فورين بوليسي: هكذا تحسم القوة البحرية الصراع على القيادة العالمية

2021-10-15

لم يكن أبدا عدد السفن التي تمتلكها دولة ما هو المقياس الوحيد لقوتها في البحر، حيث تلعب عوامل أخرى دورا بالطبع، بما في ذلك أنواع هذه السفن التي تمتلكها الدولة، وما تملكه من غواصات وحاملات طائرات ومدمرات، والطريقة التي يتم نشرها بها، وتطور أجهزة الاستشعار الخاصة بها، ومدى أسلحتها وقدرتها الفتاكة. ومع ذلك، فإن العدد له أهمية خاصة في أعالي البحار.

وعلى مدى العقود العديدة الماضية، شهدت أعداد السفن الأمريكية انخفاضا كبيرا بشكل عام. وكانت الثمانينات والتسعينات بمثابة بداية هذا الاتجاه التنازلي. وخفضت الإدارات الأمريكية في ذلك الوقت الدعم المالي لصناعة السفن التجارية في البلاد ما أدى في النهاية إلى انخفاض أحواض بناء السفن اللازمة لبناء أسطول أكبر. ومع نهاية الحرب الباردة، ذهب صانعو السياسة إلى أبعد من ذلك حيث خفضوا تمويل البحرية الأمريكية لإثبات أن هناك عائدا من السلام وهو هدف قصير النظر بالطبع.

والآن، يدفع كبار مسؤولي وزارة الدفاع باتجاه استراتيجية "سحب الاستثمارات من أجل الاستثمار" والتي تعني سحب البحرية لعدد كبير من السفن القديمة من الخدمة لتوفير الأموال اللازمة لشراء منصات أقل ولكن أكثر تطورا وفتكا.

وفي غضون ذلك، تقوم الصين بتوسيع نطاق تواجدها البحري بقوة، وتشير التقديرات إلى أن بكين تمتلك أكبر أسطول في العالم. وتعترف الأصوات القيادية في واشنطن بالتهديد الصيني المتزايد بينما تجادل أيضا في نفس الوقت بأن الولايات المتحدة يجب أن تقلص أسطولها الحالي من أجل التحديث.

وقال الأدميرال "فيليب ديفيدسون"، الذي ترأس القيادة الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ حتى تقاعده هذا الربيع إن الصين ربما تغزو تايوان في الأعوام الـ6 المقبلة، ويفترض أن يمهد هذا الطريق لمواجهة عسكرية كبيرة مع الولايات المتحدة. ويقول رئيس العمليات البحرية الأدميرال "مايكل جيلداي" إن البحرية بحاجة إلى تسريع سحب طراداتها وسفنها القديمة لتحرير الأموال للسفن والأسلحة التي ستكون بالغة الأهمية في المستقبل. 

وتشير هذه الآراء إلى الارتباك الاستراتيجي وغياب دروس التاريخ.

وتظهر قرون من التنافس العالمي كيف أن قوة دولة ما أو انحدارها ترتبط ارتباطا مباشرا بحجم وقدرة قواتها البحرية. وتمثل القدرة على شحن البضائع بكميات كبيرة من الأماكن التي يتم إنتاجها فيها إلى الأماكن التي تندر فيها تعبيرا عن القوة الوطنية. وكان لدى أثينا أسطول بحري قوي بالإضافة إلى أسطول تجاري كبير. كما قامت قرطاج في القرن الثالث قبل الميلاد، والبندقية في القرنين الـ13 والـ14، والجمهورية الهولندية في القرنين الـ16 والـ17 بإدخال أساطيل تجارية وبحرية لمتابعة وحماية مصالحهم. وبهذه الطريقة، تمكنت من تحويل نفسها من دول صغيرة ومتوسطة الحجم إلى قوى عظمى.

وفي أعقاب الحروب النابليونية في أوائل القرن الـ19، قام أسطول ملكي كبير بدوره في الإمبراطورية البريطانية التي "لا تغيب عنها الشمس". وبحلول النصف الأخير من ذلك القرن، حافظ البريطانيون على "معيار القوتين التاليتين" والذي يعني ضرورة أن يكون حجم البحرية الملكية مساويا أو يتجاوز القوتين البحريتين التاليتين مجتمعتين. لكن ثبت أن ذلك غير مستدام في النهاية.

وكانت مضاعفة القوة القتالية للبحرية الأمريكية في عهد الرئيس "ثيودور روزفلت" هي التي دفعت بالولايات المتحدة إلى القوة العالمية. ويرى معظم المؤرخين أن الرحلة البحرية العالمية التي قطعتها البوارج الأمريكية الجديدة، أو ما سمي بـ"أسطول روزفلت الأبيض العظيم"، واستغرقت 14 شهرا كانت ولادة ما يعرف الآن باسم القرن الأمريكي.

وأسس التوسع الهائل للأسطول الأمريكي خلال الحربين العالميتين، وامتلاكه مع نهاية الصراع الأخير  أكثر من 6 آلاف سفينة (وهو ما كان إلى حد بعيد أكبر قوة بحرية على الإطلاق) لوضع البلاد على طريق القوة العظمى. وأخيرا، ساعدت حملة "رونالد ريجان" لبناء 600 سفينة، والتي كانت حملة دعائية بقدر ما كانت خطة لبناء السفن، في إقناع الاتحاد السوفييتي بأنه لن ينتصر في الحرب الباردة.

المصدر : الخليج الجديد







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي