نيويورك تايمز: مأساة المهاجرين بين بيلاروسيا وبولندا.. باعت أوروبا نفسها للمستبدين وهي لا تختلف عنهم

2021-11-20

على مدى سنوات، حاولت دول الاتحاد الأوروبي إبعاد المهاجرين عن البلدان الأفقر التي تمزقها الصراعات (أ ف ب)

ناقشت الكاتبة شارلوت ماكدونالد غيبسون بمقال في صحيفة “نيويورك تايمز” قائلة، إن أوروبا تتحمل مسؤولية الصور الصادمة لأطفال يتجمعون حول النيران وآباء يحملون أطفالهم على صدورهم بينما ينظر الجنود وراء غابة من الأسلاك الشائكة إليهم بلا مبالاة.

وقالت إن الصور من الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، مهما كانت مروعة، ليست مفاجئة: فهكذا تبدو سياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي.

وتحمل الكاتبة الجزء الأكبر من المسؤولية عن هذه الكارثة الإنسانية زعيم بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، حيث حبس آلاف المهاجرين، العديد منهم من العراق وسوريا، في غابة متجمدة لأسابيع متتالية.

فقد حاول لوكاشينكو الانتقام من عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد نظامه ولهذا ساعدت حكومته اللاجئين الوصول إلى الحدود البولندية المحصنة، حيث لم يواجهوا سوى المشقة والمعاناة. وعلى الرغم من قيام الحكومة بإفراغ المخيمات يوم الخميس إلا أن الضرر قد حدث. وترى الكاتبة أن انتقام لوكاشينكو كان محسوبا، واستغل مشكلة صنعها الاتحاد الأوروبي لنفسه.

فعلى مدى السنوات الست الماضية، حاولت دول الاتحاد الأوروبي إبعاد المهاجرين عن البلدان الأفقر التي تمزقها الصراعات، من خلال الجدران الحدودية والشرطة الصارمة والصفقات المشبوهة مع دول خارج الكتلة، لكي تمنع الآثار السياسية للهجرة على نطاق واسع.

وتقول إن هذه الصفقات كانت خادعة للنفس، فمن خلال إظهار هذا الذعر والفوضى في احتمال وجود المهاجرين على أراضيه، أعطى الاتحاد الأوروبي الدول الاستبدادية خريطة طريق للابتزاز.

وما لم تجد الكتلة استجابة موحدة ترتكز على قيمها التأسيسية للتسامح والتضامن، فلن يعدم وجود لوكاشينكو آخر مستبد يستغل أحلام الناس في حياة أفضل.

وتقول إن المشاكل بدأت جديا في عام 2015، عندما أدى تدفق أكثر من مليون شخص، معظمهم فروا من الحرب والاضطهاد في سوريا، مما وضع مسألة الهجرة على رأس جدول الأعمال السياسي للقارة. وسرعان ما أفسح الترحيب الأولي للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل الطريق لتصريحات قاسية وضرورة إنشاء حدود محصنة حديثا. ولقي آلاف المهاجرين حتفهم أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط، حيث تم تقليص عمليات البحث والإنقاذ. وتم إيداع آخرين في مراكز اعتقال قاتمة على طول أطراف الكتلة الأوروبية.

وتضيف أن بلدانا لاحظت المشكلة، وعرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد أن استشعر فرصة ممارسة بعض النفوذ على جيرانه، المساعدة – بثمن باهظ. وفي عام 2016، أبرم الاتحاد الأوروبي صفقة بست مليارات يورو، ثم حوالي 6.6 مليار دولار، مقابل قيام تركيا بوقف ما يقرب من ثلاثة ملايين لاجئ سوري على أراضيها من المغادرة إلى اليونان.

وليست هذه هي المرة الأولى، فقبل الأزمة، اعتاد الاتحاد الأوروبي على الاستسلام لمطالب الحكام المستبدين، حيث عرض على العقيد الليبي معمر القذافي 60 مليون يورو في عام 2010 بعد أن هدد “بدفع الأفارقة الجائعين والجاهلين”. واليوم، تمول الكتلة خفر السواحل الليبي، على الرغم من التقارير التي تفيد بأن الكثير من الأموال يتم تحويلها إلى الميليشيات والمتاجرين بالبشر.

وبالنسبة للمهاجرين غير الشرعيين، فإن العواقب وخيمة. ويعيد خفر السواحل الليبي الأشخاص إلى مراكز الاحتجاز حيث تم توثيق عمليات الاغتصاب والتعذيب والقتل المنهجية على نطاق واسع.

وبموجب الاتفاق مع تركيا من المفترض إعادة الأشخاص الذين يصلون إلى اليونان إلى تركيا، لكنهم بدلا من ذلك يقبعون لسنوات في مخيمات مكتظة على الجزر اليونانية.

وتعتقد الكاتبة أن سياسات كهذه سحبت سلطة الاتحاد الأوروبي الأخلاقية وأصبح عرضة لتهديدات الحكومات عديمة الضمير.

فعندما يحاول الاتحاد انتقاد تركيا بشأن حقوق الإنسان أو سيادة القانون أو القمع السياسي، على سبيل المثال، غالبا ما يهدد المسؤولون الأتراك بإلغاء الصفقة.

وانتقاما من تقديم إسبانيا العلاج الطبي للزعيم المطالب باستقلال الصحراء الغربية، أوقف المغرب الذي يمول الاتحاد الأوروبي أجهزته الأمنية أيضا – وإن مؤقتا حراسة الحدود مع جيب سبتة الإسبانية في أيار/ مايو.

وتقول الكاتبة إن الاتحاد الأوروبي يعتمد الآن على حسن نية الأنظمة الاستبدادية في الحفاظ على حدوده. مضيفة أن البؤس البشري أصبح ورقة مساومة مقبولة.

وكان الرجال والنساء والأطفال على الحدود البولندية هم آخر من وقعوا في الوسط. وواجه المحاصرون بين حرس الحدود البولنديين والبيلاروسيين المدججين بالسلاح وفي ظروف شديدة البرودة وإمدادات غذائية شحيحة، وضعا محفوفا بالمخاطر ومات ما لا يقل عن 11 شخصا.

وحتى يحرف المسؤولية عن نفسه، ركز الاتحاد الأوروبي على لوكاشينكو وشجب أفعاله “غير الإنسانية”. لكن هذه الكلمات تبدو جوفاء عندما أجبرت بولندا، وهي دولة عضو، الناس على العودة عبر الحدود وأطلقت الغاز المسيل للدموع ورشتهم بخراطيم المياه عليهم. كما منعت الصحافيين وعمال الإغاثة والمراقبين الدوليين من دخول المنطقة الحدودية. ومع ذلك، من اللافت للنظر أن بولندا لم تتعرض لضغوط من الاتحاد لفتح حدودها أمام الفئات الأكثر ضعفا. وبدلا من ذلك تمتعت بدعم الكتلة الكامل.

وتعلق أن مسؤولي الاتحاد الأوروبي يستخدمون لغة التفوق الأخلاقي والإنسانية بدون سياسات تدعمها، مما يضعف حقهم في انتقاد دول مثل بيلاروسيا وروسيا.

ويجب أن يشرعوا في معالجة هذه المعايير المزدوجة على الفور. وفوق كل هذا، يجب على المفوضية الأوروبية الضغط على بولندا – باستخدام التهديد بالعقاب أو حتى ايقاعه – للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المنطقة الحدودية عند الضرورة ومعالجة طلبات اللجوء الخاصة بالأشخاص الموجودين على أراضيها.

ويجب أن تكون هذه هي الخطوة الأولى في نهج جديد للهجرة وفتح المزيد من المسارات القانونية لتأشيرات العمل وإعادة توطين اللاجئين، مع تطوير نظام لجوء فعال يتم فيه تقاسم العبء في جميع أنحاء الكتلة.

وتعترف الكاتبة أن هذا لن يكون سهلا، فالمشاعر اليمينية المعادية للمهاجرين مترسخة على نطاق واسع في جميع أنحاء القارة، لكن الفوائد ستكون أوسع. وسيعزز الموقف الأخلاقي للكتلة ويفتح مجتمعاته للمكاسب التي يمكن أن تحققها الهجرة المنظمة بشكل جيد.

ولكن، بشكل أساسي، فإن ذلك منطقي من الناحية الاستراتيجية. فالمشاهد الفوضوية على الحدود ليست مظهرا جيدا.

ومن خلال معاملة طالبي اللجوء على أراضيها ليس كسيناريو الحالة الأسوأ، بل وكحالة يمكن التحكم فيها ويتم التعامل معها بتعاطف وتضامن، فسترسل بروكسل رسالة قوية إلى العالم.

وسيكتشف خصومها أنه لن يكون هناك جدوى من محاولة ابتزازها في المستقبل. ولكن إذا سمحت الكتلة بأن يصبح الموت والمعاناة هو الوضع الافتراضي، فإن الخط الفاصل بين الأنظمة الاستبدادية والاتحاد الأوروبي سوف يتلاشى أكثر. وبالنسبة لأولئك الحريصين على تقويض الديمقراطية وحقوق الإنسان، لا شيء يمكن أن يكون أفضل.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي