"الإسلاموفوبيا" وسياسة الإمبراطورية

رؤية
2021-10-06

 

مظاهرات ضد الاسلاموفوبيا (ارشيفية)

ترجمة وعرض-نضال إبراهيم: شهد المسلمون في الغرب أشكالاً عديدة من العنصرية بسبب ممارسات وأفعال تنظيمات إرهابية استغلت الدين الإسلامي الحنيف. يتناول الكتاب تاريخ العنصرية ضد المسلمين من أوائل العصر الحديث إلى الحرب على الإرهاب، ويدعو إلى محاربة العنصرية بكافة أشكالها تجاه المسلمين أو غيرهم.

 يقدم هذا الكتاب شرحاً واضحاً وموجزاً ​​لكيفية عمل الإسلاموفوبيا في الولايات المتحدة كمجموعة من السياسات القسرية والأفكار التي تتخذ أشكالاً مختلفة: ليبرالية، محافظة، ويمينية. توضح المؤلفة كيف تقوم المؤسسات المختلفة - وسائل الإعلام ومراكز الفكر ومؤسسة السياسة الخارجية والجامعات وجهاز الأمن القومي والمجال القانوني - بإنتاج ونشر هذا الشكل الخاص من التعصب الأعمى. وترى أن العنصرية ضد المسلمين ليست لها عواقب وخيمة على الناس في عدد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة فقط، بل أيضاً على المسلمين وأولئك الذين «يبدون مسلمين» في الغرب أيضاً.

يدور هذا الكتاب حول العنصرية ضد المسلمين كأيديولوجيا ومجموعة من الممارسات المتجذرة داخل الإمبراطورية، يمكن اختصارها في ست نقاط: أولاً، إن أفضل طريقة لفهم الإسلاموفوبيا هي إدراك بأنها عنصرية وليست تعصباً دينياً. تقول المؤلفة: «عندما يتعرض المسلمون وأولئك الذين «يبدون مسلمين» في الولايات المتحدة وكذلك في جميع أنحاء العالم لأنماط منهجية من القمع والمراقبة إلى الاعتقال والتعذيب والحرمان من أبسط حقوق الإنسان، بما في ذلك الحق في الحياة، فذلك لا يعد سوء فهم ديني أو عدم تسامح بل عنصرية بنيوية».

 ثانياً، الإسلاموفوبيا ليست مجرد نتاج عناصر يمينية هامشية، بل تظهر في أشكال ليبرالية ومحافظة. توجد الإسلاموفوبيا اليمينية بشكل مستمر مع وجود المتغيرات الليبرالية والمحافظة، والداعمون يجلسون براحة داخل البنية التحتية للإمبراطورية.

 ثالثاً، ظهرت العنصرية المنهجية المعادية للمسلمين بعد الحرب العالمية الثانية كأنماط جديدة للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وخاصة نظرية التحديث والاستشراق الأمريكي، التي تنظر إلى العرب والمسلمين كعرق.

 رابعاً، «العرق» ليس مجرد تصنيف أو اختلاف في التصنيف، بل هو بالأحرى بناء ينبثق من ممارسات العنصرية.

 خامساً، يجب على الإمبراطورية أن تعيد تشكيل الاستراتيجية والمعركة باستمرار لكسب القلوب والعقول محلياً ودولياً. الإمبراطورية ليست هيكلاً راسخاً ولكنها عملية تعتمد على العنصرية لإعادة إنتاج نفسها

 سادساً، المقاومة مهمة. يمكن للمقاومة في الدول العميلة أو المحاولات التي يقودها الدكتاتوريون المدعومون من الولايات المتحدة أن تعطل الأهداف الإمبريالية وخلق الظروف للتضامن والمقاومة في المراكز الإمبريالية ضد ما أطلقت عليه حركة «احتلوا وول ستريت» نظام 1٪.

 المفاهيم العنصرية

يبدأ الكتاب في تناول العنصرية أوائل العصر الحديث في إسبانيا، عندما تم تطوير المفاهيم الجسدية للعرق. يناقش الفصل الأول كيف تبنت الإمبراطورية الإسبانية قوانين نقاء الدم التي تصور اليهود والمسلمين على أنهم غرباء دائمون لا يمكن استيعابهم من خلال المنطق السابق للعالمية المسيحية. كان للعرق والعنصرية في تلك الفترة بعض علامات العنصرية الحديثة، ولكن لأنها كانت لا تزال تصور في لغة دينية ولأن المسلمين أو، على وجه الدقة، المسلمون الذين ظلوا في الأندلس المعروفين بالموريسكيين، فقد وضعوا حيزاً حدودياً بين الدونية والتفوق، وتسميها الكاتبة النزعة البدائية، قائلة: «بينما كانت إسبانيا قوة مهيمنة في عصر الإمبريالية التجارية، كان العثمانيون ومختلف الإمبراطوريات الإسلامية الأخرى قوى مهمة على المسرح العالمي. لم تكن القوى الأوروبية في أوائل العصر الحديث قادرة على تحديها أو حلها.

نشأ الاستشراق كجسم فكري مكّن من الاستعمار في هذه الفترة. تم إنتاج العرق الإسلامي المتجانس، في الحالة البريطانية، من خلال تجربتها في الهيمنة ليس فقط فيما يتعلق بالعرب والأتراك والإيرانيين ولكن أيضاً من جنوب آسيا. علاوة على ذلك، في إنجلترا، قبل أن يتم التلاعب بالاستشراق ضد الآخر الأجنبي، تم استخدامه لخلق آخرين داخليين، أولئك الذين لم يلتزموا بشكل جيد بأخلاق الرأسمالية الجديدة لما بعد الثورة الصناعية».

يمكن اختصار الحجة التي تقدمها المؤلفة في الكتاب في قولها إن العوامل الداخلية والخارجية، أو المحلية والدولية، تلعب دوراً في مشاريع التمييز العنصري.. وتشير إلى أنه في حين احتل المسلمون مساحة محدودة في إسبانيا الإمبراطورية، فإن صعود الإمبراطورية الرأسمالية وقدرة بريطانيا على تحدي الإمبراطوريات الإسلامية القوية خلقت الظروف المناسبة للعنصرية الحديثة ضد المسلمين.

توضح المؤلفة في الفصل الثاني كيف أن أمريكا المستعمرة والجمهورية حديثة التكوين كلتاهما استعارت من اللغة العرقية البريطانية، ولكنهما خلقتا أيضاً أنماطاً فريدة من التمييز العنصري تجاه المسلمين. تقول: «في حين أن الاستشراق كأيديولوجية معقدة ومتناقضة ومتغيرة باستمرار وذات تاريخ طويل في الولايات المتحدة، إلا أن العنصرية المعادية للمسلمين ظهرت فقط بعد أن تولت الولايات المتحدة دورها كقوة إمبريالية بارزة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا.. وتضيف:«بينما واجه الأمريكيون العرب والمنحدرون من جنوب آسيا تمييزاً عنصرياً قبل هذه الفترة على شكل قوانين تجنيس إقصائية، حصل فقط أولئك الذين يُنظر إليهم على أنهم من البيض على المواطنة، بينما تم استهداف المسلمين السود من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي لممارستهم شكلاً من أشكال الإسلام الذي أعطى صوتاً للمقاومة ضد تفوق البيض والإمبريالية. كان هذا جزءاً من أنظمة سابقة لتفوق البيض».

 الاستشراق والسياسة الخارجية

يبحث الفصل الثالث في استمرار الاستشراق وتكييفاته في القرن الحادي والعشرين، ويحدد ستة أطر أيديولوجية معترف بها موجودة في صميم العنصرية المعادية للمسلمين اليوم: 1) الإسلام كتلة متراصة. 2) الإسلام متحيز جنسياً بشكل فريد والمرأة المسلمة بحاجة إلى تحريرها من قبل الغرب. 3) الإسلام مناهض للحداثة. 4) «العقل المسلم» عاجز عن تقبّل العلم والعقلانية. 5) الإسلام عنيف بطبيعته. 6) الغرب ينشر الديمقراطية لأن المسلمين غير قادرين على ممارسة الحكم الذاتي الديمقراطي.

هذه الأطر جزء من أيديولوجية راسخة لدرجة أن أولئك الذين يقدمون موقفاً نقدياً لا يُمنحون سوى القليل من المصداقية. يركز الفصل على كشف زيف هذه الأطر، بالاعتماد على آراء في مختلف التخصصات.

تعاين المؤلفة في الفصلين الرابع والخامس، السياسة الخارجية ومواقفها من«التهديد الإسلامي». يناقش الرابع المواقف المتغيرة تجاه المسلمين «الجيدين» و«السيئين» والعرب والإيرانيين والأفغان. هذه المواقف هي نتاج العنصرية الإمبراطورية العرقية لأن التصنيف الجيد / السيئ ينشأ مما إذا كان المرء يدعم أو يعارض سياسة الولايات المتحدة وإمبراطوريتها. علاوة على ذلك، يمكن للمرء أن ينتقل بسهولة من «جيد» إلى«سيئ». يلخص الفصل أيضاً الجدل بين الجناحين الرئيسيين داخل السياسة الخارجية: المحافظون الجدد وأنصار التدخل الليبرالي. وبينما يختلف الاثنان حول ما إذا كان يجب مواجهة «التهديد الإسلامي» أو التكيف معه، لكنهما متحدان في دعمهما المطلق ل«باكس أمريكانا»، وهو نظام عالمي تهيمن عليه الولايات المتحدة.

أدى هذان النهجان داخل الطبقة السياسية إلى نوعين من الإسلاموفوبيا: المحافظ والليبرالي. أنتجت هجمات الحادي عشر من سبتمبر تقارباً والتزاماً باتباع نهج المواجهة، وإطلاق الحرب على الإرهاب كمشروع لا نهاية له. تم تعزيز الإمبريالية الأمريكية بشكل كبير بعد عام 2001. يناقش الفصل الخامس الاستمرارية والانقطاع في هذا النهج بين إدارات بوش وأوباما وترامب. ويحلل وثائق السياسة الرئيسية بالإضافة إلى آراء صانعي السياسة لتوضيح كيفية قيام مؤسسة السياسة الخارجية، بما في ذلك العديد من مؤسسات الفكر والرأي، بمتابعة الحرب على الإرهاب. ويشير إلى أنه بشكل ملحوظ، حينما رفض ترامب الإجماع الليبرالي في إدارتي بوش وأوباما، استمرت «هيمنته غير الليبرالية» في بعض سياسات أسلافه حتى عندما وضع مناهج جديدة. من خلال كل هذه الإدارات، كان الناس في العديد من البلدان ذات الأغلبية المسلمة عرضة للعنصرية بالشكل الذي وصفته روث ويلسون جيلمور بأنهم «معرضون للموت المبكر» من خلال الحروب التقليدية والعقوبات وحرب الطائرات بدون طيار والضربات الجوية.

 المكارثية الجديدة

يتحول الفصل السادس إلى السياق المحلي لتوضيح كيف أن الجهاز الأمني ​​والقانوني قد أرهب المسلمين. يحمل الفصل عنوان «ترهيب المسلمين» لأنه يهدف إلى معالجة مسألة «المسلم العرقي»، وهي فئة متجانسة من الناس من غرب إفريقيا إلى آسيا، تم اعتبارها كتهديد إرهابي في فترة ما بعد 1991. ويناقش كيف أدت السياسات المصممة للسيطرة على هذا التهديد من المراقبة إلى المحاكمة الوقائية إلى الخوف والرعب داخل المجتمعات المستهدفة. لم يؤد تقوية الإمبراطورية بعد 11 سبتمبر إلى تمكين الولايات المتحدة من شن الحرب في الخارج فحسب، بل أدى أيضاً إلى إنشاء أنظمة جديدة للسيطرة العرقية داخل الولايات المتحدة. تم تكييف الأساليب المستخدمة خلال الحرب الباردة مع الحرب على الإرهاب: «الرعب الأحمر» تحول إلى «الرعب الأخضر». (الأخضر هو لون الإسلام). يركز الجزء الأكبر من الفصل على الممارسات العنصرية لجهاز الأمن الداخلي، والذي يضم عدداً من المؤسسات مثل وزارة الأمن الداخلي، ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ووكالة الأمن القومي، ووزارة العدل، ومختلف أقسام الشرطة، والنظام القانوني. وتعلق الكاتبة:«من المؤكد أن هذا الفصل بين المحلي والدولي هو أمر مصطنع. الإمبراطورية هي وطنية ودولية في آنٍ واحد، وطُورت أساليب السيطرة محلياً في الخارج والعكس بالعكس». وتحدد المؤلفة أنظمة المراقبة والاعتقالات التعسفية والتسجيل والاحتجاز إلى أجل غير مسمى والتعذيب والترحيل التي ينشرها جهاز الأمن في عملية أطلق عليها اسم «أمننة الإسلام». كانت الوسيلة الرئيسية لعملية السيطرة العرقية هذه هي الاعتقاد بأن«الإسلام» كأيديولوجيا تهيئ المسلمين للعنف.

يلقي الفصل السابع نظرة على اليمينيين المعادين للإسلام («المكارثيون الجدد») وعلاقاتهم بالمؤسسة الأمنية والإعلام والطبقة الأكاديمية والسياسية. تجد المؤلفة أن شبكة الإسلاموفوبيا، التي تتكون من مجموعات مختلفة بما في ذلك أقسام من معسكر المحافظين الجدد والصهاينة واليمين المسيحي ومختلف «المسلمين السابقين»، ليست أقلية هامشية كما أصر البعض، ولكنها جزء لا يتجزأ من هياكل الإمبراطورية الأمريكية. تقول: «يلعب المكارثيون الجدد دوراً جماعياً في تصعيد الخوف والكراهية تجاه المسلمين، وهو ما مكنته المؤسسة الليبرالية. إنهم يستثمرون بعمق في الإمبريالية الأمريكية والاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي ويلعبون دوراً مشابهاً لدور محاربي الحرب الباردة في الماضي. في حين أن الإسلاموفوبيا اليمينية تدور حول الإقصاء (إزالة رموز الإسلام من الحياة العامة، وحظر المسلمين، وما إلى ذلك)، فإن الإسلاموفوبيا الليبرالية تدور حول الإدماج بشروط إمبراطورية؛ كلاهما شكل من أشكال العنصرية الإمبريالية». تزاوجت شرعية ترامب مع المكارثيين الجدد ورفعتهم ليس فقط من خلال اقتراحاته بأن أوباما «مسلم سري» ولكن أيضاً من خلال توجيه اليمين المعارض للإسلام إلى مناصب داخل إدارته.

وكانت النتيجة النهائية أنه تم التغلب على العنصرية الضمنية المشفرة في حقبة ما بعد الحقوق المدنية، لتحل محلها وفي الصدارة العنصرية العلنية الصارخة».

 تعقيدات وتناقضات

ترى المؤلفة أن الإشارة إلى التغييرات والتعقيدات والتناقضات داخل العنصرية المعادية للمسلمين لا يعني محو قوتها، بل إظهار أنها ليست مباشرة ولا بسيطة؛ إنها ظاهرة معقدة تحتاج إلى فهم على مستويات عديدة. لذلك تجد أنه «علينا تجنب أي نهج مغرض». وترى أن التناقض متأصل في النظام. علاوة على ذلك، فإن «التناقض هو أيضاً أساس التغيير.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي