بريطانيا: اليمين المحافظ يكسب موقعة أخرى
2020-06-21
جمعة بوكليب
جمعة بوكليب

في الأسبوع الماضي حسم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون المعركة الدائرة داخل حزب المحافظين بين اليمين واليسار منذ زمن، لصالح الفريق الأول بإلغاء وزارة التنمية الدولية ودمجها في وزارة الشؤون الخارجية والكومنولث بوزارة واحدة تحت اسم وزارة الشؤون الخارجية والتنمية، برئاسة الوزير الحالي دومينيك راب، وإعفاء وزيرة التنمية الدولية السيدة آن ماري – تريفلين من منصبها. وبهذا، ينتقل، خلال فصل الخريف المقبل، كادر الوزارة وخبراؤها وميزانيتها البالغة 14 مليار جنيه إسترليني سنوياً، ما قيمته 0.7 من إجمال الدخل القومي إلى وزارة الخارجية، وتحت تصرف وزيرها السيد راب. قرار الإلغاء يؤكد أن اليمين المحافظ عزز انتصاراته بفوز آخر لافت، وفي ساحة مهمة.
الجدير بالملاحظة، أن الإعانات الدولية التي تقدمها الدول الغنية إلى غيرها من دول العالم المحتاجة إلى المساعدة مالياً وتقنياً وفنياً، وغيرها، ليس متروكاً أمر تقريرها، وتصميم استراتيجيتها، في أغلب تلك الدول المانحة، للخبراء والتكنوقراط، رغم أنَّهم، عملياً، الأولى بذلك؛ لما يتوفَّر لديهم من مؤهلات علمية، وما تراكم لديهم من خبرات وتجارب في قضايا وإشكالات التنمية في البلدان الفقيرة، بل يقررها سياسيون وراء أبواب مغلقة، لخدمة أهداف السياسة، عبر شبكة من الخيوط، تبدو في بعض الأحيان واضحة، وفي أكثر الأحيان مموهة وخافية عن الأنظار.
وفي بريطانيا، يكون هذا الإلغاء لوزارة مهمة ومتميزة - وزارة التنمية الدولية، هو الثالث من نوعه. إذ تأسست أول وزارة للتنمية عبر البحار في عهد رئيس الوزراء العمالي هارولد ويلسون عام 1965، وفي عهد خليفته المحافظ إدوارد هيث دمجت الوزارة عام 1970 مع وزارة الخارجية. ولدى عودة العمال للحكم، برئاسة جيمس كالاهان عادت إلى الوجود كوزارة مستقلة إلى عام 1979، حيث ألغتها السيدة مارغريت ثاتشر وعهدت بشؤونها لوزارة الخارجية. ولم تعد الوزارة للظهور إلا بعودة العمال للسلطة عام 1997 بزعامة توني بلير، وبقيت مستقلة حتى منتصف الأسبوع الماضي. ومن المهم الإشارة إلى أن السيد ديفيد كاميرون كان متميزاً عن نظرائه من رؤساء الحكومات المحافظين، بحرصه على استمرار الوزارة وتقوية كادرها، وتأكيد ميزانيتها بنسبة 0.7 في المائة من إجمال الدخل القومي، بإصدار قانون يتفق وتوصيات اللوائح الدولية السارية. وقبل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كانت نسبة 11 في المائة من تلك الميزانية ينفق في الإعانات التنموية عن طريق الاتحاد. ويمكن القول، إنَّ سياسة مساعدات التنمية، منذ عام 1997 كانت سياسة بريطانية تحظى بإجماع كل الأحزاب وبموافقتها ودعمها.
قرار الإلغاء لم يكن مفاجئاً بالكامل؛ لأنَّ تقارير إعلامية منشورة منذ وصول السيد جونسون إلى الحكم، أشارت، آنذاك، إلى ما وصفته بانقلاب سرّي، عبر قرار صادر عن مكتب رئيس الوزراء يقضي بوضع أموال ميزانية التنمية الدولية تحت تصرف وزارة الشؤون الخارجية، مؤكدة صدور أوامر سرّية من الجهة نفسها تقضي بنزع صلاحيات وزارة التنمية الدولية ومنحها إلى وزارة الخارجية، فيما يخصّ تقرير أوجه إنفاق أموال ميزانية الإعانة. وتم إبلاغ المسؤولين في وزارة التنمية، ذلك الوقت، بضرورة قيام الموظفين التابعين لإداراتهم، والمقيمين في الخارج، بتوجيه تقاريرهم مباشرة إلى مكاتب السفراء البريطانيين بالدول الموجودين بها، بدلاً من توجيهها إلى رؤسائهم في مقر الوزارة بلندن، كما كانوا يفعلون في السابق.
وفي سابقة غير معهودة، دان السيد ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الأسبق قرار الإلغاء، واعتبره مضراً بمصالح بريطانيا وبسمعتها دولياً. العادة جرت ألا يتعرض رؤساء الوزراء المحافظون بعد خروجهم من السلطة إلى انتقاد من يتولون بعدهم المنصب. اثنان من رؤساء الوزراء السابقين من حزب العمال، وهما توني بلير وغوردون براون دانا، أيضاً، القرار.
المتابعون للساحة البريطانية سياسياً لا يفوت انتباههم النقاش الدائر منذ سنوات بين التيارين اليميني والليبرالي، داخل حزب المحافظين، حول أوجه إنفاق ميزانية مساعدات التنمية. وكذلك ما سبق وأن أدلى به رئيس الوزراء الحالي من تصريحات بالخصوص في السنة الماضية، قبل توليه رئاسة الحكومة، بتأكيده أنه إذا أُريد لبريطانيا تحقيق طموحها الدولي، فإنه يجب عليها الحرص على عدم إنفاق ميزانية مساعدات التنمية، كما تتصرف جمعيات أهلية خيرية في بلدان إسكندنافيا.
ويرى بعض المراقبين البريطانيين، أن هذه الخطوة تبدو وكأنها الأولى من مجموع خطوات مستقبلية، ذات صلة بإعادة النظر في استراتيجية بريطانيا دفاعياً وأمنياً، على وجه الخصوص. الخطوة نفسها لاقت ترحيباً في الأوساط التقليدية المحافظة، التي ترى أن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى استراتيجية جديدة للانخراط دولياً، تتضمن إدماج كل أنواع القوة الناعمة في مختلف أشكالها المموهة. فالإعانات عنصر مهم، وكذلك برامج تدريب الجيوش والأجهزة الأمنية، والتعليم. وترى هذه الأوساط أن تصحيح مسار الإعانات بوضعها ضمن مسؤوليات وزارة الخارجية، تمنح سفراء بريطانيا، وبمساعدة من الخبراء المختصين، صلاحية تقرير أوجه صرف ميزانيتها ونوع البرامج المستحقة لها في البلدان المحتاجة، بما يخدم مصلحة بريطانيا سياسياً واقتصادياً، على الوجه الأوجب، والأصح.

 



مقالات أخرى للكاتب

  • أنجيلا ميركل... أوان المغادرة





  • كاريكاتير

    إستطلاعات الرأي