في ظل غياب سياسة أمريكية نشطة.. هآرتس: إسرائيل تبحث عن صورة انتصار أمام حماس

2021-05-16

قبل أقل من أسبوع، عرضت حماس إنذاراً غير ممكن على إسرائيل يقول بأن عليها أن تخرج قواتها من الحرم وتطلق سراح سجناء وإلا فستهاجم القدس بالصواريخ. الهجوم الذي سماه رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، “تجاوز الخطوط الحمراء”، وفر ذريعة لهجوم شديد على قطاع غزة غير محدد الهدف بصورة صريحة. إن الأهداف غير المتبلورة مثل إعادة الردع أو إيقاع ضربة شديدة “لم تحلم بها” حماس كرد على إطلاق الصواريخ، لا توفر نقطة خروج من المعركة.

كم هو عدد البيوت التي يجب هدمها وكم هو عدد “قادة حماس الكبار” الذين يجب تصفيتهم حتى تستطيع إسرائيل عرض صورة انتصار؟ هذه المعطيات ترتبط بتقدير إسرائيل بصورة مطلقة. يبدو أن إسرائيل لم تستكمل بعدُ حصة الهدم والقتل المطلوبة -حسب رأيها- لتعريف الانتصار أو كيّ الوعي. هذا هو سبب رفض إسرائيل بأدب وتصميم عروض الوساطة التي تأتي من مصر وقطر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وما زالت تستطيع الاعتماد على الدعم العام الذي تحصل عليه من البيت الأبيض، الذي يؤيد حقها في الدفاع عن نفسها ويعتبر ردها على إطلاق الصواريخ رداً محسوباً.

باستثناء إرسال مبعوث أمريكي خاص، يظهر الرئيس جو بايدن درجة من اللامبالاة تجاه استمرار القتال؛ فلم يطلق تصريحات محددة تجاه أي طرف، وما كان يمكن إخراجه منه حتى الآن هو تصريح عام يقول إنه “يتوقع ويأمل بأن ينتهي هذا الأمر في أسرع وقت وليس بتأخر” وكأنه يتحدث عن مباراة بيسبول مخيبة للآمال، كما أنه منع عقد جلسة لمجلس الأمن بذريعة أن هذا الأمر قد يمس بجهود الوساطة رغم معرفته بأنه لا عنوان لهذه الجهود حتى الآن.

المحادثات التي أجراها بايدن مع نتنياهو لا تغير حقيقة أن الرئيس الأمريكي كان حذراً من وضع قدمه في المياه العكرة للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين بشكل عام وفي المعركة الأخيرة بشكل خاص، من أجل عدم إحراج نفسه مع الزبون في القدس الذي يحرص على تذكيره بأن إسرائيل ستفعل كل ما هو مطلوب للدفاع عن نفسها، سواء تعلق الأمر بغزة أو بإيران، حتى لو كانت سياستها لا تروق لواشنطن.

تكتفي الإدارة الأمريكية في هذه المرحلة بمحادثات مع رؤساء الدول ذات الصلة، إسرائيل ومصر والأردن والسعودية والإمارات، من أجل التوصل إلى وقف لإطلاق النار. وفي ظل غياب سياسة أمريكية نشطة تملي، أو على الأقل توجه، جهود الوساطة، بقيت قناة المحادثات على المستوى الإقليمي، الذي يركز بالأساس على الاتصالات التي يجريها المصريون مع رؤساء حماس ومع نظرائهم في إسرائيل. القاهرة تبلغ السعودية والإمارات مواقف إسرائيل وحماس أولاً بأول.

الخطوط العريضة للمفاوضات لا تختلف بصورة جوهرية عن الخطوط العريضة التي ميزت الاتصالات التي رافقت عمليات الجيش الإسرائيلي السابقة في قطاع غزة، فهي تشمل المطالبة بوقف إطلاق النار والعودة إلى التفاهمات التي تم التوصل إليها بعد المواجهات على السياج الأمني في العام 2018. ولكن مصر قررت في هذه المرة عدم إغلاق معبر رفح، ويبدو أنها ستبقيه مفتوحاً، ولا نية للتهديد بإغلاقه. في الوقت نفسه، تسمح إسرائيل بتحويل الأموال الشهرية من قطر.

الرئيس الأمريكي، جو بايدن

حسب جهات في السلطة الفلسطينية وحماس، فإن الأخيرة تتمسك بطلب إخراج قوات الجيش الإسرائيلي من الحرم. وهو طلب يرمز في نظرها إلى ذريعة الهجوم، وتعتبر تطبيقه إنجازاً مطلوباً لها من أجل تبرير ما فعلته. الحرم هو القاسم المشترك الذي يعتمد عليه التأييد الذي تحصل عليه حماس من الجمهور العربي، بما في ذلك الجمهور العربي في إسرائيل. التحدي الأساسي الذي يقف الآن أمام الوساطة المصرية هو إقناع إسرائيل بالفصل بين العملية العسكرية في غزة وبين الحاجة إلى تهدئة التوتر في الحرم، أي تحييد القاسم المشترك الذي يوحد بين الجمهور الإسلامي والمواجهة مع حماس.

هذا الفصل، حسب رأي مصر، حيوي ليس فقط لعزل المفاوضات على وقف إطلاق النار عن الدوافع الأيديولوجية، بل من أجل حرمان حماس من السيادة على المواجهات في القدس، التي أشعلت القتال. ولكن الفصل الذي تسعى إليه مصر يعتبر في إسرائيل كتنازل لحماس، حيث إن أي انسحاب لإسرائيل من منطقة الحرم يعتبر من الآن انتصاراً لحماس. المخرج المحتمل من هذه الدائرة المفرغة ربما يكمن في مفاوضات بين الأردن وإسرائيل، التي سيتم فيها تحديد ترتيبات أمنية في الحرم أمام عمان دون أن تظهر كخضوع لمطالب حماس.

صعوبة أخرى تكمن في نوع الضمانات التي ستطلبها إسرائيل من حماس، وهي فترة تهدئة طويلة. استندت جميع التفاهمات السابقة إلى ضمانات وتعهدات مصرية مع تعاون قطر كدولة تمول الإدارة المدنية الجارية في القطاع. وهذه الضمانات لم تصمد في امتحان الحرم ووضعت مصر في موقف ضعيف، لا يمكنها فيه إقناع إسرائيل بضبط نشاطها، وفي الوقت نفسه لا تستطيع انتقاد حماس خشية أن تظهر كمن لا تؤيد النضال الفلسطيني – الإسلامي للدفاع عن الحرم.

في الوقت نفسه، ليس لإسرائيل شريك أفضل وأنجع من مصر. أي مفاوضات لإنهاء الحرب ستقتضي من إسرائيل تليين مواقفها تجاه القاهرة كي تستطيع الأخيرة التوصل إلى إنهاء المواجهة حتى لو كانت الضمانات التي ستحصل عليها غير محفورة في الصخور. هذه المرونة حيوية، لأن كل اتفاق سيتم التوصل إليه سيستند إلى تفاهم بأن إسرائيل لا تستطيع ولا تريد تقويض حماس كجسم يواصل إدارة الحياة في القطاع.

هذه هي الركيزة الأساسية لسياسة إسرائيل في المناطق، التي بني عليها الفصل بين الضفة والقدس وبين قطاع غزة الذي يشكل الدرع الواقي ضد الضغط الدولي لقيام دولة فلسطينية مستقلة. وطالما بقي هذا الفصل هو سياسة إسرائيل، فسيواصل إملاء المرونة التي تميز علاقتها مع حماس.

 

بقلم: تسفي برئيل

هآرتس: 16/4/2021







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي