الإزميل والحجر يعيدان لصدد السورية ألقها الفني المسلوب

2021-09-03

 منحوتات حجرية مفعمة بالرموز والدلالات

حمص (سوريا) - احتضنت مدينة صدد السورية أحد عشر فنانا تشكيليا أتوا من مختلف المحافظات السورية، للمشاركة في ملتقى النحت على الحجر الذي حمل عنوان “صدد العراقة والتاريخ”.

والملتقى الذي أقامته مطرانية حمص وحماة وطرطوس وتوابعها للسريان الأرثوذكس بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين وفريق شباب مدينة صدد، استمر على مدى عشرة أيام مستعرضا إحدى عشرة منحوتة فنية على حجارة البازلت والحجر التدمري الأبيض الصلب الذي تتميّز به المدينة السورية.

وعن الملتقى والهدف من إقامته في صدد تحديدا، قال محمد عرفان أبوالشامات رئيس الاتحاد العام للفنانين التشكيليين “إن الفن بمختلف ألوانه لغة عالمية، والملتقيات النحتية تمثل الوجه الحضاري لكل بلد، وسوريا تفتخر بهذه التظاهرة الثقافية البصرية الجميلة التي تجمع كبار النحاتين في بلدة عريقة تاريخيا كصدد”.

أكثم عبدالحميد: عملي النحتي "سيدة الزيتون" يرمز إلى الخصوبة والخير والعطاء

ومن جهته أكّد عماد كسحوت مدير الفنون الجميلة بوزارة الثقافة السورية دعم الوزارة لأي مبادرة ثقافية تشجّع على الفن التشكيلي لنشر الثقافة البصرية في المجتمع السوري، واصفا صدد بالمدينة الغنية بالآثار والثقافة، وتستحقّ أن تتزيّن ساحاتها بأعمال فنانين مبدعين، آملا أن تعمّ مثل هذه التظاهرات جميع المحافظات السورية لاحقا.

وبيّن الفنان التشكيلي حسان حلواني المدير الفني للملتقى أنه تم اختيار صدد لما تمثله من عراقة في التاريخ، ولإعطاء هذه المدينة ذات الطبيعة الصحراوية روحا جمالية تضاف إلى جمالها، فأتت الأعمال النحتية مستوحاة من روح المكان بكنائسها القديمة وحجارتها الصلبة وتاريخها العريق.

وعن مشاركته في الملتقى أوضح حلواني أنه قدّم منحوتة على الحجر التدمري الأبيض بأسلوب تجريد حروفي تمثّل مسلة حفر عليها الحرف السرياني الذي هو أساس اللغة الآرامية، والذي يرمز إلى الجذور السورية الضاربة في التاريخ.

وعن مشاركته في الملتقى أوضح الفنان التشكيلي أكثم عبدالحميد أنه جاء من مدينة أوغاريت ليشارك بعمل نحتي على حجر البازلت الأسود المعتّق حمل عنوان “سيدة الزيتون” على شكل وجه بشري تلفه أوراق الزيتون لما شاهده من كثرة هذه الشجرة في صدد، والتي ترمز إلى الخصوبة والخير.

واشتهر عبدالحميد بالنحت على الحجر والخشب وحقّق توازنا بين مختلف الفنون محاولا الخروج بمجسمات مدروسة بلغة فنية فريدة من نوعها، وكان شاهدا على العصر من خلال رؤية بصرية معاصرة ممزوجة بالأصالة، ومختزلة بلمسات إنسانية تعجُّ بالطاقة الإيجابية التي يستمدّها من مواده الخشبية والحجرية على السواء متفاعلا معها ليُخرج الجمال ناطقا بأبهى صوره، ومعبّرا عن فن متفرّد في الزمان والمكان.

ومن محافظة اللاذقية شارك الفنان التشكيلي محمد بعجانو بعمل نحتي ثنائي على شكل طير جارح وحصان جامح بعنوان “القوة والأصالة”، إيمانا منه بأن صدد كغيرها من المدن السورية قاومت وصمدت وتحدّت محاولات الغزاة تدمير تراثها الغني.

وأعرب بدوره الفنان التشكيلي غاندي خضر القادم من محافظة حماة عن سعادته بالمشاركة في الملتقى الذي يظهر تمازج الثقافة السورية عبر فنانيها، لافتا إلى أنه اشتغل في عمله النحتي على الاتجاه التجريدي الرمزي بهدف رفع الثقافة التشكيلية وترك المتلقي يسأل ويفكّر بنفسه ما المقصود من العمل؟

تدمرية ملتحفة بجمالها

 

ورأى سمير رحمة أستاذ في قسم النحت بكلية الفنون الجميلة في دمشق أن الملتقيات النحتية فرصة للقاء النحاتين وتفاعلهم مع بعضهم ومع المجتمع المستضيف، وأن وجود الملتقى في صدد له رمزية خاصة كونها بعيدة عن الأضواء ومرّت بأزمة قاسية أثناء اجتياح إرهاب داعش لأراضيها، ولهذا فالملتقى نقطة أمل وفرح ومحبة ونواة صغيرة لمشروع ثقافي متكامل كبير يتضمن ورشات نحت للصغار والكبار في أرجاء سوريا.

من جهته أعرب الفنان التشكيلي وضاح سلامة عن سعادته بالمشاركة في الملتقى بعمل نحتي على شكل طير استخدم في تكوينه الحجر مع مادة الحديد ليعطيه بريقا إضافيا عنونه بـ”حارس الجوهرة الثمينة”، في إشارة إلى صدد جوهرة الصحراء التي ستزيّنها هذه الأعمال لأنها تستحقها.

ومن طرطوس جاء الفنان التشكيلي علاء محمد ليشارك بعمل نحتي على الحجر الأبيض عنوانه “تدرّج تاريخي” عبّر فيه كما قرأ وسمع من أهالي صدد عن المراحل التاريخية التي مرّت بها المدينة المتجذرّة في التاريخ والناهضة بعمرانها وأبوابها وكنائسها ومكانة المرأة فيها، منوّها بأهمية الملتقى لأنه يجمع فنانين يتبادلون الخبرات ويتعرّفون على أدواتهم وخاماتهم ويتفاعلون مباشرة مع المتلقي.

وعلى شكل سيدة تحاول النهوض رغم الألم جسّد الفنان التشكيلي أكسم السلوم منحوتته، التي وصفها بأنها تمثل سوريا الأم الناهضة والقوية والمتشبثة بأرضها.

ومن السويداء جاء الفنان التشكيلي أسامة عماشة ليشارك في الملتقى بمنحوتة على حجر البازلت الحمصي مُسقطا عليه بحثه الخاص عبر سنوات ليدلّ على تاريخ الحضارات السورية، مستخدما له رموزا كالسمك الذي يدلّ على الخصوبة والعطاء والخير.

وشارك في الملتقى كل من أكثم عبدالحميد وأسامة عماشة وعلاء محمد وهشام الغدو وأبي حاطوم وحسان حلواني وغاندي خضر ووضاح سلامة وأكسم السلوم وسمير رحمة ومحمد بعجانو.

وصدد التابعة إداريا لمحافظة حمص يعود تاريخها إلى الألف الثانية قبل الميلاد، كما جاء ذكرها في سفرين من أسفار الكتاب المقدس العهد القديم، لها أهمية تاريخية كبيرة، حيث توجد فيها العديد من الأوابد الأثرية، وتعرّضت المدينة في العام 2013 كغيرها من المدن السورية إلى عمليات تدمير ممنهجة من قبل إراهبي داعش أتت على العديد من المعالم الأثرية العريقة لأجل القضاء على تراثها الرمزي الثمين.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي