هل تلاعب البنك الدولي ببيانات اقتصادية لأسباب سياسية؟

Did the World Bank rig the data for its ‘Doing Business’ report?
2021-10-17

سلَّط لوكاس لينسي، أستاذ مساعد في الاقتصاد السياسي الدولي بجامعة جرونينجن بهولندا، الضوء على بعض التجاوزات الأخلاقية التي هزت عرش كبرى المؤسسات المالية العالمية، وهو البنك الدولي الذي أعلن عن إيقاف إصدار تقرير «ممارسة أنشطة الأعمال» المتعلق بمناخ الاستثمار على إثر التحقيق في مخالفات تتعلق بالتلاعب بالبيانات، وذلك في تقرير نشرته صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية.

البيانات المالية يمكن أن تحقق مآرب سياسية

في بداية التقرير، يؤكد الكاتب على أن كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، نجحت في الدفاع عن نفسها أمام المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي هذا الأسبوع، نافيةً المزاعم بشأن أنها شاركت في جهود التلاعب باستخدام بيانات واردة في تقارير «ممارسة أنشطة الأعمال» خلال توليها منصب الرئيس التنفيذي للبنك الدولي. لكن البيانات التي بدأت في الظهور، والتي تشير إلى أن المحاولات المذكورة لتنقيح بيانات التقارير، كانت أكثر دقة مما صورتها العناوين العالمية التي وردت في تلك التقارير.

ويجيب الكاتب عن أسئلة مثل: ما هي تصنيفات ممارسة أنشطة الأعمال العالمية تلك؟ وما هي الاتهامات الموجَّهة إلى موظفي البنك الدولي بالضبط؟ وماذا الذي تخبرنا به هذه الواقعة بشأن إضفاء الطابع السياسي على الأرقام الاقتصادية؟ قائلًا: نعم، يمكن أن تصبح البيانات المالية ذات طابع سياسي.

ويوضح التقرير أن اتهامات التلاعب بالبيانات عادةً ما تحدد المواقف التي يوجد فيها رقم ثابت وصحيح يعكس بدقة حقيقة موضوعية، حتى يقرر شخص أو مجموعة من «معدومي الضمير»، بحسب تعبير الكاتب، إدخال التعديلات عليها. ومع ذلك، تُعد فكرة أن الأرقام المحددة تصور الواقع تصويرًا موضوعيًّا هي مفهوم صانع للإشكاليَّات عند تطبيقه على العالم الحقيقي.

ويضيف الكاتب أن الإحصاءات الاقتصادية ليست «طبيعية». وتعد التعريفات وإجراءات القياس التي تؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وغيرها من القياسات التي تساعدنا في تحديد واقع الوضع الاقتصادي في أي دولة، نتاجًا للمباحثات والخلافات السياسية. وهذا يجعل هذه القياسات غامضة بطبيعتها. وفي كل حالة تقريبًا، توجد طرق متعددة لتحديد هذه المفاهيم الاقتصادية النظرية. والأمور التي تخضع للقياسات في نهاية المطاف (والتي لا تخضع لتلك القياسات) غالبًا ما تعتمد على خيارات تعسفية، والتي يمكن أن تُدخِل مجموعة من التحيزات في الأرقام الناتجة.

ويستطرد الكاتب قائلًا: إن البحث الذي أجريتُه مع روبرتو أراجاو توصَّل إلى أن هذه «المرونة» المتجذرة في الأرقام تكمن في صميم عديد من العمليات المسؤولة عن إدارة التلاعب بالبيانات. وعادةً لا تتضمن الاختلافات تعديلًا قطعيًّا مع الأرقام الرئيسة نفسها، ولكنها تنشأ من إستراتيجيات دقيقة أكثر لتعديل الأرقام من خلال تشكيل المنهجية والتعريفات الأساسية التي تؤثر في عمليات جمع البيانات، أو بمواءمة إدارة التدفقات المالية للتأثير مباشرةً في قياسات النتائج. ويبدو أن هذا هو الحال أيضًا في فضيحة «ممارسة أنشطة الأعمال» المستمرة في البنك الدولي.

تصنيفات البنك الدولي تقيس مدى سهولة ممارسة أنشطة الأعمال

يُنوِّه التقرير إلى أن تقارير «ممارسة أنشطة الأعمال» الصادرة عن البنك الدولي، والتي توقفت الآن، كانت تصنِّف الدول على أساس الجودة المتصوَّرة للبيئة التنظيمية في تسهيل أنشطة المؤسسات الخاصة. واستنادًا إلى الاستطلاعات التي تُجرى سنويًّا لآلاف الخبراء القانونيين المحليين، جمع المؤشر العام معلومات مفصَّلة عن أكثر من 40 مؤشرًا فرعيًّا، متضمنًا أبعادًا مثل التكلفة وعدد الإجراءات المطلوبة لبدء أي نشاط تجاري، إلى جانب غيرها من الإجراءات المماثلة لتوفير الكهرباء للنشاط التجاري وتسجيل الملكية أو تأمين القروض أو دفع الضرائب.

وفي أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، دشَّن هذا التصنيف عددٌ من الاقتصاديين الأكاديميين الذين درسوا البيروقراطية بوصفها عائقًا أمام تحقيق التنمية الاقتصادية. وعلى مدار السنوات الماضية، أصبح التقرير يحظى بشعبية كبيرة بين المستثمرين الماليين، بالإضافة إلى الحكومات الحريصة على جذب رأس المال الدولي. وانتقد المتشككون الأسس الأيديولوجية للسوق الحرة لغرض المشروع إجمالًا، لكنهم أشاروا أيضًا إلى التحيزات في المنهجية الأساسية المتغيرة باستمرار وراء مثل هذه التصنيفات. وتشير بعض الأبحاث، على سبيل المثال، إلى أن ترميز التغييرات القانونية فضَّل بلدان القانون العام بصورة منهجية.

ويشير التقرير إلى أن بول رومر، كبير الاقتصاديين السابق بالبنك الدولي، اقترح في عام 2018 أن التصنيفات قد تعاني أيضًا من التحيز الحزبي: إذ كان وضع تشيلي أسوأ خلال المدة الرئاسية لميشيل باتشيليت (حكومة يسارية)، لكنه تحسن مع تولي حكومة سيباستيان بينيرا الليبرالية اليمينية للسلطة. ويتضح من هذه الأنماط أنها لم تنتُج بسبب إجراء أي تغييرات ذات مغزى في السياسة العامة، ولكنها نتجت بدلًا من ذلك بسبب التعديلات التي أُجريت على كيفية قياس البنك سهولة تقديم الضرائب.

كيف أثَّر موظفو البنك الدولي في التصنيف بحسب الادعاءات؟

في هذا الصدد، يستشهد التقرير بما أصدرته شركة ويلمر هيل للمحاماة من نتائج توصَّلت إليها الشهر الماضي بعد إجراء تحقيقات خارجية في الجدل الدائر بشأن تصنيف البنك للصين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وأذربيجان. ويتضمن التقرير معلومات عن الطريقة التي يُزعم أن موظفي البنك الدولي لجأوا إليها لإعادة ترتيب التصنيفات مقابل الحصول على خدمات سياسية ودعم مالي مؤسسي. ولم يوجد، في أي حالة من الحالات، أي مؤشر على أن أي شخص أجرى تعديلًا بسيطًا على النتيجة النهائية لدولة ما أو ترتيبها. وبدلًا من ذلك، تمحورت الادعاءات حول إجراء تغييرات منهجية دقيقة.

ويوضح تقرير ويلمر هيل، على سبيل المثال، مجموعة من التعديلات المنهجية التي ناقشها الموظفون لتحسين مكانة الصين في تقرير «ممارسة أنشطة الأعمال» لعام 2018: تضمين نقاط هونج كونج أو تايوان أو ماكاو ذات الأداء العالي في مؤشر الصين؛ واستخدام البيانات الأعلى من حيث النقاط للمدينتين اللتين شملتهما الدراسة في الصين (بكين وشنجهاي) بدلًا من استخدام المتوسط لهما؛ وإمكانية تعزيز النقاط الفرعية الفردية الصينية، باعتبار ذلك ملاذًا أخيرًا، من خلال تجاهل التقييمات الأقل ملائمة في الحالات التي اختلفت فيها آراء الخبراء.

بيد أن البحث الذي أجري بحسب التقرير وجد أن دقة هذه الجهود المزعومة ليست استثنائية. لكنها واكبت أحداث البيانات الحديثة الأخرى التي تنطوي على إحصاءات مالية برازيلية (حيث سعَت الحكومة إلى تكييف المنهجية الخاصة بحساب الدَين العام لصندوق النقد الدولي مع الظروف المحلية)، أو معدلات التضخم الأرجنتينية (مع تبني منهجية أكثر «قومية» لتتبع الارتفاع في الأسعار أثناء المدة من عام 2007 إلى 2015). وتوفر كل هذه الأحداث توضيحًا مفيدًا لكيفية تلاعب المؤسسات بالإحصائيات في الممارسة العملية، حتى في البيئات ذات القدرة الإحصائية العالية نسبيًّا والاستقلالية بحكم القانون.

ليس هناك أرقام «صحيحة» وأخرى «خاطئة»!

يلفت التقرير إلى أن الإحصاءات الاقتصادية عبارة عن تركيبات أكثر غموضًا مما يتصوره معظم الناس، مؤكدًا أن الإجراءات التي يُزعم أن موظفي البنك الدولي اتخذوها بشأن البيانات مرفوضة، لأن هذه التحركات كانت تهدف إلى تغيير ترتيب بلدان معينة في التصنيف، وليس لأن هذه الإجراءات حوَّلت بصورة موضوعية أرقامًا «صحيحة» إلى أرقام «خاطئة».

وفي ختام تقريره، يخلُص الكاتب إلى الدرس المستفاد الأكثر شمولًا، الذي تسلط الواقعة الحالية الضوء عليه هو أنه قد يكون من الصعب اكتشاف التلاعب بالبيانات طالما أننا نحدق في الأرقام الموجودة في العناوين الرئيسة فحسب. وللمضي قدمًا، يبدو أن ضمان وجود مزيد من الشفافية بشأن التغييرات المنهجية أصبح أمرًا مهمًّا جدًّا لتقليل احتمالية لَيِّ عُنُق الإحصائيات بطرق ملائمة للأغراض السياسية.

بيد أن هذه الواقعة قد تدفعنا أيضًا إلى إعادة تقييم طريقة تفكيرنا في الإحصائيات. وتُعلِّم دورات الإحصاء النموذجية الطلابَ قدرًا كبيرًا بشأن ما يجب فعله باستخدام جدول البيانات، لكنها لا تعلمهم شيئًا تقريبًا بشأن كيفية وصول البيانات إلى جدول البيانات هذا في المقام الأول. يبدو أن الإدراك الأفضل لسياسات إعداد الإحصائيات لا يقل أهمية عن اكتساب المهارات التقنية، في السعي من أجل تفاعل أكثر أمانة وواقعية مع الأرقام التي نرى العالم من خلالها.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي