يفكر في فوزه شخصي على حساب امن اسرائيل : لا يريد منح حماس انتصاراً سهلاً.. لماذا يعطل نتنياهو الوصول لتهدئة في غزة؟

2021-05-15

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهوأصبحت الأوضاع الداخلية الإسرائيلية، ولاسيما المصير السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هي العائق الرئيسي أمام التوصل إلى تهدئة في غزة.

فمع توجُّه وسطاء الولايات المتحدة ومصر إلى إسرائيل يوم الخميس، 13 مايو/أيار 2021، لبدء محادثات التهدئة، كانت جميع الأطراف تدرس الاعتبارات الداخلية الحساسة قبل الموافقة على محادثات إنهاء العنف، حسب تقرير لصحيفة New York Times الأمريكية.

من تفوق حتى الآن؟
يتعيّن على حماس وإسرائيل العثور على وسائل لنشر قصص النصر أمام الرأي العام، بحسب المحللين، لكن مهمة حماس ستكون أسهل من إسرائيل بكثير، حسب الصحيفة الأمريكية.

حيث يجب على بنيامين نتنياهو حساب تأثير القتال على مستقبله السياسي، الذي زاد تعقيداً بسبب الاضطرابات الداخلية بين العرب واليهود في العديد من مدن الداخل.

وقبل الأزمة في القدس التي أشعلت الحرب، كان الرئيس الإسرائيلي قد سحب حق تشكيل الحكومة من نتنياهو في وقت يتعرض فيه لمحاكمة قد تفضي إلى سجنه في حال خروجه من الحكم، ونجاح منافسه يائير لابيد في تشكيل الحكومة، ولذا أشعل الرجل الأزمة في القدس، ويريده أن يجني هو الثمار لا حماس.

بالنسبة لنتنياهو، إنهاء الحرب في الوقت الحالي بعد انفضاض مظاهرة المستوطنين التي حاولت اقتحام الأقصى إثر قصف القسام للقدس، إضافة إلى الهجمات الصاروخية على تل أبيب، ومناطق واسعة من إسرائيل، سيجعل الأمر يبدو في شكل انتصار مدوٍّ لحماس.

والقرار الحاسم بالنسبة لإسرائيل يرتبط بما إذا كان "النصر" يتطلّب إرسال قوات برية إلى غزة، الأمر الذي من شأنه أن يُطيل أمد الصراع ويزيد أعداد الوفيات والمصابين من الجانبين بشكلٍ كبير.

وفي وقتٍ مبكر من صباح الجمعة 14 مايو/أيار، كثّفت إسرائيل هجماتها الصاروخية على غزة وبنيتها التحتية من الأنفاق، وشملت الهجمات قصف المدفعية المكثف، لكن القوات الإسرائيلية لم تدخل غزة نفسها حتى الآن. وسيكون هذا التصعيد كبيراً ضد مسلحي حماس الذين أطلقوا مئات الصواريخ على إسرائيل.

أما حماس التي تُسيطر على قطاع غزة منذ 13 عاماً، وواجهت القوات الإسرائيلية في اثنتين من الحروب الكبرى، فهي تواجه تحدياتها الخاصة فيما يتعلّق بتحويل رواية الأحداث سريعة التطور إلى رواية نصر.

وسبق أن قال القيادي في حركة "حماس"، حماد الرقب، إنهم وضعوا ثلاثة شروط لوقف إطلاق النار: يتمثّل الأول في انسحاب الشرطة الإسرائيلية والمستوطنين من باحات المسجد الأقصى، والثاني وقف كل الانتهاكات بحق أهالي حيّ الشيخ جراح في مدينة القدس، والثالث يتعلّق بإطلاق سراح كل المعتقلين الفلسطينيين الذين سجنتهم إسرائيل خلال "هبّة القدس" الأخيرة.

وأضاف الرقب أنه "في حال استمرت تل أبيب في ممارسة الانتهاكات في القدس ولم تستجِب للشروط، فإن للمقاومة الحرية المطلقة في استخدام كل الوسائل القتالية للدفاع عن جميع الفلسطينيين"، وفقاً لما ورد في تقرير لـ"موقع إندبندنت عربية".

وبالنسبة للفلسطينيين، فإنّ تأجيل الانتخابات إلى أجلٍ غير مسمى الشهر الماضي بواسطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد أحدث فراغاً ترغب حماس في ملئه، حسب الصحيفة الأمريكية.

مشهد من المواجهات التي شهدتها مدن الضفة/رويترز

إذ تجادل حماس بأنها الفصيل الفلسطيني الوحيد الذي يُدافع عن مقدسات القدس، بفضل مخزون الصواريخ المعدلة الهائل، ما يترك عباس في مقعد المتفرج.

وقد تحدث بايدن إلى نتنياهو وكرّر الصيغة المعتادة المتعلقة بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، كما أرسل الرئيس الأمريكي مبعوثاً دبلوماسياً مخضرماً -هو نائب مساعد وزير الخارجية هادي عمرو- لمناقشة التهدئة مع الطرفين.

لكن الولايات المتحدة لا تخاطب حماس، لأنها تعتبرها منظمةً إرهابية، كما أنّ عباس ليس له سيطرة حقيقية على غزة أو حماس. لذا فسوف يتحدث عمرو إلى المسؤولين الأمنيين المصريين في جميع الأحوال، نظراً لأنّ مصر كانت دائماً الوسيط المعتاد في الحروب بين إسرائيل وحماس.

وتفيد بعض التقارير بأن البطء الأمريكي في التعامل مع الأزمة ليس نابعاً من رغبة واشنطن في ترك إسرائيل تنهي أهدافها العسكرية، بل على العكس تريد إدارة بايدن أن يأتي لها نتنياهو ويطالب بالتهدئة، لأن الإدارة الديمقراطية ترغب في أن تفهم إسرائيل أن حماس تطورت وأصبحت شوكة في ظهرها، لا يسهل التعامل معها تماماً مثل حزب الله في لبنان، وبالتالي يجب أن تتوصل معها إلى تفاهمات أكثر ديمومة وتراعي موازين القوى، بما ذلك ضرورة تهدئة الوضع في القدس وتخفيف الحصار.

تحركات مصرية مكثفة ورفض إسرائيلي
وفي يوم الخميس 13 مايو/أيار، أرسلت مصر مبعوثيها من المسؤولين الأمنيين إلى تل أبيب وغزة لبدء المحادثات، وفقاً لصحيفة الأهرام المصرية. وعلى الجانب الرسمي لم تُعلّق وزارة الخارجية المصرية، التي لا تتعامل مع حماس.

وأفاد موقع قناة العربية بأنه بعدما رفضت تل أبيب قبول وساطة القاهرة لبدء هدنة في قطاع غزة، غادر الوفد المصري إسرائيل متحفظاً على إطلاق الأخيرة عملية عسكرية موسعة، وحسب مصادر "العربية/الحدث"، الجمعة، فقد قررت القاهرة الرد على الرفض الإسرائيلي بتجميد عدد من الملفات مع تل أبيب.

كما تابعت أنها حذّرت إسرائيل من استمرار العملية العسكرية ورفض الهدنة.

وكشف الوفد المصري أنه عرض على تل أبيب هدنة لمدة سنة، على أن تتولى القاهرة مراقبتها والتنسيق.

كما طلبت مصر من إسرائيل وقف الاستيطان ودعم المتشددين في اقتحام المسجد الأقصى، وأيضاً إيقاف عمليات الاغتيال التي تستهدف قيادات في غزة، مؤكدة قدرتها على إلزام الأطراف الفلسطينية بالالتزام، كما رفضت تل أبيب هدنة طويلة الأمد قبل انتهاء عملياتها العسكرية بشكل كامل.

لحظة قصف الاحتلال الإسرائيلي لمنازل الفلسطينين

ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية عن مسؤول سياسي إسرائيلي كبير: "إسرائيل لن تتفاوض على وقف لإطلاق النار قبل أن تدفع حماس ثمن هجماتها".

وقال المسؤول، الذي لم يكشف عن اسمه: "أطلقت حماس رشقات من الصواريخ، وبعد ذلك يريدون بالطبع وقف إطلاق النار، هذا مثالي بالنسبة لهم، بحيث يتعين عليهم دفع ثمن إطلاق النار على القدس ثم 500 صاروخ".

واستدرك المسؤول الإسرائيلي: "سيكون هناك وقف لإطلاق النار عندما نكون مستعدين لذلك".

يعلم نتنياهو أنه سيتجه لتهدئة في نهاية الأمر، ولكن المسألة بالنسبة له تكمن في الشروط والتوقيت، لتحسين صورته.

شروط حماس
حماس هذه المرة متمسكة بالربط بين الوضع في القدس وغزة مهما كانت الخسائر، بالنسبة للحركة والقطاع فإن هذا هو الانتصار الحقيقي، قد لا يوافق نتنياهو بشكل كامل على هذا الأمر، ولكن قد يستجيب جزئياً، تاركاً المجال لمراوغة لاحقة.

فقد يقبل نتنياهو بتخفيف ممارسات الاحتلال في القدس بطريقة تسمح بتمرير التهدئة، ولكن حتى لو تحقق ذلك فإن نتنياهو يحتاج إلى أن يخرج أمام الإسرائيليين بأي نصر، ولن يبقى له سوى إطالة أمد الحرب قليلاً موسعاً دائرة الدمار في غزة، ليشفي غليل الغاضبين في اليمين الإسرائيلي وليبدو كرجل قوي أمام الناخبين، (رغم أن الجميع يعلم أن هذه الغارات لا تغير في التوازن العسكري شيئاً).

ولكن إطالة أمد الحرب قد تحمل في طياتها في المقابل احتمال تنفيذ حركات المقاومة أي عمليات نوعية قد تحرج نتنياهو مجدداً.

وقال عبدالمنعم سعيد علي، محلل العلاقات المصرية والإقليمية في القاهرة: "ستفعل مصر ما في وسعها من أجل استقرار المنطقة"، لكنه حذّر من أنّ استخدام نتنياهو للقوات البرية سيُطيل أمد العنف: "وبالطبع، ستتحدث مصر إلى السعودية والإمارات، لأنّها دول تمتلك المال، من أجل إعادة إعمار غزة، لكن المشكلة في إسرائيل لا تتعلق بالحديث إلى نتنياهو، فهذا أمرٌ سهل، بل تتعلق بالرياح داخل إسرائيل نفسها، والمنافسة الكبرى بين مختلف أشكال المحافظين".

أما على الجانب الفلسطيني، "فهناك فراغٌ مشابه في الشرعية السياسية، وسوف تستفيد حماس من إثارة الرأي العام الفلسطيني وزيادة شعور الدول الإسلامية بالذنب بشأن الفلسطينيين، لتحصل بذلك على المزيد من الشرعية في الانتخابات مستقبلاً"، حسب تقرير صحيفة New York Times.

كما أنّ حماس لديها أسبابها لعدم الثقة في مصر ورئيسها عبدالفتاح السيسي وفقاً لميشيل دوني، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي. إذ يرى السيسي في حماس فرعاً لجماعة الإخوان المسلمين، التي مازال يتحسب لنفوذها المحتمل في مصر، كما أنّه لم يفعل الكثير لإثناء إسرائيل عن اجتياح غزة عام 2014 أملاً في أن يُدمر الاجتياح حماس، حسب الصحيفة الأمريكية.

متى يصل الطرفان إلى تهدئة؟
ربما يستغرق العنف وقتاً طويلاً قبل أن يهدأ بحسب مارك هيلر، من جامعة تل أبيب: "عند نقطةٍ ما ستُذكّر إسرائيل نفسها أنّه ليس هناك سبيلٌ للخروج بنتيجة حاسمة بأقل التكاليف. كما ستدرك حماس أن التكاليف والمخاطر على سيطرتها وبقائها السياسي صارت أكثر من اللازم".

وحينها ستوافق حماس على "ما يقولون دائماً إنّه وقفٌ مؤقت لإطلاق النار، وليس سلاماً، إلى جانب الحصول على مساعدات ضخمة ربما من القطريين هذه المرة".

وتكون مصر هي الوسيط في هذه المفاوضات عادةً، وهي المفاوضات التي ينكرها الطرفان، لكنها تحدث باستمرار في أصغر القضايا.

لحظة قصف الاحتلال الإسرائيلي لمنازل الفلسطينين

وبعيداً عن هذه المخاوف المحلية، تُدرك مصر أنّ عليها تقريب وجهات النظر مع بايدن عقب رحيل الرئيس السابق دونالد ترامب، بحسب دانييل ليفي رئيس U.S./Middle East Project: "أعتقد أنّ القاهرة تريد إظهار أهميتها لبايدن". كما أشار ليفي إلى بدء محادثات المصالحة مع قطر وتركيا.

وقد انتقدت الدول الإسلامية الأفعال الإسرائيلية، ولكن بشكلٍ روتيني حتى الآن، بالنظر إلى عدم ثقة العديد من قادة تلك الدول في الإسلاميين. وقد همشت العديد من الدول العربية القضية الفلسطينية، وهي تنتظر الآن لترى من سيخلف عباس في رئاسة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية.

الخوف من أزمة داخلية
ولكن في الوقت الحالي، ومع تركيز إسرائيل الكبير على المواجهات الداخلية بين العرب واليهود، يقول ليفي إنّ الصراع على غزة أقل أهمية: "هذه المواجهات هي تطورٌ وأكثر إثارةً للقلق وزعزعةً للاستقرار من حماس بكل صراحة. فالجيش يستطيع التعامل مع حماس، ولكننا بحاجة إلى التعامل مع المجتمع الإسرائيلي، ولكننا لا نستطيع ذلك الآن".

وظهر خلاف واضح بين وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس وهو جنرال سابق بارز ، وبين نتنياهو، بشأن استدعاء جنود الجيش الإسرائيلي للتعامل مع احتجاجات عرب الداخل، حيث استدعى نتنياهو قوات الجيش رغم أنف غانتس.

وبينما يميل غانتس لمخاطبة قادة عرب 48 لتهدئة الأمور، فإن نتنياهو يصب الزيت على النار.

 






كاريكاتير

إستطلاعات الرأي