الابتهالات الإسلامية والترانيم المسيحية فن يسمو بالإنسان

2021-09-19

القاهرة- بمزيج ساحر من الابتهالات والتواشيح الإسلامية والترانيم المسيحية انطلقت مساء السبت على مسرح بئر يوسف بقلعة صلاح الدين بالقاهرة فعاليات الدورة الرابعة عشرة من مهرجان “سماع” الدولي للإنشاد والموسيقى الروحية في مصر.

ويهدف المهرجان الذي يقام سنويا تحت شعار “رسالة سلام” إلى تعزيز التواصل الإنساني بين الشعوب والتأكيد على وحدة جوهر الرسالات السماوية وقيم المحبة والتسامح والعيش المشترك.

وتشارك في الدورة الجديدة اثنتان وثلاثون فرقة من رومانيا وفرنسا واليونان وإندونيسيا والسودان ولبنان وبنغلاديش وجنوب السودان واليمن وإسبانيا وفلسطين وفرق تابعة لسفارات عربية وأجنبية في القاهرة إلى جانب الفرق المصرية.

ويحلّ الأردن ضيف شرف على المهرجان هذا العام، ويأتي ذلك في إطار مشاركة مصر احتفالات المملكة الأردنية بمئوية تأسيسها، كما يحتفي المهرجان بتونس وبتاريخ طويل من مشاركات الفرق التونسية في فعاليات الدورات السابقة.

المهرجان يهدف إلى تعزيز العيش المشترك، والتأكيد على وحدة جوهر الرسالات السماوية وقيم المحبة والتسامح

واستهل الفنان انتصار عبدالفتاح مؤسّس المهرجان ورئيسه حفل الافتتاح بمعالجة موسيقية للحركة الرابعة من السيمفونية التاسعة للموسيقار الألماني لودفيغ فان بيتهوفن، الذي اختير شخصية هذه الدورة، ممزوجة بأغنية “نور النبي” من ألحان وغناء محمد الكحلاوي.

بعدها قدّمت كل فرقة من الفرق المشاركة جزءا من عرضها المرتقب ضمن برنامج المهرجان الممتد حتى الرابع والعشرين من سبتمبر الجاري في قبة الغوري ومسرح ساحة الهناجر وحديقة الحرية وبيت السناري وقصر الأمير طاز.

وقال عبدالفتاح “سعيد لأن هذه الدورة تشهد مشاركة دولية كبيرة بعدما تسبّبت جائحة كورونا العام الماضي في عدم حضور أيّ فرقة من الخارج”.

وأضاف “المهرجان يمثل رحلة فريدة عبر الأزمنة والأمكنة، والتلاحم الجماهيري الكبير الذي ما انفكّ يعرفه من دورة إلى أخرى يؤكّد على تفرّد الهوية المصرية بعمقها الثقافي والحضاري، ممّا يدعم رسالتنا التنويرية”.

ويُقام بالتوازي مع المهرجان سوق لمنتجات الحرف اليدوية والتراثية في قلعة صلاح الدين، وكذلك تُعقد الدورة السابعة من ملتقى الأديان “هنا نصلّي معا” في مجمّع الأديان بحي مصر القديمة.

وتنظم المهرجان مؤسّسة حوار لفنون ثقافات الشعوب تحت رعاية وزارة الثقافة وبالتعاون مع وزارة السياحة والآثار.

وتكرّم الدورة الجديدة مجموعة من الشخصيات البارزة في مجال الإنشاد والموسيقى الروحية منها القارئ الشيخ أبوالعينين شعيشع من مصر، والأب كلاوديو لوراتي الكومبونياني من إيطاليا والموسيقار اليوناني ميكيس ثيودوراكيس.

والإنشاد الديني طقس غنائي قديم في مصر، وهو ما أكّدته الكاتبة المصرية مروة البشير في دراسة عن تاريخ الإنشاد الديني في مصر الذي تعود جذوره إلى عهد الفراعنة، لكن المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون يقول نقلا عن أبي علي التنوخي أن “أول ظهور لحلقات الرقص والسماع والإنشاد الديني على المستوى العربي يعود إلى أواخر القرن الثاني للهجرة في بغداد”، ويرجع ماسينيون مجالس الذكر إلى سنة 120هـ/ 738م، أي مع بدايات التصوف الإسلامي.

لكن الظهور الحقيقي لحلقات الذكر ومجالس الإنشاد الصوفي كان بعد عصر السلطان صلاح الدين الأيوبي الذي يعزى إليه بعث أول خانقاه (زاوية). وكانت تعرف بدويرة الصوفية بالقاهرة يقصدها الصوفيون الوافدون إلى مصر وأجرى عليها أوقافا سنة 569هـ/ 1173م، وهي تعدّ أول زاوية أسّست في مصر ولُقّب شيخ هذه الزاوية بشيخ الشيوخ.

وقد انتشر في الآن نفسه بمختلف أقطار العالم العربي الإسلامي، ولاسيما ببلاد الشام والعراق وشمال أفريقيا، أمر الزوايا والطرق الصوفية والرباطات التي تؤوي الزهاد والعبّاد وكل من آثر الحياة الروحية والتأمل.

وقد ارتبط الإنشاد الديني بشكل كبير بالصوفيين نظرا إلى أنهم أكثر من طوّر فيه وقدّم منجزا مؤثرا سواء من حيث الكم أو الابتكار في النصوص والألحان والأداء والرقصات والآلات الموسيقية، فقد كانت الطرق الصوفية تقوم بواسطة الإنشاد الجماعي والمستمرّ بالمساهمة في تشكيل وإعادة تشكيل الذاكرة السنية المشتركة والمخيال الإسلامي الجمعي.

والإنشاد الديني رحلة فن روحي وقد مرّ بمراحل عديدة عملت على تطوّره حتى أصبح منافسا قويا لفنون أخرى، وخرج من عباءته الإنشاد الصوفي من القوالب الإنشادية التي يبتكرها الشباب لمواكبة عصر التكنولوجيا الحديثة مثل فرقة “الحضرة” المصرية.

كما لا يعتبر الإنشاد الديني حكرا على المسلمين، فهو موجود في الكثير من الديانات الأخرى مثل المسيحية التي تعتبر الإنشاد ركيزة دينية، حيث استخدم المسيحيون الموسيقى في طقوس العبادة والصلوات في الكنيسة، وذلك من خلال أداء فردي أو جماعي في شكل جوقة.

وتأسيس هذه الطقوس ليس جديدا، فهي تعود إلى القرن الرابع الميلادي إثر عصر اضطهاد المسيحيين، حيث قام آباء الكنيسة بتأسيس نظام للطقوس الدينية مؤلف بشكل أساسي من الأناشيد التي يقع الترنّم بها في ما يسمى بالترانيم، وذلك في المناسبات المختلفة طوال العام، وإضافة إلى الموسيقى تتكوّن الأناشيد إما من أشعار من الشعر الغنائي أو من العهد القديم وكل كنيسة تضع موسيقى وأناشيد خاصة بها.

ويجمع الإنشاد الديني بين مختلف الأديان، وهو مساحة كبرى للتسامح، ولكنه أيضا بات مجالا للابتكار الموسيقي، ولخلق فن روحي يرقى بالإنسان إلى مراتب عليا من التسامح والتعايش القائم على المحبة.

وباتت بعض الفرق الحديثة تقدّم في السنوات الأخيرة تنوّعا موسيقيا كبيرا، حيث تستخدم إيقاعات سريعة تشبه الأغاني العصرية بهدف التواصل مع الشباب من الجنسين في العالمين الشرقي والغربي.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي