طبول الحرب.. تركيا أمام معادلة صعبة في سوريا

2021-10-22

 

 

يواصل المسؤولون الأتراك تكرار تحذيرهم من أن عملية عسكرية في شمال سوريا قد تكون وشيكة، ويلقون باللوم على واشنطن وموسكو في عدم الوفاء بوعودهما. وأكد الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" أن تركيا ستتبع "طريقة مختلفة" في صراعها مع الميليشيات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.

وتزايدت انتقادات أنقرة للإدارة الأمريكية بعد مقتل أفراد من الشرطة التركية على يد "وحدات حماية الشعب". ورغم أن اشتباكات تركيا مع تلك الميليشيات أصبحت روتينية، إلا أن الهجمات المتزايدة للتنظيم من المناطق التي تسيطر عليها روسيا تزعج أنقرة. والأهم من ذلك هو تصعيد القوات الروسية وقوات النظام السوري للهجمات على إدلب، ما أثار مخاوف تركيا بشأن التدفقات الهائلة المحتملة للاجئين.

ويتبادر إلى الذهن القول المأثور للاستراتيجي الشهير "كلاوزفيتز" وهو "الحرب هي امتداد للسياسة ولكن بوسائل أخرى"، وسط المأزق السوري الذي ترى فيه أنقرة نفسها محاصرة ومضطرة للاختيار بين عدد من الخيارات السيئة.

وتسعى تركيا للحصول على تنازلات من موسكو أو واشنطن. وعلى الأقل، تعتقد تركيا أن التوغل العسكري قد يؤخر التقارب الأمريكي الروسي حول الحكم الذاتي للأكراد السوريين.

 

بين واشنطن وموسكو

ويعد الخط الدقيق الذي تسير عليه أنقرة بين واشنطن وموسكو أمرا محيرا للعقل. على سبيل المثال، كانت هناك آمال معقودة على زيارة "أردوغان" إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ولكنها انتهت بالتعبير عن الإحباط. ولم ينتقد "أردوغان" البيت الأبيض فحسب، بل هاجم أيضا "بريت ماكجورك"، منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، متهما إياه بـ"دعم الإرهاب" والتصرف كـ "مدير لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب".

وطلب "أردوغان" على الفور لقاء مع "فلاديمير بوتين"، وأعاد التأكيد على خططه لتعميق التعاون العسكري مع روسيا، بما في ذلك شراء دفعة ثانية من منظومة الدفاع الجوي الروسية "إس-400". وقبل اجتماع "أردوغان" و"بوتين" في سوتشي، كثفت روسيا قصفها في إدلب، ما أدى إلى مزيد من التعزيزات العسكرية التركية على الخطوط الأمامية. وبعد الاجتماع، أشاد "أردوغان" بعلاقات بلاده مع روسيا. وفي الوقت نفسه، قدمت أنقرة طلبا للولايات المتحدة لشراء 40 طائرة من طراز "إف-16".

ومن المرجح أن تتجاوب واشنطن مع طلب تركيا. ويُنظر إلى هذا الطلب على أنه خطوة ذكية من "أردوغان"، الذي ربما يختبر رغبة إدارة "بايدن" في تخفيف العقوبات على تركيا وفق قانون مكافحة أعداء أمريكا "كاتسا" والذي جرى تطبيقه على أنقرة بسبب شراء منظومة "إس-400".

وفي غضون ذلك، بعث "بايدن" برسالة إلى رئيسة مجلس النواب "نانسي بيلوسي" يخطرها فيها بنيته تمديد حالة الطوارئ الوطنية فيما يتعلق بالعلاقات مع سوريا، وأشارت الرسالة إلى أن "الهجمات العسكرية التركية تقوض السلام والاستقرار في المنطقة وتشكل "تهديدا غير عادي للأمن القومي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة"، وهي خطوة انتقدتها تركيا بشدة

ومع عدم وجود سياسة متماسكة، تتقلص الخيارات أمام أنقرة. وأصبحت الضربات الجوية الروسية وتقدم النظام في إدلب بمثابة تذكير دائم لـ"أردوغان" بأن مناطق خفض التصعيد قد لا تكون مستدامة على المدى الطويل. وتخشى أنقرة من مساعي إدارة "بايدن" للتوصل إلى توافق مع روسيا بشأن سوريا. وقد يشجع ذلك دمشق والأكراد على التقارب لمواجهة الجهد العسكري التركي.

مأزق تركيا في سوريا

ومع وجود 15 ألف جندي تركي في عشرات المواقع العسكرية في سوريا، تضع أنقرة على رأس أولوياتها ردع هجمات النظام السوري على إدلب. ومع ذلك، تظل المواقع التركية معرضة للخطر بدون غطاء جوي، كما يتضح من الضربات الجوية في فبراير/شباط 2020 والتي قتلت 34 جنديا تركيا.

وأصبح التصعيد في إدلب بندا أساسيا على جدول محادثات "أردوغان" و"بوتين" خلال الأعوام القليلة الماضية. وأدى الهجوم الكبير الذي شنه النظام السوري عام 2019 إلى نزوح نحو 1.4 مليون شخص، ولم تحل الاتفاقات التركية الروسية التي تلت ذلك قضايا الخلاف الرئيسية.

وغالبا ما تدلي روسيا بتصريحات حول فشل تركيا في الوفاء بوعدها بتطهير إدلب من "العناصر الإرهابية" وفتح الطريق السريع "إم 4" من اللاذقية إلى حلب، والذي يعتبر بالغ الأهمية بالنسبة للاقتصاد السوري. والأهم من ذلك، كثيرا ما تثبت موسكو هيمنتها وتتحكم في وتيرة التصعيد العسكري في المنطقة.

ومن المرجح أن يؤدي تجديد الحوار بين الولايات المتحدة وروسيا إلى مفاوضات جادة بين نظام "الأسد" والأكراد. وأثارت الطبيعة الكارثية للانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان مخاوف الأكراد من سيناريو مماثل في سوريا ولكن الولايات المتحدة قدمت تطمينات للأكراد وتهدف إلى استخدام نفوذها في التفاوض مع موسكو لتحقيق الاستقرار على المدى الطويل، كما يتضح من تخفيف إدارة "بايدن" لعقوبات "قانون قيصر" على سوريا؛ حيث سمحت واشنطن بتدفق الغاز والكهرباء من مصر والأردن إلى لبنان عبر سوريا.

وإذا قبل نظام "الأسد" منح شكل من أشكال الحكم الذاتي للأكراد تحت علم موحد لسوريا، فقد تفكر واشنطن في تقديم حوافز مالية لتطبيع العلاقات مع النظام.

المصدر : الخليج الجديد







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي