"احكي فن" مهرجان جزائري يكسر المركزية الثقافية ويسافر إلى القرى

2021-07-23

الجزائر: يبقى مهرجان “احكي فن”، تظاهرة وظاهرة ثقافية متميزة في الجزائر، بدلالات شكلية وموضوعية، تسعى إلى صناعة الاستثناء، فهو على طابعه الشعبي تنظيميا وعمليا، يجتهد في تكريس استقلاليته بعيدا عن النمط البيروقراطي وفولكلورية العشرات من المهرجانات وعن إغراءات الوصاية التي عادة ما توظف ريعها في توجيه الفعل الثقافي إلى هذا الخط أو ذاك، فضلا عن نزوله إلى قرى وأرياف عاصمة القبائل، عكس الفعاليات الأخرى التي عادة ما تتخذ من الصالات الفخمة والمدن الكبرى مقار إقامة لها.

تصر لجنة تنظيم الطبعة الـ17 من مهرجان “احكي فن” الذي تحتضنه عاصمة القبائل (تيزي وزو)، والاحتكام إلى التدابير الصحية المطبقة في البلاد، غير أن فرضية التأجيل مجددا تبقى قائمة، في ظل الوضع الوبائي المستشري لوباء كورونا.

مهرجان ضد المركزية

مهرجان ضد المركزية

جاء في بيان للجنة التنظيم، بأن “تنظيم الطبعة الـ17 من المهرجان الثقافي ‘احكي فن‘، بمحافظة تيزي وزو، في وقتها المحدد من 13 إلى 20 أغسطس القادم، يبقى مرهونا بتطور الوضعية الوبائية في البلاد”.

وأوضح بأن “قرية آيت وعبان قد أبدت موافقتها لاحتضان التظاهرة للمرة الثانية بعد استقبالها للنسخة الـ14 من المهرجان عام 2017، شرط تحسن الوضعية الوبائية، وأن المنظمين الذين يعملون بالتنسيق مع لجنة القرية، يبقون جدّ حذرين، ويتابعون بجدية أراء الأطقم الطبية حول الوضع”.

ولفت البيان إلى إطلاق التسجيلات للمشاركة في المهرجان خلال الأيام المقبلة، موازاة مع إعداد برنامج هذه الدورة، والحرص على إعلام الجمهور والمشاركين بأي تطور في الوضعية.

ويعرف المهرجان منذ انطلاقه سنة 2003 إقبالا كبيرا وتميزا في عدة جوانب وقد استطاعت الطبعة الأخيرة منه (2018) أن تحقق أصداء محلية ودولية رائعة، حيث شاركت مختلف المحافظات الجزائرية في الحدث، فضلا عن مشاركين من سبع جنسيات أجنبية استطاعت أن تستمتع على مدار أسبوع كامل بالنشاطات الثقافية والفكرية الغنية التي قدمتها الفعالية.

  المهرجان يقدم للسكان عروضا فنية وثقافية وورشات تكوينية في مختلف الفنون ومعرض كتاب وندوات فكرية

ويتجاوز مهرجان “احكي فن” الصورة النمطية والمعروفة لأي مهرجان ثقافي، إذ يمكن اعتباره تجسيدا حقيقيا لحكمة “أضئ شمعة بدل لعن الظلام”.

ففي سنة 2003 أطلقت رابطة الفنون السينمائية والدرامية بتيزي وزو مبادرة تأسيس مهرجان ثقافي شعبي بتمويل ذاتي موجه للأهالي، بهدف خلق حركة ثقافية في القرى والمناطق النائية التي تفتقر إلى مؤسسات وهياكل تخدم الشأن الثقافي، كذلك فكرت الرابطة في فك المركزية الثقافية عن المنطقة والتي طالما جعلت النشاطات الثقافية حكرا على المدن الكبرى والصالات المشهورة.

لكن تأجيل المهرجان خلال العامين الأخيرين بسبب جائحة كورونا، يبدو أنه ترك تداعياته على وتيرة التنظيم، غير أن هؤلاء يصرون على أن المسألة “ليست  بالأمر المستحيل، إذا تضافرت جهود الجميع من منظمين ومشاركين وجمهور”، وحثوا الجميع على بعث المهرجان من جديد والوفاء لرسالته الأولى، وتحصينه من صائدي الفرص، باستغلال ظروف التنظيم لافتكاكه من الأهالي.

الثقافة للجميع

تعتمد استراتجية المنظمين، على تشجيع المواطنين في المنطقة بكل فئاتهم، على المشاركة في التنظيم والتأطير للتظاهرة، بتطبيق مبادئ المواطنة والمشاركة، لتشجيع السياحة وتصدير صورة المجتمع المحلي الواعية والمشرقة.

كما يضمن المهرجان استفادة السكان من عروض فنية وثقافية وورشات تكوينية في مختلف الفنون بالإضافة إلى معرض كتاب، محاضرات وندوات فكرية.

ويبقى عامل التمويل أحد أهم التحديات التي تواجه مهرجان "احكي فن”، فمورده الوحيد هو تبرعات السكان والراغبين في دعم التظاهرة، إلى جانب افتقاد القرى المحتضنة لمرافق الإيواء والضيافة العمومية التي تستقبل المشاركين من المحافظة وحتى من ربوع البلاد وأجانب.

ويسعى المنظمون لتجاوز المشكلة، باللجوء إلى ترميم البيوت القديمة لاستضافة الزوار، كما لم يبخل الكثيرون بفتح منازلهم الخاصة وتهيئتها للاستقبال بأبهى صور المشاركة والوعي الجماعي، فتتحول بذلك القرية المضيفة إلى فضاء رائع من الحركة والنشاط، حيث تتزين الشوارع بالرسومات والصور التي تكون غالبا من الهوية الأمازيغية الجزائرية.

 وعادة ما ينصب ركح ليستقبل العروض المقدمة طيلة أيام الحدث الكبير، كما يعتبر المهرجان توثيقا عمليا لنجاح نظام “تاجماعت” الاجتماعي الذي يسير المجتمع القروي في منطقة القبائل، والذي ساهم بشكل لافت على مدار 18 عاما، في صنع صورة جميلة على التلاحم والتضامن بين السكان لإنجاح تظاهرتهم الفنية.

  التظاهرة تهدف إلى خلق حركة ثقافية في القرى والمناطق التي تفتقر إلى مؤسسات وهياكل تخدم الشأن الثقافي

وعرفت الدورة الأخيرة (16) للمهرجان مشاركة هامة من الجزائر وخارجها، واهتماما إعلاميا كبيرا، حيث أقبل الفنانون من جميع المحافظات وفاق عددهم 400 فنان ومثقف ومفكر، فضلا عن ضيوف من خارج الجزائر، كفرنسا، بلجيكا، أميركا، بريطانيا وهولندا، وأعطى حضور السفير الهولندي خلال عرض الافتتاح زخما خاصا للمهرجان، لاسيما لما عبر في تدوينة له على حسابه الشخصي في الفيسبوك، عن “إعجابه الشديد بالمنطقة، وبالمبادرة، وعن غبطته وسعادته بالتعرف على الموروث الثقافي الجزائري الغني والمتنوع”.

وإذ يصر “احكي فن” على خطه الافتتاحي واستقلاليته عن النمطية والوصاية الرسمية للقطاع الثقافي، فإن وزارة الثقافة في الحكومات المتعاقبة، لم تحاول مدّ جسور تواصل مع المهرجان، على الرغم من النجاح والأصداء الإيجابية له لدى المختصين، فهي لا زالت تتجاهله، ولم تسخر له أي دعم مادي أو دعائي، ولا حتى إدراجه في خارطة الفعاليات الثقافية المنتظمة في البلاد.

 ويبقى “احكي فن”  قصة درس في التحدي وتجاوز العقبات والمشكلات لتكريس مبدأ “الثقافة للجميع”، فهذه الفعالية استطاعت على مدار 18 عاما، أن تبدع حراكا ثقافيا تشاركيا، تتفاعل فيه كل فئات المجتمع، أين يواصل سكان  تيزي وزو تقديم صورة واعية ثقافية فنية تستحق التوقف عندها.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي