هآرتس: أردوغان يستفز العالم ويسعى لتثبيت حقائق على أراضي قبرص

2021-07-27

الرئيس التركي، طيب رجب أردوغان

شاطئ حي فاروشا بمدينة فاماغوستا الواقعة شرق قبرص، هو أحد الشواطئ الأكثر أمناً في العالم. يقوم جنود أتراك بأعمال الدورية على طول السور المحيط بالحي، وكان الدخول إليه ممنوعاً حتى السنة الماضية. بعد ذلك، تم فتح جزء صغير من الشاطئ لزيارة المواطنين الأتراك والقبارصة الأتراك فقط.

لم يبق من المدينة التي كانت ذات يوم مركز جذب دولي للسياح سوى بيوت تتكون من طوابق تضررت بسبب قصف الأتراك الذين غزوا الجزيرة في تموز 1974 في إطار ما سموه “عملية سلام قبرص”. حوالي 15 ألف شخص قبرصي – يوناني كانوا يعيشون في الحي المغلق قبل الغزو، وجميعهم هربوا من رعب القصف وخلفوا وراءهم أملاكاً كثيرة بقيت مهجورة حتى الآن.

النقاشات التي جرت بين تركيا واليونان وقبرص على مدى سنوات بوساطة دول أوروبا والأمم المتحدة لم تنجح في جسر الفجوات بين الطرفين. والمفاوضات الأخيرة التي جرت في نيسان انتهت بمغادرة الوفدين، التركي واليوناني، لطاولة المفاوضات.

في الأسبوع الماضي، صادف يوم ذكرى الغزو التركي، الذي ترك الجزيرة مقسمة حيث تعترف منطقة أنقرة بها كدولة مستقلة في شمالها. الاسم الرسمي الذي أعطي لها في الإعلان أحادي الجانب في العام 1983 هو الجمهورية التركية لشمال قبرص. وبمناسبة يوم الذكرى، بادر رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، ورئيس قبرص التركية ارسين تتار، إلى خطوة أخرى أحادية الجانب، خطوة التي استهدفت إرسال رسالة قاطعة وواضحة عن نواياهما بتثبيت حقائق على الأرض قد ترسخ تقسيم الجزيرة مهما كانت ردود قبرص واليونان والعالم كله.

في زيارة جرى تغطيتها إعلامياً لحي فاروشا، أعلن أردوغان وتتار عن نيتهما فتح المزيد من أجزاء الحي لدخول المدنيين، ودعوا مواطنين من قبرص اليونانية للعودة إلى بيوتهم في فاروشا. “لن نسمح لتبديد خمسين سنة أخرى على حلول غير مجدية”، أعلن أردوغان. “حتى لو مرت 47 سنة أخرى أو 147 سنة أو 247 سنة، فلن يتنازل الشعب التركي في قبرص التركية عن حريته… ورسائل خارجية أو مبادرات داخلية أمور لا قيمة لها، وليست سوى ضجة فارغة”.

أردوغان محق على الأقل في أمر واحد، وهو أن الضجة التي أسمعتها الدول الأوروبية والولايات المتحدة والأمم المتحدة عقب الإعلان عن فتح فاروشا إنما هي أقوال فارغة. ونشرت رئاسة مجلس الأمن في نهاية الأسبوع بياناً عاماً جاء فيه: “يجب عدم تنفيذ أي خطوات في فاروشا لا تتلاءم وقرارات الأمم المتحدة”، وأضافت إلى ذلك إدانة ضعيفة. هذه التصريحات لا تؤثر على أردوغان، لأنه يمسك بورقة مساومة ثقيلة الوزن تتمثل باتفاق اللاجئين الذي تم التوقيع عليه بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

التهديد بفتح أبواب تركيا للاجئين الذين يريدون الهجرة إلى أوروبا منع فرض عقوبات أوروبية على تركيا حتى الآن بسبب أمور أكثر أهمية، مثل: شراء شبكة الصواريخ الروسية المضادة للطائرات من نوع “إس 400″، والتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط في المنطقة التي تدعي اليونان ملكيتها عليها، أو سياسة أردوغان في سوريا.

أزمة قبرص هي أحد الكوابح التي تمنع تركيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها في الوقت نفسه تخدم الاتحاد غير المتحمس لضمها إلى صفوفه. وطالما لم يتم إيجاد حل متفق عليه على مستقبل الجزيرة، فإن بروكسل قد تكون مطمئنة من “تهديد” انضمام دولة إسلامية. وتطرق وزير الخارجية الإسرائيلي، يئير لبيد، إلى هذا الأمر في اللقاء بينه وبين نظيره القبرصي أمس، وأعلن: “نتشارك القلق العميق من الخطوات الاستفزازية التي تقوم بها تركيا في قبرص”.

موقف تركيا حول قبرص بشكل عام، وقبرص التركية بشكل خاص، موقف حاسم ومتصلب. وليس سوى حل دولتين لشعبين هو ما يفكرون فيه. أو مثلما أوضحت شخصيات تركية رفيعة، فإن أي مفاوضات مستقبلية على حل سياسي يجب أن تكون على أساس المساواة، تجري فيه قبرص اليونانية وقبرص التركية مفاوضات كدولتين مستقلتين وسياديتين.

إن تفسير هذا الطلب هو أن تتم مطالبة الأمم المتحدة بالاعتراف بقبرص التركية كدولة مستقلة في حدودها الحالية التي حددتها خطوط الاحتلال التركي. أجابت رئيسة الممثلية الأوروبية، اورسولا فون دير لاين، على ذلك بصورة فظة: “لن يوافق الاتحاد الأوروبي على تقسيم الجزيرة ذات يوم”.

قبرص -حسب رأيها- دولة واحدة، و على الأكثر يمكن التحدث عن فيدرالية بين شطريها، وعن تقاسم الصلاحيات وعن حكم ذاتي، ولكن ليس عن دولتين. لذلك، ليس واضحاً ما استند إليه سكرتير عام الأمم المتحدة بإعلانه مؤخراً أنه متفائل إزاء حل مسألة قبرص.

ستواصل قبرص التركية، التي تشكل نحو 40 في المئة من مساحة الجزيرة، كونها قطعة أرض محاصرة بمقاطعة سياسية دولية، ولن تعترف بها أي دولة في العالم، ويبقى الدخول إليها والخروج منها عبر تركيا، واستيراد البضائع يتم من خلالها، ولن تكون رحلات طيران مباشرة إليها أو سفارات في دول العالم، بل ممثليات غير رسمية فقط.

إن لسكان فاروشا اليونان الذين هربوا منها إمكانية للمطالبة بتعويضات عن ممتلكاتهم التي بقيت في الجانب التركي. وبضعة آلاف من السكان قدموا طلبات للحصول على هذه التعويضات أو استرجاع ممتلكاتهم. ولكن القليل، ألف طلب تقريباً، تمت مناقشتها وانتهت.

الإجراءات طويلة ومنهكة، وتشمل مطالبات بتأكيد الملكية وتصريحات مشفوعة بالقسم أمام كتاب العدل، وتقديرات تستند إلى ثمن الأصول عشية الاحتلال التركي في 1974 وعلى الزيادة في القيمة منذ ذلك الحين. قدمت الطلبات للجنة خاصة لفحص العقارات. وإذا ما ثارت خلافات فيمكن لأصحاب العقارات التوجه إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.

لكن الصعوبة الرئيسية هي في الحصول على مصادقات، بالتحديد من مؤسسات رسمية في قبرص اليونانية، حيث الحكومة هناك لا تشجع هذه الطلبات بذريعة أن مسألة الأملاك المتروكة يمكن حلها فقط عند العثور على حل سياسي شامل في الجزيرة. الخشية هي أن تكون التعويضات عن الممتلكات مثابة شرعنة أو موافقة لتركيا على استمرار احتلال الجزيرة، وسيقدم المواطنون اليونانيون في المنطقة المحتلة كلاجئين داخل وطنهم، بدلاً من اعتبارهم أصحاب البيت.

 

بقلم: تسفي برئيل

هآرتس 27/7/2021







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي