تقييم إدارة بايدن في 6 أشهر.. ما مدى نجاح السياسة الخارجية؟

Biden at Six Months: How Successful Is His Foreign Policy?
2021-07-26

نشر ستيفان ثيل نائب رئيس تحرير مجلة «فورين بوليسي» تقريرًا مطولًا يتضمن آراء عدد من كبار الباحثين المتخصصين في الشؤون الدولية حول أجندة وأداء الرئيس الأمريكي جو بايدن في قضايا هامة تتعلق بالسياسية الخارجية، مثل روسيا، وأوروبا، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وجنوب آسيا، والتي اتبعت فيها إدارته – في الغالب – نهجًا مخالفًا لسلفه دونالد ترامب، وانتقى «ساسة بوست» للقارئ العربي بعض أهم الموضوعات التي وردت في التقرير، وذات صلة بالمنطقة والعالم.

ويقول ثيل: إنه منذ توليه منصبه في يناير (كانون الثاني)، أطلقت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن مبادرات للسياسة الخارجية بوتيرة مذهلة، لن ندرجها جميعها هنا، لكن جوهرها سيكون مألوفًا لقراء مجلة «السياسة الخارجية»: فمن إعادة الانضمام إلى المنظمات متعددة الأطراف، وتنشيط التحالفات، إلى التبرع باللقاحات، كان سلوك فريق بايدن على النقيض من سابقه. وفي مجالات أخرى – مثل المنافسة الإستراتيجية مع الصين – يبدو أن هناك القليل من الاختلاف بين الاثنين.

وأشار إلى ما كتبه دانيال ديودوني وجون إيكنبيري في مجلة «فورين بوليسي» مؤخرًا بأن نشاط بايدن في السياسة الخارجية لا يقل عن كونه «ثورة»، أي إعادة تصور واسعة النطاق لدور واشنطن العالمي لم نشهده منذ رئاسة فرانكلين روزفلت في زمن الحرب. قد يكون الواقع أكثر تقييدًا بعض الشيء، لكن فريق بايدن ظل منشغلًا بلا شك؛ مما فاجأ الكثيرين الذين توقعوا وتيرة أقل تسارعًا.

ويواصل رئيس التحرير قائلًا: أردنا أن نحصل على فكرة دقيقة عن كيفية تطور أجندة السياسة الخارجية لبايدن في غضون الأشهر الستة الأولى من ولايته. آخر مرة لجأنا فيها إلى مجموعة الخبراء لدينا لتقييم الإدارة الجديدة كانت من أجل تقرير تقييم أداء بايدن في المئة يوم الأولى. والآن بعد أن أصبحت الخطوط العريضة لسياسات بايدن أكثر وضوحًا، طلبنا من لجنة أخرى رفيعة المستوى – من مفكري السياسة الخارجية – أن تزودنا برأيها. هذه المرة قمنا بتضمين عدد قليل من الأمريكيين، لكن تركيزنا انصبّ على المساهمين العالميين الذين يبحثون في كيفية تأثير أجندة بايدن على أجزاء مختلفة من العالم.

روسيا: الانخراط والمقاومة

ينقل المقال عن أنجيلا ستينت، مديرة مركز الدراسات الأوروبية الآسيوية، والروسية، وأوروبا الشرقية، بجامعة جورجتاون، قولها: «عندما تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه، كانت روسيا قضية محلية سامة في الولايات المتحدة. لقد أدت إلى حالة استقطاب في البلاد خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بسبب ثنائه غير المسبوق على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والاعتقاد في بعض الأوساط الأمريكية بأن روسيا ساعدت في انتخاب ترامب».

ولكن من خلال انتقاده سياسات بوتين والكرملين، نجح بايدن في إزالة روسيا من الأجندة المحلية، وتمكن من التعامل معها على أنها تحدٍ في السياسة الخارجية. في الواقع كان أحد إجراءات السياسة الخارجية الأولى عندما تولى منصبه هو تجديد المعاهدة الجديدة للحد من الأسلحة الإستراتيجية لمدة خمس سنوات، وهي المعاهدة الوحيدة المتبقية التي تنظم الترسانات النووية للقوتين النوويتين العظميين في العالم، والتي كان من المقرر أن تنتهي صلاحيتها في فبراير (شباط).

إعادة السفراء

حتى الآن اتبع بايدن سياسة مألوفة ذات مسار مزدوج مع روسيا: الانخراط في ما هو في مصلحة الولايات المتحدة، ومقاومة الإجراءات الروسية العدائية. في أبريل (نيسان) فرضت الإدارة عقوبات على موسكو بسبب تدخلها في انتخابات 2020، وأنشطتها الخبيثة الأخرى، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية. لكن بايدن التقى أيضًا ببوتين في جنيف يونيو (حزيران) بعد أن وصفه بأنه «خصم على درجة من الجدارة».

وأسفرت المحادثات – التي استمرت ثلاث ساعات – عن اتفاق لإعادة السفراء الأمريكيين والروس إلى مناصبهم (وكان قد جرى سحبهما في وقت سابق من العام الجاري وسط تصاعد للتوترات)، وبدء سلسلة من المحادثات حول الاستقرار الإستراتيجي والقضايا السيبرانية. وأعطى بايدن بوتين قائمة تضم 16 قطاعًا حيويًا للبنية التحتية في الولايات المتحدة، واعتبر أن أي هجوم إلكتروني ضد أي منها من شأنه أن يؤدي إلى رد فعل انتقامي. وكان تغير المناخ، والقطب الشمالي، وأوكرانيا، وسوريا أيضًا، على جدول الأعمال. وفي مؤتمريهما الصحافيين المنفصلين، أوضح الرئيسان خلافاتهما، لكن كليهما وصف القمة بأنها عملية وبراجماتية.

مهلة لبوتين

قال بايدن إنه سيمنح روسيا ستة أشهر لمعرفة ما إذا كان الاجتماع ناجحًا بالفعل، وأن روسيا ستوقف تدخلها الإلكتروني. ولكن منذ القمة كان هناك المزيد من الهجمات الإلكترونية الروسية، وبرامج الفدية، ويبقى أن نرى كيف يمكن لواشنطن أن تنتقم. وقال بايدن إنه يود الدخول في علاقة «مستقرة، ويمكن التنبؤ بها» مع روسيا، لكن من السابق لأوانه القول ما إذا كان بإمكانه تحقيق ذلك. كما ذكّر الناس خلال مؤتمره الصحافي في جنيف بأنه «من الصعب الحكم على أمر ما، إلا بعد التجربة».

أوروبا: منقسمة بشأن الصين

يرى روبن نيبليت، الرئيس والمدير التنفيذي لمعهد تشاتام هاوس، أنه بالنسبة لأوروبا، كان انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن هبة من السماء؛ فقد ذهب الفريق الذي لا يمكن التنبؤ به، والميال إلى المواجهة، والتابع للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والذي كان يزدري الاتحاد الأوروبي، ومعظم الحلفاء التقليديين، وجميع أشكال التعددية. وحل محله فريق مهذب من ذوي الخبرة في العلاقات عبر الأطلسي الذين يعتقدون أن التحالفات القوية هي حجر أساس السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

وسرعان ما عاد بايدن للانضمام إلى اتفاقية باريس، ومنظمة الصحة العالمية، كما شدد على التزام الولايات المتحدة بحلف الناتو. ولكن الآن بعد ستة أشهر من ولاية بايدن، هناك قضيتان تمثلان التوتر المستمر عبر المحيط الأطلسي.

التعامل الصين

الأهم بينهما هو كيفية التعامل مع الصين. يؤكد المسؤولون الأمريكيون على تنامي المخاطر العسكرية، والاقتصادية، والتكنولوجية، الناشئة عن بكين. حث بايدن الأمريكيين على «الفوز بالقرن الحادي والعشرين» بدلًا عن التنازل عنه للصين. واحتفل الرئيس الصيني شي جين بينج بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي في الأول من يوليو (تموز) من خلال تحذيره من أن أولئك الذين يسعون إلى «التنمر على الصين أو قمعها» سوف «يكسرون رؤوسهم، ويسفكون الدماء على سور الصين الصلب المشيد من لحم ودم 1.4 مليار نسمة من الصينيين».

ويراقب الأوروبيون ظهور صراع ضارٍ بين الولايات المتحدة والصين بخوف متزايد. وتعتمد الصحة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي على أداء الصادرات القوي، والصين الآن هي سوق التصدير الرئيسة والمتنامية. وعلى الرغم من الخلافات المتزايدة حول انتهاكات حقوق الإنسان المحلية في الصين، لم يزل الأوروبيون يأملون في بناء مستقبل ثنائي يربح فيه الجميع.

وتتمثل إجابة الأوروبيين في الوقوف إلى جانب بايدن خطابيًا كما فعلوا في التصريحات المشتركة الأخيرة في قمة مجموعة السبع، وقمة الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وقمة حلف شمال الأطلسي، والتي سلطت جميعها الضوء على الصين لأول مرة باعتبارها قضيةً ذات اهتمام مشترك. وهدفهم النهائي هو شراء النفوذ في واشنطن من أجل نهج متوازن عبر الأطلسي تجاه الصين.

لكن هذه النية يمكن أن تقوضها القضية الثانية؛ إذ تركز كل من الحكومات الأمريكية والأوروبية قبل كل شيء على تحقيق انتعاش اقتصادي أكثر شمولًا وإنصافًا إزاء أزمة كوفيد-19 يفوق ما فعلوه في الأزمة المالية لعام 2008. إن برامج التحفيز الاقتصادي لإدارة بايدن لها صدى في أجندة «رفع المستوى» البريطانية، وحزمة تعافي «الجيل القادم من الاتحاد الأوروبي» في بروكسل.

مواءمة الأولويات الاقتصادية مع الحاجة إلى التعاون مع الصين

ستختبر الأشهر الستة إلى الاثني عشر المقبلة ما إذا كان القادة على جانبي المحيط الأطلسي يستطيعون مواءمة أولوياتهم الاقتصادية المحلية مع الحاجة المتضاربة المحتملة للتعاون بشأن الصين. وسيحتاجون إلى التوصل لاتفاق بشأن قضايا الانتعاش الاقتصادي الرئيسة، بما في ذلك ضريبة حدود الكربون، وضريبة الحد الأدنى من ضريبة الشركات، وفرض ضرائب على الأرباح العالمية لعمالقة التكنولوجيا الأمريكية والشركات متعددة الجنسيات الأخرى، وإزالة التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على صادرات الصلب والألومنيوم الأوروبية.

إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن نظرة الولايات المتحدة إلى الصين بشكل أساسي باعتبارها تهديدًا إستراتيجيًا، ونظرة أوروبا إلى الصين باعتبارها شريكًا اقتصاديًا ضروريًا، يمكن أن يضعف العلاقة عبر الأطلسي، على الرغم من البداية الإيجابية لإدارة بايدن.

الشرق الأوسط: التقاعس عن العمل سيلاحق واشنطن

أما لينا الخطيب، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في تشاتام هاوس، فتقول: إن ستة أشهر من سياسات إدارة بايدن بشأن الشرق الأوسط تشير إلى هدف واحد: احتواء مشاكل المنطقة. لقد ذهب التدخل الأمريكي العدواني في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش، والتراخي المقنع بخطاب ملهم في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، وإجراءات لا يمكن التنبؤ بها، ولكنها محدودة في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

نهج جيد بما فيه الكفاية

يبدو أن فترة ولاية الرئيس الأمريكي جو بايدن تتسم بالسعي إلى اتباع نهج «جيد بما فيه الكفاية» من منظور أمريكي: أي الانخراط بما يكفي لإبعاد مشاكل الشرق الأوسط حتى لا تنتشر خارج المنطقة، أو تشكل تهديدًا للمصالح القومية للولايات المتحدة. ويقود هذا النهج الولايات المتحدة إلى محاولة احتواء التدخل الإيراني الإقليمي في بلاد الشام والعراق، لكن الدور الأوسع لإيران لم يزل دون معالجة.

وتُعد الصفقات التي تبرم الآن بين الجهات الفاعلة الإقليمية، مثل التقارب بين تركيا ومصر، عبئًا يخف عن عاتق واشنطن. وتستمر القوات الأمريكية بالتواجد في أماكن – مثل سوريا والعراق – للحماية من أي عودة لتنظيم «الدولة الإسلامية (داعش)»، وكأداة ضغط على إيران، لكن هذه ليست نقطة البداية لتوسيع الوجود العسكري للولايات المتحدة، أو أي انخراط آخر في المنطقة. وتدعم الأنشطة الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية المحدودة – التي تهدف إلى احتواء الصراعات النشطة في الشرق الأوسط، والحد من دور إيران في المنطقة – ما تسعى إليه واشنطن من التركيز على مناطق أخرى من العالم كأولويات للسياسة الخارجية.

فك الارتباط يرسخ النفوذ الروسي والصيني

ومع ذلك فإن فك ارتباط الولايات المتحدة بالمنطقة يرسخ النفوذ الروسي والإيراني، خاصة في سوريا ولبنان على التوالي، كما أنه يمهد الطريق أمام الصين للعب دور أكبر في الشرق الأوسط. وسيترجم استمرار انعدام المساءلة الذي تشعر به معظم أنظمة المنطقة تجاه المجتمع الدولي وشعوبها، بمرور الوقت إلى عودة مظالم المواطنين. وقد يمنع بايدن صداع الشرق الأوسط في المستقبل المنظور لفترة ولايته، لكن فك الارتباط ليس محايدًا أبدًا. التقاعس عن العمل له عواقب ملموسة ستعود لتطارد واشنطن أكثر مع تحول الصراعات، وشعور الجهات الفاعلة الإقليمية بالجرأة.

أفريقيا: بداية جيدة لكن بلا إستراتيجية

ثم ينتقل المقال إلى روبن بريجتي الثاني، الممثل الأمريكي السابق لدى الاتحاد الأفريقي نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون أفريقيا الذي يقول إن كل إدارة رئاسية جديدة لديها الفرصة لإعادة ضبط نهج واشنطن تجاه بقية العالم. ونادرًا ما كانت الحاجة إلى إعادة التفكير في مجال من مجالات السياسة الخارجية للولايات المتحدة مهمة، مثل إعادة إطلاق الانخراط في أفريقيا.

على الرغم من التعامل الثنائي حسن النية لإدارة ترامب مع القادة الأفارقة، مثل الرئيس النيجيري محمدو بخاري والرئيس الكيني أوهورو كينياتا، فإن نهج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تجاه أفريقيا سيجرى تعريفه إلى الأبد من خلال توصيفه للقارة على أنها مجموعة من «حثالة الدول». استقرت هذه الإهانة في أذهان الأفارقة، وعقدت بشدة جهود الدبلوماسيين الأمريكيين الذين يحاولون تعزيز المصالح الوطنية.

علاوة على ذلك لم تحقق مبادرة التنمية المميزة لفريق ترامب المعروفة باسم «ازدهار أفريقيا» ، أي إنجازات ذات مغزى – على عكس مبادرة الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش «بيبفار» للتصدي لوباء الإيدز أو برنامج «Power Africa (باور أفريقيا)» لتوفير الكهرباء للقارة الذي أطلقه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما – وهو ما يمكن لإدارة بايدن البناء عليه. وتستحق إدارة ترامب الإشادة لإطلاقها «مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية»، والتي قد تكون لها أهمية كبيرة في زيادة استثمارات القطاع الخاص الأمريكي بأفريقيا.

وحتى الآن تستحق إدارة بايدن درجات عالية جدًا لانخراطها رفيع المستوى في أفريقيا؛ إذ أعطى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الأولوية للانخراط مع القادة الأفارقة فور توليه منصبه. ولقد أثبت هذا التواصل أنه على قدر كبير من الأهمية، حيث تحاول الولايات المتحدة المساعدة في إنهاء الأعمال القتالية، ودعم العملية السياسية لحل الحرب في إثيوبيا. كذلك من الأمور المشجعة لمراقبي أفريقيا تعيين بايدن للدبلوماسية المخضرمة ذات الخبرة العميقة في أفريقيا، ليندا توماس جرينفيلد، كممثل دائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة.

إستراتيجية أفريقيا ضرورة

والمهمة الحاسمة المقبلة هي صياغة إستراتيجية لأفريقيا تغطي عدة جوانب:

أولًا، يجب على فريق بايدن النظر إلى ما وراء الأزمات المباشرة والتعبير عن المصالح الأمريكية طويلة المدى في أفريقيا.

ثانيًا، يجب أن يأخذ في الاعتبار الأولويات التي حددتها أفريقيا لنفسها، مثل مخطط التنمية للاتحاد الأفريقي، أجندة 2063، ليتسنى أن تكون علاقات أعضاء الاتحاد الأفريقي مع الولايات المتحدة متجذرة في الشراكة والاحترام المتبادل.

ثالثًا، يجب أن تكون إستراتيجية أفريقيا قادرة على حشد دعم الحزبين في الكونجرس الأمريكي حتى يمكن أن تكون مستدامة بمرور الوقت. وتحقيقًا لهذه الغاية، فإن التأكيد السريع لمرشحة بايدن لمساعد وزير الخارجية للشؤون الأفريقية، ماري «مولي»، في أمر لا بد عنه حتى تتمكن من المساعدة في قيادة جهود الإدارة في تطوير سياسة أفريقية في هذه اللحظة الحاسمة.

جنوب آسيا: الحفاظ على المسار

ويختم المقال مع سي. راجا موهان، مدير معهد دراسات جنوب آسيا بجامعة سنغافورة الوطنية، إذ يقول إنه من خلال المضي قدمًا على طول المسار الذي حدده أسلافه الأقربون في جنوب آسيا، ولكن مع زيادة الكفاءة والهدف، يعمل الرئيس الأمريكي جو بايدن على تسريع التغيير الجيوسياسي في شبه القارة، وإعادة توجيه شروط الانخراط بين واشنطن والمنطقة. وساعد التركيز الواضح على التعامل مع التحدي الصيني إدارة بايدن على اتخاذ العديد من القرارات المبكرة والهامة.

ومع أن الرئيسين الأمريكيين السابقين باراك أوباما ودونالد ترامب خلصا إلى أنه لا يمكن كسب الحرب في أفغانستان، إلا أنهما كانا مترددين في متابعة الأمر. لقد تجرع بايدن الغصص وقرر الانسحاب. وبالرغم من أن التراجع سيكون سيئًا، وسيؤدي إلى تكاليف سياسية، إلا أنه سيساعد واشنطن في التركيز على المحيطين الهندي والهادئ. ولقد راهن بايدن – عن حق – على أن تحقيق استراحة هادئة في أفغانستان أفضل من الاستمرار في وجود عسكري لم يكن لديه سوى فرصة ضئيلة للنجاح. كما يقلل القرار بشكل كبير من الاعتماد الإستراتيجي للولايات المتحدة على باكستان، والذي ظل ثابتًا منذ التدخل السوفيتي في أفغانستان عام 1979. ومن غير المستغرب إذًا أن يُظهر بايدن القليل من الاهتمام بأي تواصل سياسي مع باكستان.

اقتراب باكستان من بكين جعلها أقل جاذبية

إذا كان اقتراب إسلام أباد من بكين قد جعلها أقل جاذبية لواشنطن، فإن تناقضات نيودلهي مع بكين قد ازدادت حدة. وقد جعل هذا الهند شديدة الأهمية في حسابات بايدن الخاصة بالصين. ومن المؤكد أنه خلال سنوات حكم ترامب اعترفت الهند والولايات المتحدة بمصالحهما المشتركة في تحقيق التوازن إزاء الصين، وروّجتا لمفهوم المحيطين الهندي والهادئ، وأحيتا الحوار الأمني ​​الرباعي – المعروف باسم (الرباعي) – الذي جمعهما مع أستراليا واليابان.

وأعطى بايدن وزنًا أكبر للحوار الأمني ​​الرباعي من خلال عقد قمة للزعماء في غضون أسابيع قليلة من توليه المسؤولية في البيت الأبيض. واستند مضيه قدمًا إلى الأمام على تقييم أن الرباعي يجب أن يكون الأساس لإستراتيجية أمريكية مستدامة تجاه مسرح المحيطين الهندي والهادئ. بعبارة أخرى فإن رهان بايدن على الرباعي هو أيضًا رهان سياسي على بروز الهند في المحيطين الهندي والهادئ، وهي ليست حليفة للولايات المتحدة، مثل أستراليا واليابان.

وفيما يتجاوز منطقة المحيطين الهندي والهادئ والرباعي، تعد الهند أيضًا مهمة في سعي بايدن لتحقيق أهداف سياسة مناخية أكثر طموحًا، والحرب العالمية ضد جائحة كوفيد-19، وبناء تحالف عالمي جديد من الديمقراطيات. ويمكن أن تصبح سياسة الولايات المتحدة «الهند أولًا» في جنوب آسيا – والتي لطالما رفضت باعتبارها خيالًا في واشنطن ونيودلهي على حد سواء – حقيقة واقعة في ظل إدارة بايدن.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي