قصة قصيرة.. رائحةُ الأب

2021-08-01

رحاب حسين

بينما كنتُ أقطع مسافات شارع منطقتنا العريض، في ذلك اليوم القائظ، الذي يبدو أشد حرّاً من قلبِ الصّبِ، لفتَ انتباهي صاحب محل للخُضار، تبدو عليه سمات الهيبة والوقار، يبدو أنه افتتح محلّه قُرب منزلنا تواً في صباح اليوم، إلا أنني لم أر بقُربهِ أيّ قوم، ولأنّه يبدو بسنٍّ لا تسمحُ له بحمل الصناديق ذات الحجم والثقل الكبير، اتجهت نحوه للمساعدةِ بعدما وضعتُ كُتبي الأربعة، التي اشتريتها صباحاً من المعرض المفتوح في كليتنا، على صندوق مُتهالكٍ بباب محل الرجل، ثُمّ اقتربت منه لأداء السّلام وإذا بوجهه يهشُّ ويبشُّ عند رؤيتي وكأنه عَلِمَ بقدومي من أجلِ المساعدةِ، لذلك ردّ عليّ السلام بحرارة: 

- وعليكم السلام ورحمة الله أيها الشاب اللطيف، وصاحب الظّل الخفيف.

فابتسمت لهُ وقلتُ: حيّاك الله يا عمْ، وأزال عنك كل غمْ، لما رأيتُك من بعيد تحمل الأثقال، صَعُب عليّ ذلك الحال، فأتيت طلباً لمُساعدتك، وتشرفاً بخدمتك.

فأجاب: شكراً لك يا بُني الجميل، ساعدني إنْ شئتَ بالحمل الثقيل.

فقلتُ: حسناً يا عم، حفظك الله وأبعد عنك السقم. وبعدما أكملت حمل الصناديق الثقيلة، ورتّبت مع الرجل المحل بالصورة الجميلة، التي تجذب الرائح والآتي، بما فيها من ثمار الصيف والمشاتي، بدأ الرجل بسؤالي:

- ما اسمك يا راقي، يا عذب المنظر كالسواقي؟

فأجبت:

- زيدٌ اسمي والأصل سامي.

فنظر الرجل نحوي بغرابة، وأبعد نظارته عن عينيهِ، وعمّق التحديق في وجهي، حتى خِفتُ أن أكون قد اقترفت جريمة وأنا لا أدري.

فقلتُ: خيراً يا عم، أراك أطلت التحديق بي، أتُشبّهني برجل وفيّ؟

فأجاب: لا تجعلْ قلبي ملهوفاً، رفقاً بلوني الذي بات مخطوفاً، أُناشدك بالله أن تخبرني أكثر عن الأصل سام، كيف يرقدُ؟ وكيفَ ينام؟

فقلتُ: يا عم والله قلّبت المواجع، أذكرتني ذلك اليوم الذي كان فيه راجع.

فأجاب: يا بني فقّعت عَينيّ كبدي، دع البلاغة يا صاحب النكد، أراك بها قد وتّرتني، وبنار بُطْئِكَ أحرقتني، حدثني عما صدّع حالي، وذَكّرَني بما مضى من تلك الليالي.

فقلتُ: أصابنا قبل عام في الثلاثاء.. وابل أرسلته أقدار السماء، فكان آتياً صوب الدار، ولم يتأنّ حينما كان يختار، وضع يده بيد سامي، وصيّرني من بعده رب المنزلِ.

 







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي