هل سيغير بايدن سياسة واشنطن في الشرق الأوسط؟

2021-09-22

الرئيس الأمريكي جو بايدن

واشنطن-وكالات: رسم الرئيس الأمريكي جو بايدن، الثلاثاء 21 سبتمبر/أيلول 2021، في أول خطاب له بالأمم المتحدة، بمناسبة الافتتاح الرسمي للجمعية العامة السنوية، ملامح حقبة جديدة من التنافس الشرس مع الصين ولكن بدون الدخول في حرب باردة شبيهة بالحرب مع الاتحاد السوفييتي في القرن الماضي، في الوقت نفسه تحدث عن سياسته بالشرق الأوسط التي وعد بأنها ستكون أكثر هدوءاً.

وقال بايدن إن بلاده ستعمل على إيجاد حلول للأزمات التي تضرب العالم من أقصاه إلى أقصاه، وإن جيش بلاده سيلتزم سياسة ضبط النفس في الصراعات المقبلة. وقدم بايدن التزام بلاده بمكافحة جائحة فيروس كورونا ومواجهة التغير المناخي والتصدي للتهديدات.

ولم يتطرق بايدن إلى الصين، المنافس الصاعد لأمريكا، بشكل مباشر لكنه تطرق إليها بإشارات ضمنية طوال خطابه، حيث تتناطح الولايات المتحدة مع بكين في منطقة المحيطين الهندي والهادي وحول قضايا التجارة وحقوق الإنسان. وقال إن الولايات المتحدة ستتنافس بقوة وعلى الصعيد الاقتصادي وتعمل لدعم النظم الديمقراطية وسيادة القانون. وأضاف: "سندافع عن حلفائنا وأصدقائنا ونعارض محاولات الدول الأقوى للهيمنة على الأضعف، سواء من خلال تغيير الأراضي بالقوة، أو الإكراه الاقتصادي أو الاستغلال التكنولوجي أو المعلومات المضللة، لكننا لا نسعى، وسأقولها مجدداً: نحن لا نسعى إلى حرب باردة جديدة أو عالم منقسم إلى تكتلات جامدة".

ماذا عن الشرق الأوسط؟

أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط فتحدث بايدن عن أن هذه المنطقة لابد أن تكون بعيدة عن الصدامات والخلافات التي قد تتسبب في إشعال حرب، لكن رغم ذلك لم يقدم الرئيس الأمريكي ما كان ينتظره منه المراقبون لشؤون المنطقة خلال العام الذي أوشك على الانتهاء.

برهنت السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط على أنها تعمل كما العادة في عهد إدارة بايدن، وذلك بعد أن ادَّعت إدارة بايدن في البداية أن سياستها الخارجية ستشكِّل قطيعةً مع السياسة السابقة لإدارة ترامب وتبنّي الأخيرة للقادة الاستبداديين في المنطقة، بحسب تقرير لموقع  Responsible Statecraft الأمريكي.

كان بايدن شدَّد أيضاً على أن الديمقراطية وسيادة القانون هما الركيزتان الأساسيتان اللتان ترفعهما الولايات المتحدة شعاراً لها في تنافسها مع الصين وروسيا وفي مواجهة الصعود العالمي للنظم السلطوية. بل إن بايدن في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الثلاثاء 21 سبتمبر/أيلول، تعهد بقيادة العالم في النهوض بحقوق الإنسان وإبداء الازدراء المستحق لـ"المستبدين [الذين] قد يسعون لإعلان نهاية عصر الديمقراطية".

بايدن يلقي خطابه الأول بالكونغرس الأمريكي 

 

ومع ذلك، فإن واقع الأمر أن الإدارة الأمريكية لا تزال مفتونة بأي إشارة غواية تدعوها إلى حصد مزيدٍ من الأرباح في قطاع الصناعات العسكرية، وهي تتخفَّى وراء مزاعم عفى عليها الزمن بشأن الضرورات الأمنية لتبرير استمرار مبيعات الأسلحة بالمليارات وتسويغ دعمها السياسي للحكومات القمعية بالشرق الأوسط. وفي حين أن التكلفة البشرية لدعم بايدن لهذه الأنظمة المستبدة الديكتاتورية باتت واضحة بالفعل، فإن هذا الدعم وتداعياته على استراتيجية "الديمقراطية" العالمية المتعثرة بالفعل لبايدن مازالت الإدارة لم تستوعب تكاليفهما الحقيقية بعد.

كانت قرارات الأسبوع الماضي، على وجه الخصوص، شاهداً على بوادر الطمأنة للحكومات الاستبدادية وأنظمة الفصل العنصري في المنطقة، فقد لجأت الإدارة الأمريكية إلى مجموعة متنوعة من التحريفات التشريعية والتلاعبات الخطابية؛ للحفاظ على تدفق الدعم العسكري الأمريكي لهذه الحكومات على الرغم من وعود بايدن السابقة للشعب الأمريكي بأن هذه العلاقات الحميمية مع النظم الاستبدادية على وشك الانتهاء، بحسب الموقع الأمريكي.

الأسبوع الماضي، وبعد مزاعم مسرَّبة عن نقاش داخلي مكثف عن نية الإدارة إرسال إشارة تفصح عن قلق حقيقي، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أنها ستُفرج عن 170 مليون دولار من إجمالي 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية التي ربطها الكونغرس باشتراطات تتعلق بتحسين مصر لسجلِّها في مجال حقوق الإنسان.

في المقابل، لم يناقش الكونغرس ولا البيت الأبيض مدى الاستحقاق الخاص بالمليار دولار المتبقية من المساعدات العسكرية غير المشروطة للقاهرة، علاوة على التمسك بعقودٍ من الدعم العسكري الأمريكي الذي وفَّر مليارات الدولارات للحكومات المتعاقبة، كما يقول الموقع الأمريكي.

الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي

وفي محاولة صغيرة للحفاظ على جزء طفيف من التزامها بحقوق الإنسان، حجبت وزارة الخارجية مبلغ 130 مليون دولار -أقل من 10% من المساعدات- وأبقت الإفراج عنه مشروطاً بشروط "خفيفة" جديدة مرتبطة بإنهاء مصر لقضيةٍ واحدة مستمرة منذ أكثر من عقد ضد منظمات حقوقية غير حكومية بتهمة تلقي تمويلات أجنبية.

وللمفارقة، فإن هذا هو الشرط نفسه الذي ربطته إدارة ترامب لفترة وجيزة بالإفراج عن جزء من المعونة الأمريكية لمصر، وذلك على الرغم من أن القضية برمتها تحتل مركزاً متأخراً في القائمة الطويلة لانتهاكات النظام المصري الجسيمة بالبلاد، والتي تشمل الاعتقال السياسي لأكثر من 60 ألف مصري، والإعدام خارج نطاق القضاء، وممارسات التعذيب المنهجية.

جاء هذا الإفراج عن المساعدات بعد شهور من العروض السياسية عن دور مصر المركزي "بوصفها شريكاً أمنياً أساسياً" والخطوات التي قطعتها في طريق الإصلاح، فقد سافر وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، إلى القاهرة في أواخر مايو/أيار؛ لتقديم الشكر للرئيس السيسي على دوره في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس.

أطلقت الحكومة المصرية قبل ثلاثة أيام فقط من تمرير وزارة الخارجية الجزء الأكبر من المساعدات، برنامجاً عرَّفته باسم "الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان" تُركِّز فيه على توسيع سبل المراقبة والعقاب لمخالفيها وبناء مزيد من السجون الجديدة، لكنها تقدمه على أنه دليل على الخطوات الإصلاحية التي تتخذها.

ماذا عن السعودية؟

بعدها بيومين، أعطت وزارة الخارجية الأمريكية أيضاً ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بادرة طمأنة أخرى، معلنةً عن احتمال المضي قدماً في بيع معدات عسكرية "دفاعية" بقيمة 500 مليون دولار إلى السعودية، وهي صفقةٌ معظمها مخصص لشراء طائرات هليكوبتر عسكرية وصيانتها.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان

وهنا قد يجادل البعض بأن بايدن، وإن كان تعهد في أثناء ترشحه للرئاسة بحظر جميع المبيعات العسكرية للسعودية، فإنه شدد على أن هذا الحظر ينطبق فقط على الأسلحة "الهجومية" التي يمكن أن تستخدمها السعودية في حربها باليمن، ومع ذلك فإن أحداً لا يوضح ما يعنيه هذا التفريق بين أنواع الأسلحة أو ما هي الأسلحة المحظورة على وجه التحديد. والأدهى أن ذلك يأتي بعد موافقة بايدن، في أبريل/نيسان الماضي، على صفقة صادمة أخرى لبيع أسلحة بقيمة 23 مليار دولار للإمارات، الشريك الرئيسي للسعودية في حربها على اليمن.

أما إسرائيل، فلا تزال الرابحَ الأكبر، فقد أفادت المصادر بأن إدارة بايدن، بدفعٍ من الداعمين المعتادين لإسرائيل في الكونغرس، تحاول التسلل إلى مليار دولار إضافية؛ لإضافتها إلى المساعدة العسكرية المخصصة لإسرائيل، في مشروع الميزانية القادم. وتظل هذه المساعي مستمرة في الخفاء تماماً دون أي طلب مكتوب أو إشعار واحد أُرسل بشأنها إلى الكونغرس حتى الآن.

هدايا بايدن لإسرائيل

يأتي هذا أيضاً بعد سلسلة من هدايا بايدن لإسرائيل -ليس فقط إسقاط التصويت على المحاولات الأربع لإقرار وقف لإطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال القصف الإسرائيلي الأخير على الأراضي الفلسطينية- ولكن أيضاً بعد صفقة لبيع أسلحة بقيمة 735 مليون دولار أُقرَّت في مايو/أيار، وتحايلت فيها الإدارة لمنع مناقشة مجلس الشيوخ للصفقة ضمن مشروع القانون الذي تقدم به السيناتور بيرني ساندرز، الذي طالب أيضاً بإلغاء اعتراف ترامب بضم إسرائيل غير القانوني لمرتفعات الجولان السورية، وإيقاف المساعي المستمرة للضغط على المحكمة الجنائية الدولية لوقف تحقيقاتها بشأن الأوضاع في فلسطين، والاتهامات لإسرائيل بارتكاب جرائم حرب هناك.

بايدن وبينيت 

 

تعتمد مبررات الإدارة الأمريكية لمواصلة دعم الحكومات الاستبدادية على مزاعم عمرها عقود، وقلَّما يشكك أحد فيها، حول المصالح الأمنية للولايات المتحدة في كل دولة من تلك الدول، وإن كان يصعب التصديق أن أي شخص، حتى في وزارة الخارجية الأمريكية نفسها، يؤمن حقاً بهذه المزاعم. هل استمرار المساعدات لمصر ضروري حقاً للحفاظ على التزامها بمعاهدة كامب ديفيد؟

ويتساءل الموقع الأمريكي: هل تسليح محمد بن سلمان -وتمكين الاستمرار لحربه في اليمن- أمر حيوي حقاً للحفاظ على الأمن الإقليمي؟ وماذا عن إسرائيل التي تعد قوة نووية عظمى وتمتلك ميزانية عسكرية تبلغ قرابة 18 مليار دولار لعام 2022، وقد حيَّدت أو قضت على كل دولة قوية معارضة لها في المنطقة، فهل هي أيضاً تحتاج حقاً مساعدات عسكرية أمنية للحفاظ على أمنها؟

ماذا تريد أمريكا من الشرق الأوسط؟

واقع الأمر أن الهدف الشامل الذي تخدمه هذه المصالح الأمنية هو الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مهما كانت التكاليف والإخفاقات. ويربط الأمريكيون المعارضون تلك المبررات حول الدعم العسكري والسياسي الأمريكي للحكومات المستبدة في المنطقة بالنهج الفاشل نفسه للتدخلات الأمريكية التي أدت إلى الحروب في أفغانستان والعراق وليبيا واليمن؛ وهذا هو السبب الذي دفع حملة بايدن إلى تضمين تعهداتها، وإن كانت منقوصة، إنهاءَ الدعم للسعودية ومصر.

من جهة أخرى، يُتوقع أن يدفع بايدن ثمناً أثقل بكثير مقابل هذه التعهدات التي نكث بها، لأنها تطعن فيما صرَّح به على أنه أولوية شاملة لسياسته الخارجية: تحدي الاستبداد، لاسيما في الصين، عن طريق مناصرة الديمقراطية بكل مكان.

 

   قوات أمريكية تستعد للتوجه إلى الشرق الأوسط، يناير 2020

وصف بايدن هذا الصراع [بين الديمقراطية والاستبداد] بأنه المعركة التي ستحسم مصير البشر في القرن الحادي والعشرين. "لكن الديمقراطية المبنية على الأكاذيب والاستثناءات، على غرار الأكاذيب والاستثناءات التي تُديم دعمَ الإدارة للأنظمة المستبدة في الشرق الأوسط، ستكلِّف الولايات المتحدة خسارة هذه المعركة، لأن أحداً لن يشتري الشعارات التي يخونها أصحابها. وقد سارعت الصين وروسيا بالفعل إلى إبراز هذه الفجوة بين أقوال الإدارة الأمريكية وأفعالها، كما أن الأضرار التي تُلحقها سياسات الولايات المتحدة بشعوب الشرق الأوسط أوضح من أن يخفيها أحد"، كما يقول الموقع الأمريكي.

والأهم من ذلك، أن الجميع بات يطرح السؤال الواضح: إذا كانت الديمقراطية الأمريكية ترى نفسها مضطرة إلى الاعتماد على سياسة خارجية تدعم دعماً حثيثاً أنظمة الفصل العنصري ومرتكبي جرائم الحرب والفظائع، فما هي بالضبط الميزة التي تقدمها الولايات المتحدة كاختلاف عن غيرها؟







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي