها نحو ما يجري في “المناطق”، وستكون عرضة لضغط دولي لا يتوقف. في هذا السياق، لا فرق بين حكومات إسرائيل الأخيرة التي قاد معظمها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

بلا أفق سياسي منظور للعيان، وفي وضع يجد فيه حتى الأمريكيون صعوبة في رؤية حل سياسي، في إطار ما يسمى إدارة النزاع، فإن هشاشة العلاقات بين حكومة إسرائيل والسلطة الفلسطينية تقوم على أساس التنسيق الأمني. في هذا السياق، يأخذ رئيس الوزراء ووزير الدفاع بالموقف التقليدي لجهاز الأمن؛ بأن لإسرائيل مصلحة في تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية.

حتى لو ادعت القيادة السياسية الآن بأن إذن نقل تسع مركبات مدرعة وردها الأمريكيون، هو تنفيذ لاتفاقات قديمة من عهد الحكومة السابقة، يوضح جهاز الأمن بأن نقل المدرعات مصلحة أمنية محضة لإسرائيل بعد أن تعهد الفلسطينيون أمام الأمريكيين بإبداء تصميم أكبر على مكافحة منظمات الإرهاب التي تضعضع الاستقرار الأمني في المنطقة.

وعليه، ففي المحادثات التي تجرى بحميمية من خلف الكواليس في المثلث الذي بين محافل أمن إسرائيلية وأمريكية وفلسطينية، تدعي الأخيرة بأنها بحاجة أيضاً إلى تعزيز قدراتها للعمل داخل مخيمات اللاجئين. المركبات المدرعة ليست سوى جزء من قائمة أطول معنية بها السلطة. الأمريكيون من جهتهم مستعدون للأكثر، بينما تأذن إسرائيل بأقل، لكن بالإجماع لا جديد تحت الشمس. هكذا تعمل الآلية – تدريب، وتزويد الوحدات الفلسطينية بالعتاد والسلاح، وتشكيل كتائب دايتون على أيدي الأمريكيين.

الوزيران بن غفير وسموتريتش يعرفان هذا جيداً، إذ إن العتاد العسكري النوعي لا يأتي بالتهريب عبر الحدود الأردنية. ما تغير عملياً هذه المرة هو معادلة الضغط السياسي على استقرار الحكومة، بما في ذلك المسائل الأمنية من جانب الشركاء من اليمين. يكاد الانضباط الائتلافي ينعدم في هذه المجالات. محاضر مداولات الكابينت السياسي – الأمني يسرب بشكل غير مسبوق، حتى قياساً للسنوات الأخيرة التي كانت سائبة هي الأخرى، وذلك في صالح استخدامات سياسية مؤقتة.

حتى الأزمة الأخيرة، كان وزير الأمن القومي هو الذي سار رأساً برأس أمام الحكومة كلها تقريباً في مسألة السجناء الأمنيين. مثلما في المرات السابقة، بقي بن غفير مع الهواء وجولات العلاقات العامة في وسائل الإعلام، لكن مع صدع آخر نشأ داخل الحكومة وأدى إلى أن تكون قيادة السجناء راضية عن نجاحها في خلق جلبة داخل الحكومة دون أن تحتاج إلى أي خطوة.

مقابل بن غفير، نجح وزير المالية والوزير في وزارة الدفاع بتسلئيل سموتريتش في ترجمة قوته السياسية داخل الحكومة الحالية إلى تغييرات جوهرية في مسائل الإدارة المدنية والبناء والرقابة في “يهودا والسامرة”. في الماضي، كان وزراء وأعضاء حكومة التفوا على رئيس الوزراء من اليمين/ لكن هذا لم يؤثر على سياسة الحكومة، وبشكل عام فإن الخط البراغماتي لطف موقف من يتبنى آراء أخرى، مثل وزير الدفاع الأسبق نفتالي بينيت.

سموتريتش مخلص لطريقه السياسي. فالاتفاقات الائتلافية بناها بحكمة كبيرة على طريقته، وفي قبعته المزدوجة كوزير مالية وكوزير في وزارة الدفاع، بنى لنفسه سنداً سياسياً قوياً انطلاقاً من فهم أنه سيتمكن من تحريك الحكومة نحو اليمين بالقوة. وذلك، بخلاف سلوك حكومات نتنياهو السابقة.

غير أن هذه المصالح التي تسعى لوضع مسائل “يهودا والسامرة” والصراع ضد السلطة الفلسطينية في رأس سلم الأولويات، في تضارب واضح مع مصاعب إسرائيل الأخرى حيال الأمريكيين، وفي الرغبة في التقدم إلى اتفاق مع السعودية، وأمنياً أن تركز إسرائيل على المعركة ضد إيران. في واقع أزمة داخلية عميقة في إسرائيل على خلفية الإصلاح القضائي وموجة الإرهاب المتصاعدة، فإن الفوارق الهائلة داخل الحكومة تصعّب تأديتها لمهامها الجارية في المجال السياسي والأمني أيضاً. في هذا التشكيلة، من الصعب خلق اتفاق تطبيع مع السعودية.

 

تل ليف رام

 معاريف 14/9/2023



مقالات أخرى للكاتب

  • "الكل مقابل الكل".. إسرائيل على مفترق طرق يرسمه السنوار
  • لنتنياهو "غير المؤهل": ساعتك الائتلافية لا تنسجم مع الساعة الدولية  
  • ما صيغة "اليوم التالي" التي ستجمع مصر وإسرائيل في غزة.. "بعد حماس"؟  





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي