هل يتَّبع بايدن سياسات الشرق الأوسط نفسها التي اتَّبعها ترامب؟

Biden carries forward a Trump-era Middle East policy
2021-10-16

نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريرًا عن حقيقة اتباع إدارة جو بايدن النهج نفسه الذي سلكته إدارة ترامب فيما يخص السياسات المتعلقة بالشرق الأوسط. ويشير التقرير الذي أعدَّه إيشان ثارور، محرر قسم الشؤون الخارجية وكاتب العمود في الصحيفة الأمريكية، إلى أن بايدن أثنى على اتفاقات التطبيع في الوقت الذي كان يهاجم فيه ترامب في جبهات أخرى، وأن الإدارة الأمريكية الحالية ستستفيد من هذه الاتفاقات وتعتمد عليها، ولكنها لن تمارس ضغوطًا شديدة من أجل توسيع نطاق الاتفاقات لتتضمَّن دولًا عربية جديدة، لا سيما السعودية التي تنظر إليها تل أبيب بوصفها «جائزة كبرى».

مرور عام على إبرام اتفاقات التطبيع

يستهل الكاتب تقريره بالإشارة إلى أن وزير الخارجية الأمريكي، أنطوني بلينكين، استضاف يوم الأربعاء نظيريه الإسرائيلي والإماراتي في واشنطن. ويأتي هذان الاجتماعان بعد مدة وجيزة من مرور العام الأول على إبرام اتفاقات التطبيع، وهي الاتفاقيات الشهيرة التي أُبرِمَت بين إسرائيل وبلدين عربيين، وهما الإمارات والبحرين. وقبل أن يغادر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصبه مُكرهًا، حذَت المغرب والسودان حذو الإمارات والبحرين.

ولا تزال هذه الاتفاقات أحد أهم موروثات ترامب في مجال السياسة الخارجية، ويبدو أنها تشير إلى حدوث تحوُّل في الشرق الأوسط. وعلى مدى سنوات، ربطت الحكومات العربية، باستثناء مصر والأردن، اللتين طبَّعتا علاقاتهما بالفعل مع إسرائيل، بين إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وإبرام اتفاق سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين. غير أن الإمارات، بوصفها بلدًا عربيًّا رئيسًا، اختارت في أغسطس (آب) 2020 أن تتجاهل المخاوف الفلسطينية لصالح الوعد بتوسيع العلاقات التجارية مع إسرائيل، وتعزيز التعاون الأمني المُحتمَل المناهض لإيران، فضلًا عن الحوافز السياسية الجديدة التي تُقدمها إدارة ترامب المتلهِّفَة لتطبيع العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل.

وسرعان ما ظهرت التنازلات: وآية ذلك أن الإماراتيين ضمنوا إبرام صفقة أسلحة أمريكية كبيرة، وأقنع المغرب ترامب بأن يَعدِل عن السياسة الأمريكية الحزبية التي دامت عقودًا، وأن يعترف بادعاءات الرباط المتعلقة بالصحراء الغربية، وتمكَّن السودان من رفع اسمه من القائمة التي وضعتها الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب.

هل تستفيد إدارة بايدن من اتفاقات التطبيع؟

ويضيف التقرير: وعلى الرغم من اعتراضات مسؤولي بايدن الشديدة على خُطَّة ترامب الأوسع نطاقًا، فإنه يبدو أنهم يحرصون إلى حدٍ ما على الاستفادة من اتفاقات التطبيع. وأشاد بايدن خلال حملته الانتخابية قبل عام بهذه الاتفاقات على الرغم من انتقاده لترامب في كثير من المجالات الأخرى. وبدا في ذلك الوقت أن إمكانية التطبيع مع الإمارات والبحرين قد أقنعت بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، بتعليق خُطط ضم أجزاء من الضفة الغربية رسميًّا.

وكتب بايدن في أغسطس 2020: «من خلال إحباط تلك الاحتمالية وبعد أن حلَّت محلها آمالٌ مُنعقدة على مزيد من التواصل والتكامل في المنطقة، سلكت الإمارات وإسرائيل طريقًا يسهم في تحقيق مزيد من السلم والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط». وأضاف: «وسوف تسعى إدارة بايدن وكمالا هاريس إلى الاستفادة من هذا التقدُّم، فضلًا عن السعي لإقناع جميع دول المنطقة من أجل مواكبة هذا التقدم».

ويؤكد التقرير أن العوامل التعزيزية في الاتفاق الذي أبرمته أبوظبي وتل أبيب تشير إلى تحقيق مكاسب فورية وملموسة. وكان التطبيع بين الإمارات وإسرائيل قد أسفر بالفعل عن ضخ ما لا يقل عن 675 مليون دولار في مجالات التجارة الثنائية، والرحلات الجوية المباشرة بين البلدين، وتدفُّق السياح، وتوسيع دائرة التواصل بين الشعبين.

واحتفل عبد الله بن زايد آل نهيان ويائير لابيد، وزيرا خارجية الإمارات وإسرائيل اللذان استضافَهُما وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين يوم الأربعاء، في مقال افتتاحي مُشترَك نشرته صحيفة «فاينانشيال تايمز» في سبتمبر (أيلول) بـ«التحوُّل الملموس عبر الأجيال» في الوقت الراهن.

وكتب آل نهيان ولابيد: «يمكن أن تساعد الإمارات وإسرائيل معًا، بوصفهما من أكثر البلدان دينامية وتقدُّمًا في العالم، في زيادة الفرص الاقتصادية من خلال دعم التكامل الإقليمي الأكثر عمقًا».

دور الدول العربية التي طبَّعت علاقاتها مع إسرائيل في القضية الفلسطينية

ويلفت التقرير إلى أن ذلك المستوى الاقتصادي يمتد، من حيث المبدأ، إلى الفلسطينيين، على الرغم من عدم حدوث تغيير يُذكَر في الدينامية القاتمة التي تشير إلى أن الاحتلال العسكري الإسرائيلي يبسط نفوذه على ملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية، وأن الحصار العسكري الخانق يقيِّد حياة نحو مليوني فلسطيني في قطاع غزة. وعندما اندلعت الأعمال العدائية في وقت سابق من هذا العام، لم تتخذ الدول العربية التي طبَّعت علاقاتها مع إسرائيل سوى قليلًا من الإجراءات من أجل تغيير حسابات العمليات العسكرية الإسرائيلية، أو الدفاع عن الفلسطينيين المُعرَّضين للطرد من منازلهم في القدس الشرقية أو البدء في أي عملية سياسية مُجدية بين الجانبين الغاضبين.

وأشار تقرير صادر عن منتدى السياسة الإسرائيلية إلى: «أن سِجل الدول المُطبِّعة قبل تطبيع العلاقات مع إسرائيل وبعد ذلك على وجه الخصوص قد عزَّز الانطباع بأن هذه الدول غير مهتمة بالاضطلاع بدور أكبر عندما يتعلق الأمر بالقضية الإسرائيلية الفلسطينية». وقد حث المنتدى إدارة بايدن على «الدعوة إلى انخراط أكبر في الشؤون الفلسطينية من جانب المُطبِّعين».

ويستدرك التقرير: ولكن قد يُمثِّل ذلك الأمر مهمة يصعب إنجازها على إدارة تحرص على عدم زعزعة الأمور. ويرى بايدن أن حكومة إسرائيل الحالية تمتلك مجموعة من القادة الذين لا يثيرون القلاقل موازنةً بحكومة نتنياهو عندما كان بايدن يشغل منصب نائب الرئيس الأمريكي. وهناك بعض التحوُّلات الملحوظة في الأسلوب والتركيز عن الأعوام التي ترأس فيها ترامب الولايات المتحدة، حيث استأنفت واشنطن تقديم تمويل المساعدات للفلسطينيين التي أوقفها ترامب وأقنعت إسرائيل بإصلاح العلاقات مع الأردن، وهي البلد العربي الرئيس المُشارك في الحوار منذ مدة طويلة.

وعلاوةً على ذلك، «يلتزم مسؤولو بايدن بعدم اتخاذ مزيد من الإجراءات» ويعربون عن «رضاهم الشديد عن الوضع الراهن»، وفقًا للتصريح الذي أدلى به خالد الجندي، الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط، للنشرة الإخبارية التي تبثها صحيفة «واشنطن بوست». وأضاف الجندي أن إدارة ترامب نظرت إلى اتفاقات التطبيع بوصفها «وسيلة لإظهار أن القضية الفلسطينية لم تعد مهمة» في العالم العربي.

هل تدعم إدارة بايدن تهدئة الأوضاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين؟

ويلمح كاتب التقرير إلى أن إدارة بايدن ربما لا تمارس ضغوطًا شديدة من أجل توسيع نطاق اتفاقات التطبيع لتتضمَّن دولًا عربية جديدة، من بينها الدولة التي تنظر إليها إسرائيل بوصفها المكافأة الكبرى، وهي السعودية، ولكنَّ الإدارة الأمريكية تدعم «انحسار الصراع بين إسرائيل وفلسطين، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية يائير لابيد، ورئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي نفتالي بينيت. وبدلًا من أن تنظر إسرائيل في المطالب السياسية الفلسطينية، ربما تحاول تل أبيب وحلفاؤها تعزيز الحياة الاقتصادية الفلسطينية على أمل تخفيف حِدَّة التوتُّرات.

وكتب باتريك كينجسلي، مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية قائلًا: «فيما يخص منتقدي تل أبيب، يُمثِّل الشعار الجديد مجرد إعادة تسمية للنهج الذي تتبعه إسرائيل منذ عقود تجاه الفلسطينيين». وأضاف: «إنهم يصورونها بوصفها إستراتيجية علاقات عامة بارعة تُخفي نية القادة الإسرائيليين المتعاقبين منذ أمدٍ بعيد، ومنهم نفتالي بينيت، من أجل توسيع نطاق المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة، وترسيخ وجود إسرائيل في المنطقة، وأن تجعل من الصعب الرجوع عن الاحتلال الذي دام 54 عامًا».

وفي مقال جديد كتبه مارتن إنديك، الدبلوماسي الأمريكي المُحنَّك، ونشرته مجلة «فورين أفيرز»، يؤكد إنديك أن بايدن سيوافق على هذا الطرح، ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أنه يقبل «حُجَّة بينيت التي تفيد بأن الحكومة الائتلافية الإسرائيلية بين اليسار واليمين لا يمكن أن تنجو من عملية سلام تتطلب إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة».

وينوِّه الكاتب في نهاية تقريره إلى أن كل القمم الحماسية التي تنعقد في واشنطن أو تل أبيب أو أبوظبي لا يمكن أن تخفي ذلك الواقع الأساسي الذي لم تجرِ تسويته. وكتب جيريمي برسمان، مدير دراسات الشرق الأوسط في جامعة كونيتيكت، قائلًا: «قد لا تحوز القضية الفلسطينية الأهمية ذاتها التي حازتها من قبل في المنطقة، ولكن لم يجرِ تسويتها. وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزته إسرائيل في مجال إقامة علاقات مع بعض البلدان العربية، فإن الاحتلال يظل قضية قوية ومصدرًا من مصادر عدم الاستقرار. ولن يسهم تجاوز هذا الأمر من خلال الدبلوماسية الإقليمية في زواله».







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي