سوق سوداء وعصابات.. هكذا تغذي سرقات الأسلحة من الجيش الإسرائيلي الجريمة بالداخل الفلسطيني

2021-10-16

أسلحة وبنادق وذخيرة سرقت من مستودعات الجيش الإسرائيلي (أ ف ب)

محمد وتد-القدس المحتلة: عكس قرار الحكومة الإسرائيلية -قبل أيام- الاستعانة بجهاز الأمن العام "الشاباك" والجيش الإسرائيلي لمكافحة ظاهرة السلاح غير المرخص في البلدات العربية بالداخل الفلسطيني الفشل في مكافحة العنف والجريمة، ومخاوف المؤسسة الرسمية من إمكانية فقدان السيطرة على الترسانة العسكرية عند الفلسطينيين بالداخل واستخدامها لأهداف أمنية ضد إسرائيل.

ولتبرير قرار الحكومة الزج بالشاباك والجيش بالبلدات العربية بذريعة الحد من السلاح غير المرخص، كشف تقرير لصحيفة "هآرتس" النقاب عن حجم الأسلحة والأدوات القتالية التي سرقت من مستودعات الجيش الإسرائيلي والصناعات العسكرية منذ عام 2013 حتى عام 2020، مبينا أن مئات من قطع السلاح تأخذ طريقها من هذه المستودعات سنويا وتباع بالسوق السوداء بالبلدات العربية.

واعترف الجيش الإسرائيلي بحصيلة جزئية من السرقات التي نفذت خلال الفترة المذكورة، وهي 323 بندقية "إم 16" (M16)، و75 بندقية "إم 4" (M4)، و84 بندقية من طراز "تافور"، 32 رشاشا من طراز "نيغيف" و"ماغ"، و13 مسدسا من طراز "غلوك"، و82 قاذف بندقية، و527 قنبلة يدوية، 47 صاروخا من طراز "لاو"، و37 قاذف قنابل، و386 عبوة ناسفة، و12 قنبلة إنارة، و35 صندوق ذخيرة، و500 ألف رصاصة حية.

ووفقا لتقرير هآرتس، فإن الجيش الإسرائيلي لم يكن باستطاعته جمع بيانات دقيقة عن كمية الأسلحة المسروقة من مستودعاته حتى عام 2015، بل إن المعلومات المتعلقة بالمسروقات لا تزال منقوصة، وترجح الصحيفة أن تكون مسروقات الأسلحة من مستودعات الجيش أضعاف ما كشف النقاب عنه، إذ تقدر قيمة المسروقات بكل سنة بنحو 15 مليون دولار.

وبحسب تقديرات الصحيفة، تنظر عصابات الجريمة إلى مستودعات الجيش الإسرائيلي باعتبارها مزودا رئيسيا للسلاح، حيث تسرق سنويا من مستودعات ومعسكرات الجيش مئات قطع الأسلحة المختلفة ونحو 250 ألف رصاصة، إضافة إلى مئات قطع السلاح التي يتم تهريبها بصفقات عبر الحدود، ومئات القطع التي تصنع يدويا في المشاغل.

تصاعد وتقاعس

ويشهد المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل تصاعدا في أعمال العنف والجريمة، في الوقت الذي تتقاعس فيه الشرطة الإسرائيلية عن القيام بدورها في محاربة ظاهرة فوضى السلاح، إذ بلغت حصيلة جرائم القتل في صفوف العرب منذ مطلع عام 2021 حتى منتصف أكتوبر/تشرين الأول الجاري إلى 86 قتيلا بينهم 12 امرأة.

وأظهرت المعطيات الرسمية أن جرائم فوضى السلاح والعنف والجريمة أوقعت 1450 قتيلا بالداخل الفلسطيني خلال العقدين الأخيرين، علما بأن 70% من الجرائم لم تفك رموزها، ولم يقدم القتلة إلى المحاكمة وسجلت ضد مجهول، وسط غياب الردع وتراجع دور سلطات إنفاذ القانون الإسرائيلية في معالجة العنف والجريمة بالبلدات العربية.

وترجح المؤسسة الإسرائيلية أن عدد قطع السلاح غير المرخصة بالمجتمع العربي الفلسطيني بالداخل يصل إلى نحو 500 ألف قطعة سلاح، تتنوع بين بنادق متنوعة، ومسدسات، وبنادق من طراز "إم 16″، وصواريخ لاو، وقنابل، فضلا عن توفر مواد لتصنيع المتفجرات، والرصاص وأمشطة الذخيرة.

عصابات واقتتال

شكلت هبة القدس والأقصى في أكتوبر/تشرين الأول عام 2000 محطة مفصلية في كيان فلسطينيي 48؛ إذ عمدت المؤسسة الإسرائيلية إلى إشاعة فوضى السلاح بالبلدات العربية للنيل من المواطنين العرب وتفكيك وحدتهم، في محاولة منها لسلخهم وعزلهم عن القضية والشعب الفلسطيني.

وبعد فشل مختلف مشاريع "الأسرلة" ومخططات تشويه الهوية، وسعيا إلى زرع بذور الفتنة والتفكيك بصفوف المواطنين العرب وضرب المد والوعي الوطني والقومي، امتنعت الشرطة الإسرائيلية عن مكافحة ومحاربة العنف والجريمة بالبلدات العربية، وأطلقت العنان لعصابات الجريمة المنظمة -التي حوربت حينها بيد من حديد بالبلدات اليهودية- لتسرح وتمرح في بلدات الداخل الفلسطيني.

وبإيعاز من سلطات إنفاذ القانون والشرطة الإسرائيلية، أخذ السلاح وعصابات الجريمة بالتسلل إلى البلدات العربية، لتنشأ بوادر حالة من الاقتتال الداخلي والتفكك المجتمعي، وهو ما عجزت المؤسسة الإسرائيلية عن تحقيقه لعقود.

فوضى وتفكيك

نجحت المؤسسة الإسرائيلية بتفكيك المجتمع بالداخل الفلسطيني عبر فوضى السلاح وسهولة الضغط على الزناد بالصراعات الداخلية؛ إذ تحولت البلدات العربية إلى سوق سوداء للسلاح الذي يمكن أن يكون بمتناول يد من يريد، حيث تراوحت أسعار السلاح والمسدسات والبنادق بين ألفي دولار ويمكن أن تصل إلى 30 ألف دولار.

وغذت المؤسسة الإسرائيلية العنف والجريمة والصراعات الداخلية في المجتمع العربي الذي فقد ثقته بالشرطة الإسرائيلية التي تتواطأ مع عصابات الجريمة المنظمة وتطلق العنان لتجارة السلاح بالسوق السوداء، وتمتنع عن توفير الأمن والأمان للعرب.

جنود من الجيش الإسرائيلي بإحدى البلدات بالداخل الفلسطيني (أ ف ب)

وترى جمعيات وأحزاب وحركات وشخصيات عربية بالداخل أن فوضى السلاح وتحول بلدات الداخل الفلسطيني إلى سوق سوداء للمتاجرة بالسلاح وكثرة وجود السلاح على مختلف أنواعه بالبلدات العربية يرجع إلى صفقات التهريب عبر الحدود التي يكون جنود وضباط من الجيش الإسرائيلي غالبا على علاقة بها، وكذلك سهولة الحصول على السلاح من معسكرات الجيش بدون رادع من السلطات الإسرائيلية، لتتحول حيازة السلاح إلى "ثقافة" لدى الشبان العرب.

تهريب ومسروقات

وتعزيزا للطرح الذي يشير إلى الإخفاق المتعمد لسلطات إنفاذ القانون في مكافحة العنف والحد من السلاح، ذكر تقرير لمراقب الدولة الإسرائيلي نتنياهو أنغلمان -الصادر تحت عنوان "مواجهة الشرطة لحيازة السلاح غير القانوني وأحداث إطلاق النار في البلدات العربي والمدن المختلطة"- عددا من الإخفاقات في معالجة السلطات لظاهرة العنف والجريمة والامتناع عن مكافحة فوضى السلاح.

وبشأن ظاهرة فوضى السلاح ومصدره، قال أنغلمان في تقريره "الشرطة ليس لديها تقدير دقيق لكمية الأسلحة غير المرخصة في المجتمع العربي. مصادر تهريب السلاح للناخبين العرب هي السرقات من الجيش الإسرائيلي والتهريب من الضفة الغربية والأردن ودول أخرى".

ويوضح التقرير أنه رغم محاولات التنسيق بين الجهات المختلفة التي تتعامل مع موضوع السلاح غير المرخص، فإنه لا يزال هناك العديد من النواقص في نقل المعلومات والتعاون فيما بينها، للحد من فوضى السلاح ومنه التهريب والسرقة من المستودعات، وتجفيف مصادره، وجمعه من أيدي المواطنين.

فوضى واحتكار

الموقف ذاته عبر عنه الصحفي نداف إيال -المحرر في القناة 13 الإسرائيلية- الذي كتب مقالا بعنوان "الدولة فقدت احتكارها السلاح"، ونشره بالموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" بشأن فوضى السلاح في إسرائيل، سواء السلاح غير المرخص المنتشر بكميات كبيرة في البلدات العربية، أو توسع ظاهرة منح رخص السلاح لليهود وعناصر اليمين تحديدا، وهو ما تسبب في تآكل احتكار الدولة لملكية السلاح.

وضمن الانتقادات التي وجهها للسلطات الإسرائيلية ودورها في انتشار فوضى السلاح في البلاد، استعرض الأسباب التي تقف وراء السلاح غير المرخص بالبلدات العربية وأبرزها سرقة الأسلحة من الجيش الإسرائيلي، وتوسع المشاغل المصنعة للسلاح، والتهريب الضخم من الحدود الأردنية.

وعزا إيال فوضى السلاح إلى الأزمة الأمنية التي تعيشها إسرائيل منذ قيامها، إذ تباهت الدولة حتى السنوات الأخيرة بأنها نجحت رغم الأوضاع الأمنية بالحد من العنف والجريمة، لكن لا يظهر أي أثر حاليا لهذا الدور إذ إن الأسلحة غير المشروعة تغرق المدن والبلدات العربية، مشيرا إلى أن ذلك لن يقف عند هذا الحد.

المصدر: الجزيرة







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي