روسيا ليست قوةً عظمى في الشرق الأوسط

Russia Is No Mideast Superpower
2021-10-21

لا ينبغي لواشنطن أن تبالغ في تضخيم تهديدات موسكو أكثر مما تستحق، حسب ما يَخلُص إليه الكاتبان فريدريك ويري وأندرو إس وايس في مقال نشرته مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية.

يستهل الكاتبان مقالهما بالإشارة إلى أن وزارة الدفاع الروسية بذلت قصارى جهدها في الإعداد لمعرض الأسلحة السنوي خارج موسكو في أواخر أغسطس (آب) الماضي. وعلى مدار ثلاثة أيام، شهد وزراء الدفاع وكبار الشخصيات من 41 دولةً، بما في ذلك دول شرق أوسطية، عروضًا لأحدث التقنيات، وعروضًا بالذخيرة الحية، وأخرى لراقصات الباليه على الدبابات، ومقدمة لفيلم تشويق أكشن عن إنقاذ الطيارين الروس الذين سقطوا خلف خطوط «العدو» في سوريا عام 2015.

رسالة واضحة

ولفت كاتبا المقال إلى أن هذا المشهد حدث في الأسبوع نفسه الذي جرى فيه الإجلاء غير المتقن للقوات الأمريكية من أفغانستان. وكانت الرسالة واضحة: عادت روسيا عودة قوية إلى المسرح العالمي، وخاصةً في الشرق الأوسط.

لطالما استغلت روسيا  أخطاء الولايات المتحدة والشكوك التي ثارت تجاهها بين بعض شركائها القدامى لتوسيع الوجود الروسي في الشرق الأوسط. ولكن التهديد الذي تُشكِّله موسكو للنظام الأمني الذي تقوده أمريكا في المنطقة أقل خطورة من التحذيرات الأخيرة التي أطلقتها شخصيات من حقبة ترامب مثل مستشارَي الأمن القومي السابقين جون بولتون وإتش آر ماكماستر.

وفي العالم العربي على وجه الخصوص، تتجاوز تطلعات موسكو الكبيرة نفوذها الفعلي. وينبغي لصناع السياسات في الولايات المتحدة أن يتجنبوا المبالغة في تقدير قدرات روسيا في الشرق الأوسط في وقتٍ يعملون فيه على التعافي من كارثة الانسحاب من أفغانستان وطمأنة الشركاء وإعادة تركيز مشاركة الولايات المتحدة العسكرية نحو آسيا.

قوة بوتيمكين

وأوضح الكاتبان أن روسيا تضطلع بدورٍ هائلٍ في الشرق الأوسط وفقًا لبعض المقاييس، وآية ذلك أن موسكو نشرت قوات عسكرية ومرتزقة في سوريا وليبيا اللتين تمزقهما الحرب، مؤكدةً تفوقها في ملء الفراغ الذي خلَّفته واشنطن. كذلك استخدم الكرملين مجموعةً متنوعةً من الوسائل الأخرى لترسيخ أقدامه في نسيج شمال أفريقيا والمشرق والخليج. كما تبيع روسيا أسلحة لدولٍ عربيةٍ مثل الجزائر ومصر والعراق وتعمل على نحوٍ وثيقٍ مع السعوديين في إدارة أسواق النفط العالمية من خلال ترتيبات اتفاق دول أوبك بلس. ويروِّج القادة الروس والإسرائيليون للعلاقة الوثيقة بين الشعبين أثناء العمل خلف الكواليس لتجنب مناطحة بعضهم بعضًا في سوريا.

وتدير موسكو هذه الغزوات العسكرية والدبلوماسية برشاقةٍ وبأقل الخسائر. وليس هناك ما يدعو نظام الرئيس فلاديمير بوتين للقلق بشأن أي رقابة من برلمانٍ مستقلٍ أو صحافةٍ حرة، الأمر الذي يعني أن السياسة الروسية لا تعيقها مخاوف بشأن ردود الأفعال أو انتهاكات حقوق الإنسان، ويرى التحليل أن هذه الأخيرة سِمَة تجتذب المستبدين العرب الذين تقض مساعدات واشنطن المشروطة مضاجعهم دائمًا. وتُعد ليبيا وسوريا مثالين بارزين على الكيفية التي يمنح بها هذا النهج ميزة لروسيا؛ فمن خلال إثبات قدرتها على التعامل مع جهات فاعلة محلية وإقليمية بغيضة خارج نطاق سيطرة الغرب، باتت موسكو الآن لاعبًا مؤثرًا في الصراع في كلا البلدين.

تأثير متواضع

ومع ذلك، وبحسب ما يستدرك كاتبا المقال، فإن التأثير الإستراتيجي للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط أكثر تواضعًا مما يظنُّه كثيرون. وإذا أمعن المرء النظر في «غزوات» الكرملين في المنطقة، فسيتَّضح له سريعًا إحباطات الكرملين وإخفاقاته. ويرجع ذلك إلى مجموعة الأدوات السياسة المحدودة المتاحة أمام موسكو، ولا سيما، تعقيدات المشهد السياسي في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من الاهتمام الكبير الذي تُولِيه روسيا للجهات الفاعلة الإقليمية، فإن هذه الجهات بالكاد تتصرف بوصفها عملاء طيِّعين في أيدي روسيا. وبدلًا من ذلك، أظهرت هذه الجهات قدرة مثيرة للعجب على إحباط الطموحات الروسية، وهي ديناميكية غالبًا ما يتجاهلها الإستراتيجيون الغربيون.

في سوريا، على سبيل المثال – التي غالبًا ما يُنظر إليها على أنها تمثل حجر الزاوية لعودة موسكو إلى الشرق الأوسط – أُحبِطت قدرة روسيا مرارًا وتكرارًا على إملاء التطورات. وتحققت الأهداف الأساسية للتدخل العسكري الروسي، والتي تمثلت في الإبقاء على بشار الأسد على رأس السلطة واستعادة سيطرته على قلب سوريا، إلى حدٍّ كبير منذ أكثر من أربع سنوات.

ومنذ ذلك الحين – كما يشير التحليل – يصطدم الكرملين مرارًا بالعقبات الخاصة به عندما يحاول المساعدة في إعادة السيطرة على كل الأراضي التي لا تزال خارج سيطرة النظام، فضلًا عن الفوز بمساعدات تخفيف العقوبات وإعادة الإعمار لدمشق، ناهيك عن تقليص انخراط دول خارجية قوية مثل تركيا والولايات المتحدة في شمال سوريا. وعلاوةً على ذلك، يتعين على موسكو في كثير من الأحيان أن تتعامل مع رغبة نظام الأسد في تأليب رعاته الرئيسين، موسكو وطهران، ضد بعضهما بعضًا.

وأضاف الكاتبان أن تدخل روسيا في ليبيا لم يحقق أهدافه كذلك. وابتداءً من أواخر عام 2019، نشرت موسكو مرتزقة ممن يسمون بمجموعة فاجنر للقتال نيابةً عن أمير الحرب خليفة حفتر، وهو أحد أصول وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سابقًا والذي يتمركز في النصف الشرقي من البلاد. ولكن موسكو كانت دائمًا متشككةً في كفاءة القائد الليبي العسكرية وولائه لروسيا. وبحلول منتصف عام 2020، وبعد وصول القوات العسكرية التركية لدعم الحكومة الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة، خصم حفتر، تخلَّت روسيا عن هجومها على العاصمة طرابلس وتحوَّلت إلى المسار الدبلوماسي.

وكانت الجهود الروسية لزيادة نفوذها في أماكن أخرى من المنطقة أسوأ كثيرًا. ولم تكن الجزائر ولا مصر، اللتان تشتريان كميات هائلة من الأسلحة الروسية، على استعداد لإنشاء شراكات إستراتيجية دائمة مع موسكو أو منحها صلاحية وصول موثوقة وطويلة الأجل إلى القواعد الجوية أو المنشآت البحرية. كما أن الانتشار التجاري الروسي في المنطقة محدود إلى حدٍّ ما. وعلى النقيض من الاتحاد السوفيتي في السابق، لا تعمل الدولة الروسية اليوم على تمويل مشروعات التنمية والبنية التحتية الضخمة، ذلك أن الشركات الروسية لديها الآن أهداف أبسط تتمثل في جني الأموال، ولكن ما تطرحه هذه الشركات على الطاولة ليس دائمًا منافسًا للشركات الصينية أو الأمريكية أو الأوروبية.

أدوات قاصرة

ويرى كاتبا المقال أن هذا التأثير المحدود يعكس حقيقة مفادها أن أدوات السياسة الروسية غير ملائمة لمعالجة المشكلات الهائلة التي تواجه المنطقة، ومن بينها تداعيات جائحة كوفيد–19، فضلًا عن المشكلات المتأصلة مثل الحكم الاستبدادي والفساد والمطالب غير الملبَّاة لسكان أكثريتهم من الشباب ويطمحون للحصول على فرص اقتصادية.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تفتقر هي الأخرى إلى إجابات سهلة على تحديات الأجيال تلك، فإنها على الأقل تتمتع بفضيلة التعامل مع المنطقة من خلال إطار أكثر شمولية يركز على الحقوق، وخاصةً في ظل إدارة الرئيس جو بايدن. وفي ليبيا على سبيل المثال، لا يزال المواطنون يلاحظون ويقدِّرون الجهود التي بذلتها واشنطن بعد الثورة من أجل رعاية المجتمع المدني والتعليم والإعلام الحر والحكم المحلي، وهو ما يتناقض تمامًا مع تركيز روسيا الذي يتمحور حول الربح من صفقات الأسلحة والبنية الأساسية والطاقة، دون الخوض في ذكر أيٍّ من مزاعم الأمم المتحدة الموثوقة بشأن جرائم الحرب التي ارتكبها مرتزقة مجموعة فاجنر.

ترشيد التهديد الروسي

ووفقًا للمقال، لا ينبغي لأحد أن تساوره أي أوهام حول قدرة الكرملين على ارتكاب المخالفات في هذه المنطقة المضطربة. ويقترح المقال الطريقة الأفضل لدفع مصالح الولايات المتحدة قُدمًا في الشرق الأوسط؛ وهي إجراء تقييم رصين وواضح للتحديات المحددة التي يفرضها النشاط الروسي، وليس التهويل المستمر. وعلى وجه الخصوص، يجب على واشنطن أن تدرك أنه في كثير من الحالات، لن تبلغ موسكو غايتها؛ بسبب قدراتها المحدودة وقدرة الجهات الفاعلة المحلية على إرباك خططها.

ومع وضع هذه القدرات المحدودة في الاعتبار، يتعين على واشنطن تجنب النظر إلى المنطقة من منظور الحرب الباردة. فليس كل تطور في الشرق الأوسط مكسبًا أو خسارة في معركة مفتوحة بالوكالة بين الولايات المتحدة وروسيا. على سبيل المثال، يجب على صانعي السياسة في الولايات المتحدة الامتناع عن التنافس مع موسكو لتقديم مبيعات أسلحة متزايدة لدول المنطقة.

ومع ذلك، لا ينبغي لصناع القرار السياسي في الولايات المتحدة أن يخجلوا من تحدي الأنشطة الروسية في الشرق الأوسط مع بعض المقاومة المستهدفة، سواءً من خلال الوسائل الدبلوماسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو من خلال ممارسة أشكال أخرى من ضغوط أكثر سرية. وعلى سبيل المثال، بعد أن بدأت موسكو في طباعة الأوراق النقدية الليبية المزيفة لمساعدة حكومة حفتر في تمويل نفقاتها، يُفترض أن المسؤولين الأمريكيين أبلغوا الشركاء في مالطا، الذين صادروا شحنة تحمل أكثر من مليار دولار من الأوراق النقدية الليبية المزيفة.

وأدَّت معلومة استخباراتية أمريكية أخرى إلى اعتقال اثنين من العملاء الروس في العاصمة الليبية. وأحيانًا تستطيع الولايات المتحدة تسليط الضوء العام على المخالفات الروسية، مثلًا عندما أصدرت القيادة الأمريكية في أفريقيا صورًا استخباراتية توثق الحشد العسكري الروسي في ليبيا، مما يوفر دليلًا على انتهاكها لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة. ومن غير المرجح أن تؤثر مثل هذه التدابير في تصميم روسيا العام على إثارة القلاقل، ولكنها قد تؤدي إلى إحباط أو إبطاء الأشكال الأكثر خبثًا لحنكة الإدارة الروسية.

وأكَّد الكاتبان في ختام مقالهما أنه ما من ثمة شك في أن موقف واشنطن في الشرق الأوسط الكبير قد تأثر بسبب الفشل الذريع في أفغانستان. ولكن في نهاية المطاف، يرى الكاتبان أن أصول الولايات المتحدة في المنطقة لا تزال لا يُشَقُّ لها غُبَار: فالنفوذ السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة والقوة الصلبة والقوة الناعمة وتبنِّي الدبلوماسية المتعددة الأطراف وقيادة النظام العالمي القائم على القواعد، لا يزال كل ذلك يمنحها اليد العليا فوق كل منافسيها. وينصح التحليل بأن يركز واضعو السياسات في الولايات المتحدة على تعزيز تلك المزايا عوضًا عن تضخيم التهديد الذي تمثله موسكو.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي