الحلول النسوية لإنهاء الحرب..كيف تؤثر النساء في المعاهدات والحركات السلمية

2021-12-09

نيكول ويجنر وميجان ماكنزينيكول ويجنر وميجان ماكنزي
ترجمة وعرض: نضال إبراهيم


هل «الحرب لعبة الرجال»؟ سواء كان هذا صحيحاً، أم لا، فإن الرأسمالية الأبوية هي بالتأكيد إحدى القوى الدافعة وراء الحروب في العصر الحديث. هل يمكننا إنهاء الحروب عبر الأفكار النسوية؟ يجد هذا الكتاب أن الأمل في ذلك موجود، ورؤية السلام الدائم أمر ممكن.

يقدم كل فصل من هذا الكتاب الصادر عن دار «بلوتو برس»، ويتألف من 14 فصلاً، حلاً للحرب باستخدام أمثلة مبتكرة لكيفية قيام النظرية والممارسة النسوية بالتأثير في المعاهدات والحركات والأساليب السلمية على المستويات الدولية والمحلية.

تقترح الفصول مجموعة من الحلول التي تشمل إلغاء الأسلحة، والتركيز على معارف السكان الأصليين، وإعادة الهيكلة الاقتصادية، وتغيير طريقة «إحصاء» الوفيات بين المدنيين. ويرى هذا الكتاب أن إنهاء الحرب يتطلب تحدي الهياكل المعقدة. ومن خلال التفكير في ما وراء عنف النظام الأبوي الرأسمالي، يقدم المساهمون في هذا الكتاب فكرة مفادها أن إمكانية الحياة من دون حرب أمر حقيقي.


تحدي الهياكل المعقدة

يعاين الكتاب الحرب ضمن مجموعة من الحقول الأكاديمية مع تعليق من خبراء ومحللين سياسيين. تقول المؤلفتان: «ما يوحد الكثير من هذا العمل هو أنه يرتكز على افتراض ضمني بأن الحرب حتمية، وجزء دائم من العلاقات العالمية. ويبدو أن أهداف الكثير من دراسات الحرب هي التنبؤ، وتحديد الآثار والتكاليف، ومعاينة الاستراتيجية العسكرية وتحسينها، وقياس مكاسب وخسائر القوة. نحن نتعامل مع هذا النهج للحرب على أنه مشكلة لها تداعيات عالمية خطيرة. ونجادل بأنه إذا كانت دراسة الحرب لا تشكك في فائدة الحرب، وتفتقد إلى حد كبير أي اهتمام، أو التزام بالحد من الحرب وإنهائها، فإن مثل هذا العمل يمكن أن يرسخ أفكار الحرب والنزعة العسكرية كأجزاء طبيعية ومقبولة في الحياة الاجتماعية والسياسية. ويتمثل حلنا لهذه المشكلة في الاعتماد على خبراء من جميع أنحاء العالم لاستكشاف الحلول النسوية لإنهاء الحرب».

ما تقدمه المؤلفتان في الكتاب هو الأمل المتجسد على شكل أدوات لإعادة تصور الحرب وتخيل العالم من دونها. كما توضحان بمزيد من التفصيل، الحلول النسوية من منطلق أن الجميع يفهم الحرب على أنها فشل معقد ناتج عن نظام دولي شكّلته الأبوية والعسكرة والتفوق الأبيض والرأسمالية. ونتيجة لذلك، فإن الحلول النسوية التي تعترف بهذا التعقيد وتعالجها مطلوبة.

ويعد الكتاب نتاج السياق والوقت اللذين كُتب فيهما، أي في أواخر 2019 وخلال 2020. تقول المؤلفتان: «عند العمل على هذا الكتاب، دمرت حرائق الغابات مساحات شاسعة من الأراضي الأسترالية، ما أدى إلى إنتاج هواء سام في معظم المدن الكبرى، وأدى إلى تشريد 18000 أسترالي، وقتل ما يقرب من نصف مليار حيوان. وأعلنت منظمة الصحة العالمية عن انتشار وباء بسرعة في جميع أنحاء العالم، ما أدى إلى وفاة ما يقرب من مليوني شخص، وإغلاق المطارات وتعطيل حركة النقل. لقد كشف الفيروس عن العنصرية وعدم المساواة على مستوى العالم، وتأثيرات الخدمات الاجتماعية والصحية الضعيفة والتي تعاني نقص التمويل، مع زيادة المخاطر القاتلة للفيروس على المجتمعات السوداء والمهمشة. وفي الوقت الذي انتشر الفيروس بسرعة في جميع أنحاء العالم، اختنق في الولايات المتحدة جورج فلويد، وهو رجل أسود غير مسلح، على يد أربعة ضباط شرطة في مينيابوليس، بولاية مينيسوتا، ما أثار احتجاجات وطنية ودولية، قوبل الكثير منها بردود عسكرية وحشية. وأشارت حركة «حياة السود مهمة»، وغيرها من الحركات المناهضة للعنصرية، إلى إرث قتل الشرطة والوحشية تجاه الرجال والنساء السود في الولايات المتحدة وكندا، بما في ذلك وفاة ريجيس كورتشينسكي باكيه، وبريونا تايلور، ورودني ليفي، مؤخراً. وتم استخدام قوة عنف مماثلة في العام الماضي ضد المتظاهرين المدنيين في المسيرات المناهضة للاستبداد في هونج كونج والجزائر والعراق وبوليفيا والهند ونيكاراغوا وروسيا.

وظهرت على السطح مزاعم مفصلة عن جنود أستراليين قتلوا مدنيين أفغان. واستخُدمت القوات العسكرية وقوات الشرطة العسكرية ضد المدنيين في جميع أنحاء العالم، وخصصت المليارات للميزانيات العسكرية، حتى في الوقت الذي تكافح فيه الدول لتوفير الموارد الطبية الكافية للمدنيين في وباء عالمي. وأظهرت صور وسائل الإعلام الممرضات في جميع أنحاء العالم يرتدين أكياس القمامة كأردية حماية شخصية وأقنعة للوجه أعدن استخدامها، أو اشترينها بأنفسهن، بينما تظهر القوات العسكرية وقوات الشرطة في الاحتجاجات المدنية بأقنعة الغاز والدروع».

وتضيف المحررتان: «على الرغم من أن هذا الكتاب كتب في زمن يتسم بانعدام الأمن وعدم اليقين على مستوى العالم، إلا أنه يستند إلى الأمل. ونسعى فيه إلى النظر بجرأة إلى العالم وليس مجرد نقد ما هو موجود، ولكن نقترح ما يمكن أن يكون. ويهدف هذا الكتاب إلى تقديم مسارات للأمام نحو عالم أكثر سلاماً وإنصافاً. وما نقدمه في هذا الكتاب هو حلول لإنهاء الحرب وتعزيز السلام المستدام. والغرض من الكتاب هو إلهام القراء للنظر في إمكانية الحياة من دون حرب وعنف سياسي، والانخراط في عدد من المسارات الممكنة للسلام. كما نطلب من القراء إعادة التفكير في ماهية الحرب والسلام، وكيف يمكننا تحقيق ذلك».

«النسوية» في السياق العسكري

لا يعتمد هذا الكتاب على تعريف واحد أو نموذج مثالي للنسوية. كما لا تُستخدم النسوية لنقد القصص السائدة أو روايات الحرب والعنف السياسي فقط. باختصار، هذا ليس كتاباً يقدم السلام مع «إضافة» النساء، بل يعتمد المساهمون في كل فصل على خبراتهم وتجاربهم لتقديم تعريفات فريدة وتنظيرات للنسوية والحرب، والتي تشكل حلهم الفريد في إنهاء الحرب والعنف السياسي. وتشمل هذه الحلول إعادة الهيكلة الاقتصادية، وإلغاء الأسلحة، والتركيز على معارف السكان الأصليين، وإحياء ذكرى الحرب بشكل مختلف، وإدماج أصوات الجهات الفاعلة المتنوعة في البحث عن استراتيجيات لإنهاء الحرب. وتتضمن بعض الأسئلة الفرعية التي يتناولها الكتاب ما يلي: كيف يمكن للقصص التي نحكيها عن الحرب أن تديمها أو تمنعها؟ ما الذي يمكن أن نتعلمه من النشاط النسوي والنظرية النسوية من أجل منع الحرب والعنف في المستقبل؟ ما هي العوائق التي تحول دون الحرب والعنف وما هي الدلائل على أن العمل النسوي يمكن أن يزيل أو يتغلب على هذه العقبات؟

وتعلّق المؤلفتان: «لطالما وضع النسويون نظريات عن الصلات بين الجندر والحرب، موضحين كيف تتم إعادة إنتاج علاقات القوة المتعددة من خلال الحرب. لقد درسوا أيضاً كيف تتشكل آثار الحرب بشكل مكثف حسب الجنس والعرق والطبقة، مع آثار تمتد لفترة طويلة إلى ما يسمى فترات ما بعد الحرب. وتتشكل كيفية تجربة الأفراد للحرب، سواء كانوا يدعمون أو يعارضون الحرب، وكيف تمكنوا من البقاء والازدهار في فترة «ما بعد الحرب»، حسب الجنس والعرق والطبقة والموقع. ويقدم المساهمون حلولاً مستمدة من مجموعة من النظريات النسوية، والسكان الأصليين، وما بعد الاستعمار».

وعن النهج النسوي المعتمد في هذا الكتاب تقولان: «نعتمد على تعريف بيل هوكس للنسوية، ومنهجها في معالجة الروابط بين النظام الأبوي، وتفوّق البيض، والرأسمالية والنزعة العسكرية. وتصف بيل هوكس النسوية بأنها «حركة لإنهاء التمييز الجنسي والاستغلال الجنسي والقمع»، وتناقش «البطريركية الرأسمالية للتفوق الأبيض»، مع استخدامها عبارة «لتذكيرنا باستمرار بأنظمة الهيمنة المتشابكة التي تحدد واقعنا».

وبالنسبة إلى هوكس، من المستحيل وغير المجدي دراسة العسكرة بمعزل عن النظام الأبوي والعنصرية والرأسمالية، لأنهم جميعاً «يعملون في وقت واحد». ويتماشى هذا مع عمل كارول بي. كريست، الذي يتعامل مع النظام الأبوي باعتباره «نظاماً متكاملاً تم إنشاؤه عند تقاطع السيطرة على النساء والملكية الخاصة والحرب، والذي يقر ويحتفي بالعنف والغزو والاغتصاب والنهب واستغلال الموارد، وأخذ العبيد». وعلى المنوال نفسه، أعلن يوهان جالتونج أن «تحرير جميع الشعوب المضطهدة يتطلب تدمير الأنظمة السياسية والاقتصادية للرأسمالية والإمبريالية، وكذلك النظام الأبوي».

وتجدان «أن «إضافة النساء وتنشيطهن» ليس كافياً لتعطيل أنظمة القمع والاستغلال المتشابكة التي تديم الصراع والحرب في جميع أنحاء العالم. وتشارك المرأة في الحرب والعسكرة وتدعمها وتستفيد منها بطرق لا تعترف بها بعض دراسات السلام النسوية، أو تفسرها. إن افتراض أن انتخاب المزيد من النساء، أو توظيف المزيد من المجندات، أو إنشاء سياسة خارجية تقودها النساء، سيؤدي إلى السلام ليس لإدامة الفهم التبسيطي والثنائي للمرأة على أنها سلمية بطبيعتها فقط، ولكن أيضاً يحدث لبساً في الأشكال التي تساهم بها النساء في الأشكال الحالية للحرب والعسكرة. ويجب أن تأخذ الحلول النسوية لإنهاء الحرب في الاعتبار الطرق التي تخلق بها الحرب والنزعة العسكرية ظروفاً يُعامل فيها بعض الرجال - خاصة الرجال الملونين والسود - على أنهم تهديدات متأصلة، والذين يتم التعامل مع موتهم والأذى الذي يلحق بهم في كثير من الأحيان على أنه أمر لا مفر منه إذا كان «ضرراً جانبياً» مؤسفاً».

وتشيران إلى أن مقاومة الحرب ليست مجرد إدانة للعمليات العسكرية. يتطلب الأمر أن نلقي نظرة فاحصة على تواطؤنا في الممارسات العالمية التي تديم سيطرة العسكرة والرأسمالية والاستعمار. على سبيل المثال، غالباً ما تستفيد البرجوازيات البيضاوات في الولايات المتحدة من الغزو الإمبريالي كمستهلكات للسلع التجارية الرخيصة المتاحة على نطاق واسع. ويتطلب إنهاء العسكرة معاينة أنماط استهلاكنا، ثم العمل بنشاط من أجل إعادة توزيع الثروة.

ماذا نعني بالحرب؟

مثلما لا تقدم الفصول في هذا الكتاب تعريفاً موحداً للنسوية، فإنها أيضاً لا تقدم مفهوماً منفرداً لما يشكل «الحرب»، أو السلام. تقول المؤلفتان: «بصفتنا محررتين لهذا العمل، نهدف إلى تحديد الأفكار المنطقية حول الحرب التي لا تزال قائمة في العديد من المجتمعات الغربية، بما في ذلك أن الحرب عمل سياسي ضروري ووقتي وحتمي.. نحن نرفض الأفكار الشائعة عن الحرب، بما في ذلك مفهوم الحرب كسياسة بوسائل أخرى.. نرفض فكرة أن الحرب هي دائماً الملاذ الأخير بعد استنفاد كل الخيارات السياسية الأخرى».

وتضيفان: «يمكن تعطيل الأساطير المتداولة عن الحرب باستخدام تعريفات أكثر تعقيداً للحرب والعنف، والتحدث إلى أشخاص مختلفين لديهم تجارب متنوعة حول الحرب، وطرح أسئلة مختلفة حول الحرب. فنحن نعرّف الحرب على أنها فشل معقد شكّلته الأبوية والعسكرة والرأسمالية وتفوق البيض. الحرب فشل معقد لأن الحرب نادراً ما تحقق النتيجة السياسية التي أعلنت من أجلها، وآثار الحرب غير محدودة ومدمرة إلى ما لا نهاية. الحرب هي فشل معقد لأن الحرب غالباً ما تكون متسرعة ورجعية، وليست ملاذاً أخيراً محسوباً. الحرب هي اختيار مهني، وصناعة بمليارات الدولارات، وسلسلة لا تنتهي من السياسات. الحرب هي فشل معقد لالتزامات الإنسان الأخلاقية تجاه بعضها بعضاً. الحرب فشل معقد في إيجاد حلول سياسية من شأنها أن تعزز قدرة البشر وأنواع الحيوانات ليس على الازدهار والبقاء فقط، ولكن أيضاً للعيش في بيئة آمنة محمية ومحترمة. الحرب فشل معقد يقع داخل، وهو نتاج، نظام أبوي، وتفوق أبيض، ورأسمالي وعسكري. يجب أن يعترف أي حل للحرب بهذا التعقيد، وأن يتعامل معه. وإضافة إلى تسمية الحرب بأنها فشل معقد ورفض الأساطير الرئيسية للحرب، فإننا نرفض فكرة عدم معرفة الحرب. نرفض الافتراض القائل بضرورة التزام المدنيين بدعم غير مقيد للحرب، والجنود مقابل جهلهم المفترض بآلام الحرب».

«لطالما انتقدت النسويات الطابع الزمني للحروب وافتراض أن السلام «يحدث» عندما يتوقف القتال الرسمي في الحرب. ويتطلب إنهاء الحروب، الذي يُفهم على أنه إخفاقات معقدة، التفكير خارج الحدود «الرسمية» للقتال، والنظر في الطرق التي تتسرب بها الحرب والعنف إلى الحياة اليومية»، وبحسب المؤلفتين فإن «إنهاء الحرب يتطلب أن ننظر في ما تبقى من ركام الممارسات العنيفة وكيفية المضي قدماً من تحت الرماد».

 

*عن المؤلف

نيكول ويجنر وميجان ماكنزي
* ميجان ماكنزي أستاذة في القانون الدولي والأمن البشري في كلية الدراسات الدولية بجامعة سيمون فريزر، ولها عدد من المؤلفات.
** نيكول ويجنر زميلة أبحاث ما بعد الدكتوراه بجامعة سيدني، ولها مؤلفات عدة أيضاً.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي