مقترح تركيا في أفغانستان.. مناورات ونقاشات مفتوحة والتحديات "تكمن في التفاصيل"

2021-06-22

ضياء عودة: في الوقت الذي تواصل فيه الولايات المتحدة الأميركية خطوات الانسحاب من أفغانستان يتصدر المقترح التركي بشأن تأمين مطار كابل المشهد العام، ويُنظر إليه كأحد أهم ملفات النقاش الجدية والحديثة، التي تطرح على طاولة أنقرة وواشنطن.

وفي آخر التطورات الواردة بشأن ذلك قالت مصادر في وزارة الدفاع التركية الثلاثاء إن وفدا عسكريا أميركيا سيصل أنقرة الخميس المقبل، لإجراء "مباحثات تقنية" حول تفاصيل الاتفاق المتعلق بتولي أنقرة مهمة حماية مطار كابل في أفغانستان، عقب إتمام انسحاب "حلف شمال الأطلسي" (الناتو).

وأوضحت مصادر مقربة من الحكومة التركية في تصريحات لموقع "الحرة" أن النقاش المرتقب بين الوفدين العسكريين الأميركي والتركي سيتركز على تفاصيل دقيقة وكثيرة حول خطة تأمين المطار.

وتضيف: "النقاشات ستشمل أيضا التحديات والإجراءات المراد تنفيذها، خاصة في ظل الرفض الذي أبدته حركة طالبان لأي وجود أجنبي على الأراضي الأفغانية في المرحلة المقبلة".

"فرصة وتحديات"

وكانت الأيام الماضية قد شهدت عدة تطورات "لافتة"، أولها عرض أنقرة تأمين مطار كابل، وذلك قبل يوم من القمة التي جمعت الرئيسين رجب طيب إردوغان وجو بايدن، وما تبع ذلك من تصريحات أميركية أبدت ترحيبا بهذه الفكرة، دون الخوض بأي تفاصيل دقيقة.

ويرى مراقبون أن خطة تأمين المطار من جانب تركيا قد توفر فرصة نادرة لبناء حسن النوايا بين العضوين في "الناتو"، واللذان تشوب العلاقة بينهما خلافات "حادة"، بينها قضية صفقة منظومة الصواريخ الروسية "إس 400".

لكن الفرصة المذكورة تعترضها عدة تحديات تكمن بشكل أساسي في "التفاصيل"، ولاسيما تلك المتعلق بموقف حركة "طالبان"، على الرغم من ترحيب الحكومة الأفغانية لها.

وسبق وأن قال المتحدث باسم طالبان، محمد نعيم ردا على سؤال يتعلق بعرض تركيا تشغيل وحراسة مطار كابل: "الشعب الأفغاني لا یقبل بوجود قوات أجنبية في البلد بأي اسم أو تحت أي عنوان وأي من كان".

وأضاف نعيم في تصريح لموقع "الحرة" عبر تطبيق واتساب: "جهادنا منذ 20 سنة جار لأجل الحرية والاستقلال"، مؤكدا رفضه للعرض التركي بشأن المطار.

المتحدث باسم طالبان، محمد نعيم

"مساحة كبيرة للتفاوض"

وتنشر تركيا أكثر من 500 جندي على الأراضي الأفغانية، في إطار مهمة حلف شمال الأطلسي لتدريب قوات الأمن المحلية، وهو رقم تؤكده وزارة الدفاع التركية بشكل متواصل.

وطوال السنوات الماضية انحصر النشاط العسكري التركي في أفغانستان بتأمين مطار كابل والمعروف باسم مطار حامد كرزاي الدولي، بمعنى أنها لم تنخرط في سير العمليات العسكرية الأخرى.

ويشير جزء من التقديرات التركية إلى أن تركيا قد تنجح في لعب دور فاعل بأفغانستان عقب الانسحاب الأميركي، وهو أمر يرتبط بالشعبية التي تحظى بها في المنطقة كونها "دولة إسلامية".

وفي المقابل هناك جزء آخر يرى أن "عنصر النجاح" لن يكون تحصيله بالأمر السهل، بسبب انخراط تركيا في حلف الناتو، بمعنى أنها دولة تدعم وتشارك في معظم العمليات العسكرية الخاصة بالأخير، ما يجعلها "دولة أجنبية" شأنها كشأن الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما أكدت عليه "طالبان" مؤخرا.

وليس واضحا حتى الآن موقف أنقرة مما أعلنته "طالبان"، وكانت قد اقتصرت تصريحات مسؤوليها في الأيام الماضية على تحديد الشروط اللازمة لتنفيذ خطوة تأمين المطار، بينها "الدعم المالي واللوجستي، والاستعانة بباكستان والمجر"، بحسب ما قاله إردوغان ووزير دفاعه، خلوصي آكار.

"تناور ولن تغامر"

مدير مركز "أورسام" لدراسات الشرق الأوسط، البروفيسور أحمد أويصال يرى أن الخطة التركية بشأن تأمين مطار كابل مرهونة بالحوارات والنقاشات التركية - الأميركية في الأيام المقبلة، وأيضا تلك المتعلقة بطالبان والحكومة الأفغانية.

ويقول أويصال في تصريحات لموقع "الحرة" إن أنقرة تناور في الوقت الحالي بشأن خطتها، لكنها لن تدخل في المغامرة لوحدها، بمعنى أنها لن تدخل بطرف أحادي في أفغانستان.

وبخصوص الموقف الذي تتخذه طالبان من الخطة التركية، يشير مدير المركز المقرب من الحكومة التركية إلى أن الأمر يمكن تفسيره على أن "طالبان تقاوم لصالح المفاوضات، أو لأجل تقوية يدها على الطاولة".

ويعد مطار كابل أحد الأماكن ذات الأولوية من حيث ضمان الأمن بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

وتستشهد بعض الدول بأمن المطارات والنقل الجوي، كشرط أساسي لعقد بعثاتها الدبلوماسية في البلاد، التي تزيد مخاطر دخولها في فوضى جديدة في المرحلة المقبلة.

وبحسب أويصال: "تركيا تعتبر الطرف الوسط للعب دور تأمين المطار الدولي، لكنها تحتاج للبحث عن التوافق أكثر من التنافس في المنطقة. هذا الأمر مفتوح للنقاش".

وفي وقت سابق كانت وكالة "رويترز" قد نقلت عن متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أن الولايات المتحدة ترى ضرورة لوجود مطار "عامل وآمن"، للحفاظ على وجود دبلوماسي دولي في العاصمة الأفغانية، وذلك في إشارة إلى احتمال اضطرار السفارات إلى الإغلاق بدونه.

ويثير موقف طالبان تساؤلات لدى الولايات المتحدة ودول أخرى ومنظمات دولية لها بعثات في كابل، بشأن سبل إجلاء أفرادها من البلد الآسيوي في حال نشوب قتال يهدد العاصمة.

ماذا عن طالبان؟

فيما يخص الطرف الثالث والموجود على الأرض، وهو حركة "طالبان" فيراه رئيس "المركز الأفغاني للإعلام والدراسات"، عبد الجبار بهير مصرا على "رفض أي وجود أجنبي، بما فيها القوات التركية".

ويقول بهير في تصريحات لموقع "الحرة": "لا شك أن تركيا كانت إحدى الدول الفعالة والعضوة في حلف الأطلسي. طالبان ترى الجميع أنها دول محتلة لأفغانستان، ولا زالت تصر على رفض التواجد المحتل سواء لدول أجنبية أو إسلامية".

ويدلل بهير على ما سبق بالرفض الذي أبدته "طالبان" في الأشهر الماضية للمؤتمر الذي كانت أنقرة تنوي عقده في مدينة إسطنبول.

ويضيف: "مؤتمر إسطنبول كان خير مقدمة وخير خطوة لتركيا، لكن طالبان رفضته بقوة بأنها لا توافق على الأجندات أجنبية، وبذلك تصر على مخرجات اتفاق الدوحة".

ويبدو أن الصورة العامة تشير إلى وجود "توافق طالباني"، بحسب بهير، وهذا الاتفاق يشمل معظم القضايا الأفغانية، وخاصة المتعلقة بأمن أفغانستان وسلمها.

ويتابع: "التوافق أصبح أمرا حتميا وواقعيا، وبالتوازي مع ذلك تفاوض طالبان الجانب الأفغاني الحكومي على تشكيل الحكومة الشاملة، والتي من شأنها أن تدخل في النقاشات في حالة وجود أية مخاطر أمنية".

وبذلك فإن ما سبق يعني أن "القرارات التي تسير في أفغانستان مرهونة بتوافق طالباني، سواء بين طالبان والحكومة الأفغانية أو بين طالبان والجهات الأجنبية المتواجدة في البلاد"، بحسب ذات المتحدث.

"التعويل على باكستان"

ومن جملة التصريحات التركية بشأن خطة تأمين مطار كابل كان لافتا منها ما تطرق إليه إردوغان عقب لقائه مع بايدن، بقوله: "أبلغت بايدن رؤيتنا بشأن الاستعانة بكل من باكستان والمجر إلى جانبنا في تأمين مطار كابل".

وقد يكون ذلك عاملا مساعدا في إتمام المهام التركية في المطار في حال تم التوافق مع الولايات المتحدة الأميركية، وذلك يعود للعلاقة طويلة الأمد التي تتمتع بها إسلام آباد مع طالبان.

الباحث في الشأن التركي، محمود علوش يقول إن معارضة طالبان لأي دور تركي تشكل "عائقا رئيسيا أمام هذه المهمة".

ويضيف في تصريحات لموقع "الحرة" أن أنقرة تُعول على ما يبدو على حليفتها إسلام أباد التي لديها نفوذ على الحركة من أجل إقناعها بقبول الدور التركي.

وأيضاً هناك أطراف إقليمية ودولية عديدة لها تأثير ومصالح في أفغانستان، وسيكون على تركيا أن توازن بين كل هذه الأطراف لإنجاح دورها.

ويشير الباحث التركي إلى أن "أفغانستان بلد معقّد من حيث الانتماءات العرقية والدينية والقبلية، وتجاوز هذه التعقيدات أحد الشروط الرئيسية لنجاح تركيا في أي دور. الأميركيون لم يولوا هذا الجانب أهمية خلال تواجدهم في أفغانستان. لذلك لم ينجحوا".

"مكاسب ومخاطر"

وعلى الرغم من المكاسب السياسية التي ستجنيها أنقرة من هذا الدور، إلاّ أن هناك المخاطر الأمنية على التواجد التركي ستزداد.

وحتى الآن يقتصر التواجد العسكري التركي على كتيبة من بضع مئات من الجنود، كما أن مهامها غير قتالية.

وسبق لتركيا أن ساهمت في إدارة الجناح العسكري للمطار، لكنّ إدارة المطار بكامله سيتطلب نشر قوات إضافية. وهذه القوات يُفترض أن تلعب دورا في تأمين المناطق المحيطة بالمطار، كذلك كتسيير دوريات عسكرية.

وفي مقابل التحديات المذكورة يرى الباحث محمود علوش أن الدور التركي في تأمين مطار كابل قد يساعد أنقرة على "ترطيب علاقتها مع واشنطن وتقديم نفسها للغربيين كطرف يُمثّل مصالحهم حيثما وُجد، وقادر على ملئ الفراغات التي يُخلّفها الأميركيون وراءهم".

كما أن هذا الدور سيمنح تركيا "اهتماما أكبر من الغربيين ونفوذا إقليميا ودوليا إضافيا".

ويتابع الباحث: "هناك حاجة أميركية لدور تركي في أفغانستان. تركيا بلد إسلامي في الناتو ولديها علاقات جيدة نسبيا مع مختلف الأطراف الأفغانية، ووجودها هناك سيسهم في حماية عمل الدبلوماسيين الغربيين بعد الانسحاب ومنع قوى أخرى كروسيا وإيران من الاستفادة من الفراغ الأميركي".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي