كيف قدمت بنجلاديش للعالم قصة نجاح حقيقية في سياسات المناخ؟

Bangladesh Really Is a Climate Success Storyشارك
2021-10-13

ألقت مجلة ذي أتلانتك الأمريكية الضوء على أوضاع التغيُّر المناخي في بنجلاديش والتقدم الذي حققته في مجال التغلب على الخسائر البشرية الكبيرة الناجمة عن الظواهر المناخية، مثل الأعاصير. وذلك في مقالٍ لجوياشري جوي، أستاذة في قسم الطاقة والبيئة وتغيُّر المناخ في المعهد الآسيوي للتكنولوجيا في تايلاند وباحثة في المجلس الهندي لأبحاث العلوم الاجتماعية، والتي ترى أن دول مثل بنجلاديش يجب أن تعالج أمورًا مثل التغيُّر المناخي تدريجيًّا، بحيث لا تخسر مكاسب التنمية التي حققتها بصعوبة على مدار عقود.

وتستهل الكاتبة مقالها بالقول: قبل 50 عامًا، حصلت بنجلاديش على استقلالها عن باكستان وسط كارثة مناخية مدمِّرة. وفي العام الذي سبق ذلك، أي في عام 1970، قتل إعصار بولا ما يصل إلى نصف مليون شخص. وجرى تضخيم الخسائر البشرية للكارثة – وهو واحد من أحد أعنف الأعاصير في التاريخ المسجَّل – بسبب الاستجابة غير الكافية على نحو مؤسف من جانب الحكومة الباكستانية.

وفي مواجهة مطالب متجددة باستقلال ما كان يُعرف آنذاك بباكستان الشرقية، شنَّ الجيش حملة قمع وحشية وإبادة جماعية. وفي حرب الاستقلال، قُتل مئات الآلاف من الناس، واغتصبت ما يقدر بنحو 200 ألف امرأة، ودُمِّر 6 ملايين منزل.

ومنذ هذه البدايات، ظلت بنجلاديش، في مخيلة كثير من دول العالم المتقدم، مثالًا على الفقر وكارثة مناخية تلوح في الأفق – وكأنها رسالة تحذيرية لما سيصيب فقراء العالم إذا جرى تجاهل التعامل مع قضية تغيُّر المناخ.

إن انخفاض الأراضي والكثافة السكانية العالية في البلاد تجعلها عرضة بوضوح لارتفاع مستويات سطح البحر والمخاطر الطبيعية، مثل الأعاصير. لكن سردية بنجلاديش بوصفها ضحية للمناخ على قائمة الانتظار هي تقريبًا معلومات مضلِّلة تمامًا. ومنذ الكفاح من أجل الاستقلال حتى الآن، كما كتبتُ مؤخرًا لمجلة «بريكثرو جورنال» (Breakthrough Journal)، تمثل بنجلاديش في الواقع قصة نجاح تُظهر قوة تقرير المصير عندما يتعلق الأمر بالتنمية وسياسة المناخ.

وتوضح الكاتبة أن الحديث الدقيق عن التطورات الأخيرة في بنجلاديش يجب أن يبدأ بالغاز الطبيعي. وقد كانت الثروة المحلية التي حققتها البلاد من هذا المورد الطبيعي تعد القوة الدافعة للتحديث والتطوير.

وفي عام 1974، أمَّمت الحكومة موارد الطاقة في بنجلاديش، ولكن بدلًا من بيع غازها للخارج، اختارت الدولة الاحتفاظ بكثير منه. وبدلًا من استخدام الغاز للاستهلاك في منازل المواطنين، وجَّهته السلطات إلى أنشطة مثل توليد الطاقة للنمو الصناعي وتطوير قطاع الأسمدة وإمدادات المياه للري وإنتاج الأسمنت.

البنك الدولي يرفع تصنيف بنجلاديش

وتشير الكاتبة إلى أن ذلك أدَّى بدوره إلى توسع هائل في الإنتاج الزراعي، وبحلول عام 2019، كانت بنجلاديش مكتفية ذاتيًّا من الغذاء، وأصبحت أيضًا مُصدِّرًا مهمًّا للمنسوجات والملابس والمنتجات الجلدية. ويُعد اقتصادها الآن الأسرع نموًّا في جنوب آسيا، ولكن نظرًا إلى أن الغاز الطبيعي يشكل أكثر من 60% من استخداماتها الأولية للطاقة، تُعد البلاد أكثر خضرة من عديد من جيرانها، مثل الهند، التي تعتمد أكثر على الفحم.

وإلى جانب هذا التقدم الاقتصادي، خفَّضت بنجلاديش معدلات الفقر المدقع ووفيات الأطفال بنحو 70% من عام 1990 إلى عام 2016. وأضحى متوسط ​العمر المتوقع للفرد أقل بسبع سنوات فقط منه في الولايات المتحدة. وفي عام 2015، اعترف البنك الدولي بالتقدم الذي أحرزته بنجلاديش، ورفعها إلى مصاف الدول «ذات الدخل المتوسط ​​الأدنى».

تكيَّفت بنجلاديش أيضًا مع تغيُّر المناخ من خلال تحسين التنبؤ وحملات التدريب والتعليم العام على مستوى المجتمع، والاستثمارات في البنية التحتية. ونتيجةً لذلك، انخفض عدد القتلى من الأعاصير منذ إعصار بولا إلى رقمين أو ثلاثة في السنوات الأخيرة. ولا تزال أعداد الضحايا مأساوية، لكنها بعيدة كل البعد عن التكلفة البشرية الباهظة منذ نصف قرن مضى. ومن المؤكد أن هذه الجهود التكيفية لها حدودها، لا سيما مع تفاقم آثار تغيُّر المناخ، لكن بنجلاديش كسبت الوقت لإجراء تحوُّل في الطاقة مع عدم تعريض احتياجات شعبها للخطر.

نماذج التنمية تختلف من دولة لأخرى

ونوَّهت الكاتبة إلى أن كثيرًا من نموذج النمو البنجلاديشي خالف التوصيات الصادرة عن مؤسسات التنمية الدولية، والمنظمات غير الحكومية ذات النوايا الحسنة، والجماعات البيئية العالمية. وقد انتقد صندوق النقد الدولي، على سبيل المثال، منذ مدة طويلة الإعانات مثل تلك التي تستخدمها بنجلاديش في قطاع الطاقة، مقللًا من أهمية الفوائد التي جلبها الجمع بين هذه الفوائد والاستخدام المحلي للغاز لاقتصاد بنجلاديش.

وحثَّ آخرون على تنويع اقتصادات البلدان وقطاعات الطاقة لتقليل انبعاثات الكربون، وعادةً ما يروِّجون للاستثمارات في قطاعات الطاقة «الأكثر اخضرارًا» والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، بما في ذلك الغاز الطبيعي. ولا يزال هناك مزيد ممن يجادلون بأنه لكي تنجو البلدان المنخفضة من ظاهرة الاحتباس الحراري، هناك حاجة إلى إجراء تخفيضات كبيرة في استهلاك الطاقة الآن.

لكن التوصيات العامة لم تكن ذات معنى كبير لبنجلاديش في الماضي. وفي المستقبل، قد تكون أكثر خطأ.

أولًا، على الرغم من أن الدولة لديها فرص للطاقة الكهرومائية، فإن تسخيرها لن يكون ممكنًا دون نزوح المجتمعات على نطاق واسع. كما أن إمكانات طاقة الرياح والطاقة الشمسية محدودة: معظم أراضي بنجلاديش خصبة ومطلوبة لإنتاج الغذاء، في حين أن الأراضي غير الزراعية غير المستخدمة شحيحة.

وبالإضافة إلى ذلك، من أجل انتشال ملايين آخرين من براثن الفقر ورفع مستويات المعيشة في جميع أنحاء البلاد، تحتاج بنجلاديش إلى إنتاج مزيد من الطاقة واستهلاكها، مما يعني أن بعض التخفيضات المتخيلة لاستهلاك الطاقة غير مطروحة على الطاولة.

باختصار، توضح بنجلاديش سبب عدم ملاءمة الأولويات المطبقة على المستوى الدولي دائمًا للمستوى المحلي. وفيما يخص بلدان مثل بنجلاديش، لا ينبغي أن يكون السؤال هو كيفية التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بأسرع صورة، ولكن كيفية الاستفادة منه على أفضل وأنظف وجه – والبنية التحتية المحيطة به.

وترى الكاتبة أن ذلك يعني الاستمرار في إعطاء الأولوية للاستخدام المحلي المنتج لاحتياطيات الغاز الطبيعي المتبقية في البلاد، وإيجاد طرق لاستخدام البنية التحتية لهذا القطاع وموارده ومعرفة الاستفادة من مصادر الطاقة الأنظف التي تتناسب مع الظروف المحلية، مثل الطاقة الحرارية الأرضية والهيدروجين.

نصف الهيدروجين في العالم يُنتَج من الغاز الطبيعي

وأفادت الكاتبة أن الطاقة الحرارية الأرضية استُخدِمت في عديد من البلدان لتوليد الحرارة والطاقة، ولكنها لا تشكل حصة كبيرة جدًّا من إجمالي توليد الطاقة العالمية، ويرجع ذلك بالأساس إلى التكلفة العالية للبنية التحتية المطلوبة. غير أن استخدام آبار التنقيب عن النفط والغاز والآبار المستنفدة لتوليد الطاقة الحرارية الأرضية وتوليد الطاقة أصبح ممكنًا، كما أظهرت دراسة حديثة أجريتُها أنا وزملائي.

وفي غضون ذلك، أصبح الهيدروجين جزءًا مهمًّا من صناعة الطاقة في منتصف القرن العشرين، لكنه حظي مؤخرًا بتركيز متجدد بوصفه بديلًا محتملًا للنفط والغاز. وكما هو الحال مع الطاقة الحرارية الأرضية، قد يُعاد توظيف البنية التحتية الحالية في بنجلاديش بعدد من الطرق لدعم اقتصاد الهيدروجين: بالفعل، يُنتَج نصف الهيدروجين في العالم باستخدام الغاز الطبيعي.

ومن المؤكد أن كل هذا سيتطلب مستويات ضخمة من الاستثمار، لكن بنجلاديش، مع قطاع الغاز المتطور بها، لديها فرص للانتقال إلى الطاقة الحرارية الأرضية والهيدروجين بمرور الوقت – وبطرق تتماشى مع كل من مناخها وأهدافها التنموية. ولكن لتحقيق ذلك، يجب أن تؤخذ كلتا الحَتْمِيَّتين على محمل الجد بصورة متساوية، وأن تكون الجهات الفاعلة التي تقوم بإحداث التوازن بينهما على أفضل وجه جهات محلية.

إن رؤية بنجلاديش بوصفها دولة على شفا أن تغمرها مياه البحار المرتفعة قد عفا عليها الزمن، مثلما تُعد فكرة انتقالها بسرعة إلى الطاقة المتجددة فكرة غير واقعية. وفي الخمسين عامًا التي انقضت منذ إعصار بولا، شقَّت الدولة طريقًا للتنمية بفضل الغاز الطبيعي. إن الابتعاد عن هذا المسار سريعًا من شأنه أن يقطع الطريق على أصول الوقود الأحفوري للأمة ويقوِّض سيادتها ومكاسب التنمية التي حققتها بشق الأنفس.

لا يمكن التخلي عن الوقود الأحفوري بين عشية وضحاها

وفيما يخص بلدان مثل بنجلاديش، لا يمكن التخلي عن الوقود الأحفوري بين عشية وضحاها، على الأقل ليس ضمن أي إطار عالمي للتخفيف من تغيُّر المناخ يمكن وصفه بأنه مستدام أو عادل. ويجب أن يجري الانتقال إلى اقتصاد منخفض الكربون في الدول الأقل نموًّا بأسرع صورة ممكنة وليس بأسرعها على الإطلاق – مما يعني أنه لا يمكن التخلي عن خدمات الطاقة الوفيرة الميسورة التكلفة وجميع الفوائد الاقتصادية والتنمية البشرية المرتبطة بها سعيًا وراء تحقيق أهداف التخفيف من تغيُّر المناخ.

وتختتم الكاتبة مقالها بالإشارة إلى أنه ستكون هناك نماذج انتقالية متعددة، جميعها متشابِكة بشدة مع ضرورات التنمية والتاريخ المحلي والحوكمة والموارد الطبيعية. ويجب أن تُجرى الاختيارات على نحو ديمقراطي، ويجب أن تحترم هذه الخيارات سيادة الدول، كما يجب أن تسمح للدول النامية ببناء التكنولوجيا والبنية التحتية والمؤسسات التي تحتاجها لرسم مسارها الخاص.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي