انتقام شخصي يقود إلى اكتشاف ملفات المخابرات.

"بلا ندم".. صراع أميركي - روسي من حلب إلى موسكو

2021-05-14

سوبر هيرو أميركي يحركه الانتقامطاهر علوان*


خلال الحرب السورية كان الطرفان الروسي والأميركي وجها لوجه في تلك الساحة المشتعلة، ثم انتهيا إلى العمل كل في ساحته، لكن المخرج ستيفانو سوليما في فيلمه “بلا ندم” يذهب إلى نقطة المواجهة تلك. فريق من القوات الخاصة الأميركية يذهب في مهمة لغرض انتزاع شخص مختطف لدى قوات النظام السوري في مدينة حلب السورية إبّان الحرب المشتعلة هناك.

وبإشراف مباشر من سي.آي.أيه تتم عملية تحرير المختطف، لكن المفارقة أن يكتشف الفريق أن المكان الذي فيه ذلك المختطف كان تحت سيطرة الروس في سوريا، ولهذا تقع مواجهة شرسة بكافة الأسلحة تنتهي بإبادة الروس وتحرير الأسير المختطف.

صراع محتدم


بعد ذلك سوف ننتقل مباشرة إلى الولايات المتحدة وحيث يكون أعضاء فريق القوات الخاصة قد عادوا إلى ديارهم وهنا يتم اغتيالهم تباعا ليأتي الدور على جون كيلي (الممثل مايكل جوردان) حيث يذهب فريق الاغتيال إلى منزله ليلا، بعد أن كان عائدا للتو هو وزوجته الحامل والتي هي على وشك وضع مولودهما، وهناك تقع مواجهة يتمكن خلالها من قتل أغلب أعضاء فريق الاغتيال، لكنه يصدم بأنهم قد قتلوا زوجته وكذلك مات الجنين في بطنها.

لعل هذا التحوّل كان كافيا ليفتح عقل جون على ما جرى من أمر صادم، فهذه الحبكة الثانوية كانت كفيلة بإحداث تحولات جذرية مهمة في بحث جون عمّن هاجموه في بيته ومن قتلوا زوجته.

بالطبع سوف نستنتج أن هناك غموضا كاملا يرتبط بتلك العملية وأسئلة محيّرة من دون إجابات، وهي امتداد لما كنا نسمعه إبّان غزو العراق بتقاطع الأوامر والعمليات بين وزارة الدفاع وبين أجهزة المخابرات. هذه الحبكة وخطوط السرد المتشابكة كانت كفيلة بشدّنا إلى صراع دامٍ لا تعرف نهاياته.

يتجلى تعقيد الصراع في جهل وزير الدفاع عن عمليات الاغتيال، لكن المخابرات تكشف عن منفذي عملية الاغتيال على الأرض الأميركية وقتلة زوجة جون، وببساطة هم من الروس الذين يعملون بشكل غير مباشر مع الحكومة.

وفي مشهد مصنوع بعناية لحظة المواجهة بين جون وعصابة الروس يصاب هو، لكنه يكون في الثواني الأخيرة بين الحياة والموت وهو يصارع روسيا مُقنّعاً يستطيع أن يشخّص بعض ملامحه ولحيته، ليتعرف لاحقا على اسمه ويتم إصدار الأوامر بالقيام بعملية سريّة لاختطاف ذلك العميل الروسي.

من هنا سوف نكون أمام تحوّل مكاني وتحوّل درامي نشهد من خلاله دخول المجموعة الأميركية إلى الأراضي الروسية وشن معركة في قلب موسكو. بالطبع هناك الكثير من الإسراف في البطولة الفردية تكرّسها شخصية جون الذي يتمكن من انتزاع اعترافات من جهات عدة بأن جميع الروس لم يكونوا سوى عملاء للمخابرات الأميركية وأن هذه الأخيرة كانت تريد أن تفتعل احتكاكا مع روسيا بواسطة هذه العمليات القذرة.

السوبر هيرو
أما على صعيد شخصية جون فعند هذه المرحلة يقع التحوّل في شخصيته في كونه قد تم استغفاله، كما أنه يكشف كيف يمكن أن يكون الفرد مستغفلا ويؤدي مهمة مزيفة، ومنها أعمال قذرة، وفيما كان يتحدث هو عن أن دوافعه كانت وطنية بينما نوايا مسؤوليه كانت دون ذلك تماما.

ومن خلال جون يتم ترسيخ شخصية البطل الباحث عن الانتقام بأي شكل وهو الأمر الذي يدفعه إلى مغامرات لا تنتهي يكتظ بها الفيلم إلى درجة اختطاف مسؤول روسي رفيع وقتله، ومن ثم اختطاف وزير الدفاع شخصيا والتسبب بغرقه حتى الموت بسبب تواطئه وإخفائه الحقيقة، وكلها من أعمال السوبر هيرو الأميركي الذي ترافقه صحوة الذات ودوافع الانتقام واتخاذ قراراته منفردا.

لكننا سوف نتساءل عن جدوى اختيار المساعدة حليقة الشعر كارين (الممثلة جودي سميث) لتقود الفريق في مقابل عنف جون وسيطرته، إذ بدا موقعها هزيلا وهامشيا، ومن ثم سوف نتساءل أيضا عن كيفية عثورها على جون في وسط موسكو بعد انتهاء العملية، وكان أجدى من ذلك اختيار ممثلة أقوى حضورا وقابلية جسمانية.

حفل الفيلم بجميع العناصر المؤهلة ليكون عملا جيدا ومهيّأ للفوز في شباك التذاكر عن جدارة، ففيه عنصر الحركة والمغامرات والبطولات الفردية والإثارة والشد النفسي، وفيه أيضا جانب عاطفي وإنساني بالإضافة إلى الجدارة المطلقة للبطل، والطريف أنه يعود عند نهاية الفيلم للظهور معلنا عن تأسيس وحدة لمكافحة الإرهاب عابرة لحدود الدول وكأنه يريد أن يخبرنا بوجود جزء ثانٍ للفيلم.

بنى المخرج خلال ذلك خطوطه السردية التي تجعل من جون هو محور الصراعات ومن دونه تبدو باقي الشخصيات هامشية وأدوارها ضعيفة، وهو خلال ذلك لا يتورع عن التصدي لضابط المخابرات وخنقه لانتزاع اعترافه بالحقيقة. فهو مندفع بجنون إلى غاياته يصطدم بجدار دول لكنه لا يبالي ونقطة قوته التي لا يستطيع أن يجاريه فيها أحد هو كشفه للحقيقة وقدرته على اتخاذ القرار.

 

*كاتب عراقي مقيم في لندن







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي