نيويورك تايمز: تنمر الرئيس الصيني يفقده ثقة العالم والقدرة على قيادته تكنولوجيا

2021-10-20

الرئيس الصيني شي جين بينغ ( وسائل التواصل الاجتماعي)إبراهيم درويش

 

ناقش المعلق في صحيفة “نيويورك تايمز” توماس فريدمان ما قال عنه “التنمر” الصيني الذي بات بشكل خطرا على العالم والصين نفسها.

وأشاد في البداية بقرار الزعيم الصيني الراحل دينغ شياو بينغ الذي قرر فتح الصين على العالم في أواخر السبعينيات، قائلا إن الكثيرين في الغرب تمنوا رؤية البلاد تنجح في مغامرتها “لأننا اعتقدنا أن الصين – على الرغم من هيكلها السياسي الاستبدادي الوحشي – كانت في طريقها إلى اقتصاد ومجتمع أكثر انفتاحا”. ويعلق فريدمان أن شي جين بينغ عكس للأسف الخطوات في هذا الاتجاه بطرق يمكن أن تشكل خطرا حقيقيا على التنمية المستقبلية للصين وخطرا حقيقيا على بقية العالم.

وكل ما يفعله شي اليوم يؤدي إلى تآكل الثقة بين رجال الأعمال الصينيين الرائدين والأجانب بشأن قواعد العمل الحالية داخل الصين. ويقوض في الوقت نفسه الثقة في الخارج بأن الصين – بعد أن ابتلعت هونج كونج – فلن تتوانى عن التحرك قريبا في تايوان، الأمر الذي قد يؤدي إلى إثارة صراع مباشر مع أمريكا.

ويؤكد الكاتب أنه لا يريد أو يتمنى نجاح استراتيجية شي المتشددة، لأن هذا من شأنه أن يشكل خطرا على كل دولة واقتصاد حر في المحيط الهادئ. ولكنه، أي فريدمان، لا يريد في الوقت نفسه فشل الصين أو تفككها. لأننا نتحدث هنا عن بلد يبلغ تعداد سكانه 1.4 مليار نسمة، يؤثر استقراره على كل شيء، من الهواء الذي تتنفس إلى تكلفة حذائك إلى سعر الفائدة على الرهن العقاري على منزلك. وهذه معضلة حقيقية. و”للأسف، لا أعتقد أن الرئيس الصيني يدرك مدى عدم اليقين الذي أحدثه سلوكه الأخير – داخل الصين وخارجها”.

وبالنسبة للذين لا يتابعون الأحداث، يذكر الكاتب قارئه بحالة مهمة وسؤال: كيف ستفكر إذا نظرت إلى هذه الصحيفة في عام 2008، بعد عام من إطلاق شركة أبل لجهاز هاتف آيفون، وقرأت عنوانا على الصفحة الأمامية يقول إن ستيف جوبز قد اختفى؟ ستكون هناك الملايين من عمليات البحث على موقع غوغل: “أين ستيف جوبز؟”

حسنا، فلدى الصين من يعادل ستيف جوبز، فهو جاك ما، المؤسس المشارك لعملاق البيع بالتجزئة على الانترنت “علي بابا”. فهل رأى أحد جاك ما في الآونة الأخيرة؟ أضمن لك أن عددا قليلا من الأشخاص سألوا غوغل هذا العام، “أين جاك ما؟”

وعلى الرغم من التقارير الإخبارية التي تحدثت عن ظهوره وإن لفترة وجيزة في هونغ كونغ، فقد كان هناك أيضا حديث عن أنه ربما كان تحت نوع من الإقامة الجبرية خلال العام الماضي.

فمنذ أن ألقى ما خطابا في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 انتقد فيه المنظمين الماليين في الصين، اتخذ شي إجراءات صارمة ضد إمبراطورية علي بابا العالمية وحظر ما كان يمكن أن يكون طرحا عاما أوليا قياسيا لشركة تابعة كان من المقرر أن يتم في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

كان الأمر كما لو أن شي قال لنفسه: “حسنا.. لو كان علي أن أختار بين أن تكون شركات علي بابا، وتينسنت، وبايدو، وجميع عمالقة التكنولوجيا الصينية الأخرى شركات عالمية رائدة – بمواردها المالية والمعلوماتية الضخمة، ولكنها تنمو لتخرج عن سيطرة الحزب الشيوعي الصيني – أو جعلها شركات من الدرجة الثانية تحت سيطرتي، سيقع اختياري على الثاني”.

لقد شاهد شي بوضوح كيف أدت شركات التكنولوجيا الغربية إلى تفاقم التوترات الاجتماعية في مجتمعاتها، وتوسيع فجوات الدخل وإنشاء احتكارات يمكن أن تهيمن على الحكومات – ولا يريد أيا من تلك الرأسمالية غير المقيدة للصين، وهذا أمر مفهوم. لكن جعل مؤسسيها يختفون؟ يجب أن يسأل عدد كبير من المبتكرين الصينيين الشباب أنفسهم: “ما هو مستقبلي هنا؟ ما هي القواعد الجديدة؟ “

أما القصة الثانية: فبعد أن أعربت وزيرة الخارجية الأسترالية، ماريز باين، عن دعمها في نيسان/ أبريل الماضي لإجراء تحقيق مستقل في أصول وباء فيروس كورونا، ردت الصين بخفض وارداتها من الشعير ولحم البقر والنبيذ والفحم الأسترالي. ويقول فريدمان إن هذا التحرك كان رد فعل تنمري مبالغا فيه كما لاحظ كل جيران الصين في المحيط الهادئ.

وبعد ذلك، قبل أسبوعين، أرسلت الصين 150 طائرة تابعة لجيش التحرير الشعبي لاستكشاف المجال الجوي بالقرب من تايوان، وهو مجرد تذكير أخير بأن الصين تعمل بجدية على تمهيد الطريق للاستيلاء على تايوان بالقوة، وعلينا الخوف جميعا.

وفي الوقت نفسه على بيجين الخوف أيضا. لأن السلوك المتنمر قد يكون خطأ كبيرا في التقدير لأسباب عديدة، لكن ليس أي منها أكثر من هذا: أشباه الموصلات.

فهذه الرقائق الصغيرة التي تشكل اللبنات الأساسية للاقتصاد الرقمي للقرن الحادي والعشرين هي الجانب الخفي لهذه الدراما.

وتايوان صخرة صلبة في بحر مليء بالأعاصير ويقطنها 24 مليون نسمة. لكن هذه الجزيرة الصغيرة لديها وبإشادة عالمية الشركة المصنعة للرقائق الدقيقة الأكثر تطورا في العالم، شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات، أوTSMC.

وعلى بعد حوالي 100 ميل، عبر المضيق، يقع البر الرئيسي للصين، ويبلغ عدد سكانه 1.4 مليار نسمة. هم من نفس العرق، ويتحدثون نفس اللغة ويأكلون نفس الطعام مثل شعب تايوان. لكنهم لم يتمكنوا أبدا من إتقان تصنيع أكثر الرقائق المنطقية تقدما التي تصنعها تي أس أم سي.

وهي أكبر شركة لتصنيع الرقائق الدقيقة في العالم، وتمتلك حوالي 50% من السوق، على الرغم من أن دان وانج، محلل التكنولوجيا في شركة الأبحاث غيفكال، قال في أيار/ مارس عن حصة الشركة التايوانية في السوق، “أعتقد أن هذا يقلل من أهمية الشركة، لأن تلك الرقائق هي بعض أكثر الرقائق تقدما”.

في الواقع، لدى تي أس أم سي ومنافستها الكورية الجنوبية سامسونج المسابك الوحيدة في العالم القادرة على صنع رقائق 5 نانومتر الأكثر تقدما، ومن المتوقع أن تبدأ تي أس أم سي العمل على الجيل التالي من رقائق 3 نانومتر في عام 2022. وأكبر شركة لتصنيع الرقائق في الصين، الشركة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات، ليست قريبة من ذلك. إنها تتنافس بشكل أساسي عند 28 نانومتر وبدأت للتو في إنتاج بعض الرقائق التي يبلغ قطرها 14 نانومترا.

ويقول فريدمان أنه أمضى في الفترة السابقة وقتا في وادي السيليكون وسأل مصممي الرقائق الأمريكيين عن سر نجاح شركة تي أس أم سي والذي لم تتمكن الصين من تقليده، فكان الجوار القصير: الثقة.

وتي أس أم سي هي مسبك لأشباه الموصلات، مما يعني أنه يبني الرقائق التي تصممها العديد من الشركات المختلفة – لا سيما أبل وكوالكوم ونيفديا وإي أم دي وحتى إنتل. وعلى مدى السنوات الماضية أنشأت الشركة التايوانية نظاما بيئيا رائعا من الشركاء الموثوق بهم الذين يشاركون ملكيتهم الفكرية معها من أجل بناء رقائق الملكية الخاصة بهم.

وفي الوقت نفسه، تعبر شركات الأدوات الرائدة – مثل “أبلايد ماتيريالز” الأمريكية و “إي أس أم أل” الهولندية عن سعادتها واستعدادها لبيع أفضل أدواتها لصنع الرقائق إلى تي أس أم سي. مما يضمن أن الشركة تظل دائما في طليعة علم المواد والطباعة الحجرية التي تدخل في بناء وحفر قاعدة كل أشباه الموصلات.

ونظرا لكونها المورد الرئيسي للرقائق لمنتجات أبل، يتم دفع الشركة التايوانية للبحث واختراق حدود الإبتكار حتى تكون قادرة على التكيف مع منتجات أبل المتغيرة والمؤقتة للهواتف الجديدة مثل أي باد. كل هذا يفرض على نظام شركة تي أس أم سي أن يكون متطورا وأفضل وأـسرع. وبهذا يستمر انخفاض الكلفة لدى الشركة وارتفاع كفاءة نظامها البيئي ويتزايد عدد الأشخاص الذين يمكنهم الانضمام إليها والاستفادة منها على نطاق أوسع.

وأوضح ستيف بلانك، مبتكر في مجال أشباه الموصلات، الذي يدير دورة في جامعة ستانفورد حول الجغرافيا السياسية للتقنيات المتقدمة: “لقد تصرفت تي أس أم سي دائما كشركة ناشئة – كانت مصممة وكانت دائما تصنع أفضل ما لدى الجميع”. أضاف بلانك، إن شركة إنتل، الشركة الرائدة في صناعة الرقائق في أمريكا، ضلت طريقها نوعا ما، حيث صنعت كل شيء بمفردها ولاستخدامها. “لذلك لم يكن لديها عملاء يدفعونها، لأن إنتل كانت زبون نفسها، ونتيجة لذلك أصبحت راضية” ومتواطئة. مع أن بات غيلسنجر، المديرة التنفيذية الجديدة لشركة إنتل بدأت بعكس هذا.

ويقول فريدمان إنه كان قلقا من فكرة شي القائمة على تأكيد ماركة “صنع في الصين 2025” أي خطته للسيطرة على جميع تقنيات القرن الحادي والعشرين الجديدة وأنها ستجعل الغرب في آخر الركب. لكنه لا يقلق الآن كثيرا. ويقول “لدي احترام كبير لبراعة الصين في التصنيع. لا تزال صناعة الرقائق المحلية لديها جيدة بما يكفي للقيام بالكثير من الابتكارات الجادة والحوسبة الفائقة والتعلم الآلي”.

لكن أهم شيء تتعلمه من دراسة صناعة الرقائق هو أن جميع تقنياتها الأكثر تقدما اليوم معقدة للغاية – تتطلب الكثير من المدخلات والمعدات فائقة التطور – بحيث لا يمتلك أي شخص الأفضل من كل فئة، لذا فأنت بحاجة إلى الكثير من الشركاء الموثوقين.

وإذا اعتقدت الصين أنها تستطيع الالتفاف على ذلك من خلال الاستيلاء على تايوان لمجرد الحصول على تي أس أم سي، فسيكون هذا تحرك أحمق. فالعديد من الآلات والمواد الكيميائية الرئيسية التي تستخدمها تي أس أم سي لصنع الرقائق هي من أمريكا والاتحاد الأوروبي، وسيتم إغلاق هذا التدفق على الفور.

وفي النهاية، لا يمكنك صنع أفضل الرقائق في العالم اليوم بدون السيليكون أو الشركاء الموثوق بهم. وكل ما يفعله الرئيس الصيني – من أستراليا إلى تايوان إلى جاك ما – فإنه هذا يبعدهم ولا يقربهم. ونقل الكاتب عن أحد المسؤولين التنفيذيين في الرقائق الأمريكية عن شي، “الصينيون قاموا بالتكرار والتقليد،” لكنهم لم يخلقوا أبدا نوع البيئة التي حققتها شركة تي أس أم سي، “لأنه لا توجد ثقة”.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي