أهرامات النوبة في خطر.. هل تستطيع الحلول العلمية إنقاذها؟

Sudan’s ‘forgotten’ pyramids risk being buried by shifting sand dunes
2021-07-22

عفاف محمد

تتهدَّد الأهرامات الأثرية النوبية في شمال السودان مخاطر عدة أبرزها العواصف والكثبان الرملية المتزايدة بفعل تغيُّر المناخ. يُغطِّي الباحث في جامعة «نوتنجهام» أحمد معتصم عبد الله محمود هذه الظاهرة في مقاله المنشور على موقع «The Conversation» ويناقش الحلول المطروحة لحماية هذه الأهرامات والحفاظ عليها.

أهرامات النوبة

منذ حوالي عام 2500 قبل الميلاد، تركت الحضارة النوبية القديمة في السودان وراءها أكثر من مائتي هرم تتوزع في الصحراء ضمن ثلاثة مواقع أثرية: الكورو وجبل البركل ومروي، فضلًا عن المعابد والمقابر وغرف الدفن الملكيَّة. قد تكون الأهرامات النوبية أصغر حجمًا من أهرامات الجيزة المصرية الشهيرة، إلا أن الكاتب ينوِّه إلى روعة الأهرامات النوبية وقيمتها الثقافية العالية، كما تتيح زيارتها تجربةً أقل ازدحامًا للسياح المستعدين للابتعاد عن التجارب التقليدية.

يصف الكاتب الأهرامات حادَّة الانحدار والمبنية من الحجر الرملي والجرانيت، وتحتوي على مصليات وغرفِ دفنٍ مزينة برسوم ونقوش منحوتة بالهيروغليفية والكتابة المروية تحتفي بحياة الحكام في مروي، والأخيرة مدينة سودانية أثرية تقع على الضفة الشرقية لنهر النيل وكانت مقرًّا وعاصمة للمملكة الكوشيَّة القديمة المنافسة لمصر في عهدها.

تعدُّ مروي وجهةً سياحيةً ثقافيةً الآن، وتعدُّ من أهم مواقع التراث العالمي لليونسكو في السودان وهي واقعة على بُعد حوالي 220 كيلومترًا شمال العاصمة السودانية الخرطوم. ومع ذلك ينوِّه الكاتب لعوامل: الظروف الجوية القاسية والتقصير في المحافظة والعناية، والزوار المتهاونين، التي تسببت جميعها في التأثير في آثار مروي.

ويذكر الكاتب مثالًا يعود لثمانينيات القرن التاسع عشر، حين فجَّر المستكشف الإيطالي جوزيبي فيرليني العديد من الأهرامات خلال بحثه عن كنوز الكوشيين، تاركًا وراءه العديد من القبور مبتورة القمم. كما تعرضت العديد من أهرامات السودان الأخرى لاحقًا للنهب والتدمير على أيدي اللصوص.

رمالٌ متحركة

تشكِّل العواصف والكثبان الرملية أكبر تهديد حالي لمواقع التراث القديم في السودان. ولا تعد هذه الظاهرة جديدة على المنطقة، فقد أُرِّخ لحضورها منذ آلاف السنين. يستحضر الكاتب نقشًا عُثر عليه في معبد من القرن الخامس قبل الميلاد يصف ملكًا كوشيًا يُعطي أمرًا بإزالة الرمال من الطريق: «أحضر جلالته عددًا كبيرًا من الأيدي، جلب الرجال والنساء بالإضافة إلى المسؤولين والأطفال الملكيين لنقل الرمال، وكان جلالة الملك يحمل الرمل بيده في طليعة الجموع على مدى أيَّام عدة».

ولكن تفاقم مستوى الخطر اليوم مع تغيُّر المناخ، إذ أصبحت الأرض أكثر جفافًا وازداد هبوب العواصف الرملية. يشير الكاتب إلى عِظَم أثر الرمال المتحركة في السودان إذ يمكن أن تبتلع منازل بأكملها في الريف، وقد تغطي الحقول وقنوات الري وضفاف الأنهار.

يعتقد بعض علماء الآثار بفائدة حركة الرمال في المساعدة على الحفاظ على الآثار القديمة من اللصوص، لكنها مؤذية لمواقع التنقيب كما هو معروف وقد تعيد دفنها تحت الصحراء. تساهم ذرَّات الرمال المتحركة بالرياح بتآكل المنحوتات القيِّمة والأعمال الحجرية الحساسة.

سبل مواجهة التصحُّر

يقول الكاتب إن أفضل طريقة لمكافحة حركة الرمال والتصحر تتمثل في زيادة الغطاء النباتي، وينوِّه لوجود مشروعٍ طموحٍ حالي يرتكز على إعادة التشجير بقيادةٍ أفريقية. يجمع المشروع أكثر من 20 دولةً تحت عنوان «السور الأخضر العظيم» وتقوده حركة بمليارات الدولارات لوقف زحف التصحر في إقليم الساحل والصحراء الكبرى عبر استصلاح 100 مليون هكتار من الأراضي في القارة الأفريقية وذلك ابتداءً من السنغال في غرب أفريقيا حتى جيبوتي في شرقها. ويهدف المشروع لزراعة أكبر حاجز حيٍّ من الأشجار والنباتات على الكوكب، مع انتشار مسافةٍ كبيرةٍ من الجدار ضمن أراضي السودان.

لم يُغطِّ العمل على المشروع إلا 4% من المنطقة المستهدفة حتى الآن، وتتباين النسب تباينًا كبيرًا من بلدٍ إلى آخر. يأمل الكاتب أن يساعد هذا المشروع التجريبي عند اكتماله من الحدِّ من تواتر العواصف الترابية ويُبطئ حركة الرمال على الأراضي الخصبة ومواقع اليونسكو المهمة في شمال السودان. كما يتوقع أن يفيد المشروع في معالجة موجات الحرارة الشديدة في المناطق شبه القاحلة مثل العاصمة الخرطوم؛ إذ ترتفع درجات الحرارة هناك لأعلى من 40 درجة مئوية خلال فصل الصيف.

على أيّة حال، لن يتجلَّى تأثير المشروع بوضوح – والذي يمتدُّ لمسافة تزيد عن 8 آلاف كم، عبر القارة الأفريقية – إلا مع البيانات الشاملة، والتي يمكن إظهارها من أحدث الأقمار الاصطناعية وتقنيات الاستشعار عن بُعد.

تتبع الرمال عبر الأقمار الاصطناعية

تتيح صور الأقمار الاصطناعية معلومات قيِّمة بشأن حركة الرمال وما يتعلق بها. على سبيل المثال، تُستخدم الأقمار الاصطناعية لمراقبة العواصف الترابية التي تنقل الرمال من الصحراء الكبرى عبر المحيط الأطلسي وتزوِّد غابات الأمازون المطيرة بالمغذيات الأساسية (تحمل ذرات الغبار والأتربة القادمة من أفريقيا المغذيات اللازمة لتربة الأمازون الفقيرة لهذه العناصر بسبب سيول الأمطار الدائمة والعوامل الأخرى المؤدِّية لتجريف تربتها).

لكن ماذا عن النطاقات الأصغر؟ كيف يمكن التنبؤ باحتمالية أن يغرق مكانٌ ما (حقل أو هرم أو حفرة ري) بالرمال ومواعيد ذلك إنْ حصل؟

يشير الكاتب هنا إلى البحث الذي أجراه وفيه استخدم عدة صور متداخلة مأخوذة من الطائرات لإنشاء نماذج ارتفاع رقمية للكثبان الرملية في شمل السودان، وقد انتقل الكاتب من تلك النقطة إلى بحثه الذي يجريه حاليًا لنَيل درجة الدكتوراه ويُركز فيه على مراقبة حركة الكثبان الرملية باستخدام صور الأقمار الاصطناعية الضوئية والرادارية والليزر الجوي وغير ذلك من تقنيات. يقول الكاتب إن بحثه يهتم أيضًا بدراسة تأثير العوامل المختلفة مثل سرعة الرياح واتجاهها ووجود الغطاء النباتي والتضاريس.

يسعى الكاتب وزملاؤه لتطوير فهمنا لكيفية نمو الكثبان الرملية على صعيد الحجم وتنقلها عبر الصحراء، وهو ما يُمكِّن من مراقبة فعالية التدخلات المختلفة مثل إنشاء الحواجز النباتية والمساعدة في مكافحة التصحر وتغيُّر المناخ وضمان قدرة الناس في السودان على زراعة ما يكفي من الغذاء، وقد نصبح قادرين حتى على التنبؤ بالأوقات المحتملة لحوادث هبوب الرمال الكثيف المُغرق للأهرامات وبالتالي العمل على تجنب هذه الحوادث أو الوقاية منها.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي