ليكسبرس: تصريحات ماكرون حول "الأمة الجزائرية" أزعجت المؤرخين

2021-10-16

الرئيس الفرنسي، ايمانويل ماكرون (ارشيفية)

قالت مجلة “ليكسبريس” الفرنسية إن تشكيك الرئيس إيمانويل ماكرون بوجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، علاوة على كونه أثار غضب السلطات الجزائرية، فإنه أزعج، كذلك، العديد من المختصين، في مقدمتهم المؤرخ بنجامين ستورا، معد التقرير الخاص بذكرى الاستعمار والحرب الجزائرية، بطلب من الإليزيه، والذي نشر في شهر يناير الماضي.

وأوضحت المجلة الفرنسية أن ستورا، المختص بالعلاقات الفرنسية الجزائرية، لا يخفي إحراجه من تصريحات إيمانويل ماكرون أمام 18 من أحفاد أبطال الحرب الجزائرية، حيث اعتبر المؤرخ أنه “من الخطر دائمًا أن يغامر رئيس دولة بالدخول في سجل تاريخي مثير للجدل”؛ مذكرا بأن تقريره يتعلق بتنفيذ التوصيات “مصالحة الذاكرة وليس كتابة تاريخ الجزائر”. ويرى مختصون آخرون أن الرئيس ماكرون “خاطر” من خلال الشروع في هذا المسار المنزلق.

بدوره، نقلت “ليكسبريس” عن المؤرخ البريطاني جيمس ماكدوغال، مؤلف كتاب تاريخ الجزائر (مطبعة جامعة كامبريدج 2017)، توضيحه أنه “من وجهة نظر تاريخية، لم يكن شكل “الأمة” موجودًا في أي مكان كفئة معيارية مهيمنة قبل القرن التاسع عشر، وإذا كنا نعني بكلمة “أمة” مجتمعًا سياسيًا تؤسس عليه الدولة شرعيتها ويفترض أن تسكن فيه سيادة الدولة، فإن هذه الأمة هي ما عمل القوميون الجزائريون على تحقيقه. وكان على القوميين أن يؤمنوا بأنها موجودة بالفعل، وأنه يجب “إيقاظها” من أجل تحريرها. وكان لا بد من وجود خيال الأمة قبل الشكل السياسي”، وفق المؤرخ البريطاني.

أما الباحث في مركز البحوث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية في وهران، عمار مهند عامر، فقد استنكر “الجهل العميق للرئيس الفرنسي بالتاريخ الجزائري”. ويضيف المؤرخ القول: “صحيح أن النظام الجزائري بنى شرعيته على ريع الذاكرة، لكن الجزائر ليست الدولة الوحيدة التي فعلت ذلك. دعونا لا ننسى أن مزاعم الجزائر حول اعتراف فرنسا بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أثناء الاستعمار، اكتسبت أهمية كبيرة بعد عام 2005، عندما أقرت الجمعية الوطنية الفرنسية قانونًا بشأن تعليم الدور الإيجابي للاستعمار”، يذكر المؤرخ الفرنسي.

ومضت “ليكسبرس” إلى القول إنه بعد مرور ستين عامًا على انتهاء الحرب، ما تزال القضية سياسية بشكل بارز؛ ويتضح هذا من خلال صعوبة وصول المؤرخين إلى الأرشيف على جانبي البحر الأبيض المتوسط. ففي شهر أبريل الماضي، ندد رافائيل برانش، رئيس جمعية المؤرخين المعاصرين للتعليم العالي والبحث (ANCESR)، والمتخصص أيضًا في الجزائر، في عريضة بصحيفة “لوجورنال دو ديمانش” باستخبارات القانون الفرنسي والأمن الداخلي لتقييدها الوصول إلى الوثائق الأكثر حساسية. وقبل أيام قليلة، طالبت مجموعة من المؤرخين الجزائريين، في رسالة مفتوحة إلى الرئيس تبون، الدولة بوضع حد “للعقبات البيروقراطية” التي تحول دون الوصول إلى الأرشيف الوطني.

وفي باريس كما في الجزائر، أعيدت كتابة التاريخ، وهذا ما أكده بنجامين ستورا في تقريره.. فقد بنت الدولة الجزائرية أسطورة شعب متحرر وموحد، محوًا لسنوات شخصيات وطنية جزائرية، مثل مصالي الحاج وفرحات عباس، في صراع مع جبهة التحرير الوطني. عادت هذه الأسماء للظهور ببطء في الفضاء العام منذ العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وقد تم ترديد هذه الأسماء بشكل خاص من قبل ناشطي الحراك الشعبي الذي اندلع في عام 2019 والذين سئموا استغلال هذا الماضي. فأول ضحايا إعادة كتابة التاريخ هذه هم الجزائريون أنفسهم – قبل الفرنسيين.

وبينما كانت الجزائر تنتج تاريخها الرسمي، اختارت باريس منذ فترة طويلة “نسيان” الحرب الجزائرية، كما يتابع بنجامين ستورا. وحتى اليوم، تظل أجزاء كثيرة من هذا الماضي في الظلام، مثل مسألة أولئك الذين لقوا حتفهم في الحرب.

وتعتبر المؤرخة مليكة رحال أن الخطوات التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باعترافه باغتيال الجنود الفرنسيين لموريس أودين عضو الحزب الشيوعي الجزائري والناشط من أجل الاستقلال الجزائري، وباغتيال محامي الاستقلال علي بومنجل، وإعادة جماجم 24 من مقاتلي المقاومة الجزائريين الذين قُتلوا عام 1849 أثناء احتلال البلاد؛ هي خطوات مهمة للعائلات ولها قيمة رمزية داخل المجتمع الفرنسي نفسه، مثل الاعتراف الواضح بمذبحة المتظاهرين الجزائريين التي ارتكبت في باريس يوم 17 أكتوبر 1961. لكن التصريحات الأخيرة لإيمانويل ماكرون “ضارة للغاية”. وبالتالي، لا شك في أن النقاش سيستمر في الانتعاش حتى الذكرى الستين لاستقلال الجزائر، في 5 يوليو 2022.

المصدر: القدس العربي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي