لوبس: مالي وأوكرانيا.. الاتحاد الأوروبي في اختبار تصادم مع روسيا بوتين

2022-01-19

العالم لا يمكنه التعامل إلا مع أزمة واحدة في كل مرة، ولكن الاتحاد الأوروبي هذه المرة لا خيار لديه (أ ف ب)

يواجه الأوروبيون -وهم يضعون اللمسة الأخيرة على عقيدة دفاع مشتركة- أزمتين متزامنتين "مع روسيا بوتين" تتشابك فيهما مصالح رئيسية مختلفة، إحداهما على حدودهم الشرقية في أوكرانيا والأخرى في أفريقيا بمالي، فهل من المناسب التعامل معهما بنفس الأسلوب؟

يقول المحلل السياسي بيير هاسكي في عموده بمجلة لوبس (L’Obs) الفرنسية إن العالم لا يمكنه التعامل إلا مع أزمة واحدة في كل مرة، ولكن الاتحاد الأوروبي هذه المرة لا خيار لديه، كما ظهر في اجتماع وزراء خارجيته ودفاعه قبل أيام في فرنسا، حيث أُجبر على النظر في هاتين "النقطتين الساخنتين" اللتين تهمانه بشكل مباشر.

ورأى الكاتب أن الخطأ الرئيسي هو تطبيق التحليل نفسه على كلتا الأزمتين، بالتركيز على النقطة المشتركة بينهما وهي روسيا، لأن ذلك كان هو فخ الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، بحيث يتحول الصراع -كلما كان السوفيات طرفا فيه- إلى صراع بين الشرق والغرب، فتغيب رؤية خصوصياته المحلية.

ونسب هنا إلى مسؤول أميركي كبير -في المسلسل الوثائقي "حرب فيتنام"- قوله عندما سئل عن خطئه الرئيسي: "لقد شاهدنا فيتنام كقضية من الحرب الباردة، دون محاولة فهم الأسباب الكامنة وراء الصراع".

عامل مشترك بين أزمتين

وينصح الكاتب الأوروبيين بعدم تكرار خطأ الحرب الباردة، لأن التعامل "بمنطق الحرب الباردة" مع روسيا باعتبارها العامل المشترك بين الأزمتين بحشد قواتها حول أوكرانيا وإرسال مرتزقتها العسكرية من شركة فاغنر إلى مالي، سيؤدي إلى خطأ فادح، خاصة أن روسيا في الحالة الأولى تستخدم وسائل كبيرة لمحاولة تعديل ميزان القوى في بيئتها المباشرة مقابل منافسها التاريخي حلف شمال الأطلسي (الناتو)،  في حين أنها في الثانية تعمل "كمعطّل" بتكلفة قليلة ودون مخاطر كبيرة في منطقة نائية ليست لها فيها مصلحة إستراتيجية مهمة.

واعتبر الكاتب أن منح الأوروبيين وقتا للتفكير في الأزمتين معا في هذا الاجتماع "الضخم" الذي جمع وزراء الخارجية والدفاع، يشكل تقدما، لأنه لو حدث قبل بضع سنوات، لكانت بلدان شرق وشمال أوروبا ستركز فقط على "التهديد" الرئيسي على أبوابها، وتترك أفريقيا لفرنسا.

أما اليوم -يقول الكاتب- فمفهوم التهديدات والردود قد تطور، حيث أنتجت "البوصلة الإستراتيجية" التي توشك دول الاتحاد على اعتمادها في مارس/آذار، رؤية مشتركة، تجعل كل مجموعة إقليمية فرعية تأخذ في الاعتبار التحديات التي يواجهها الآخرون، لتشعر إستونيا مثلا بالقلق حيال أفريقيا، وترى البرتغال أن ما يحدث في أوكرانيا، على بعد 4 آلاف كيلومتر، يهمها أيضا.

وربما يكون الخطأ في النظر إلى هاتين الأزمتين من خلال المنظور الشائع للتدخل الروسي -بحسب رأي هاسكي- هو الحصول على تشخيص خاطئ، وبالتالي تقديم علاج خاطئ، خاصة أن الأزمة الأوكرانية مركزية من منظور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للعالم، لأنها جزء من إستراتيجية تهدف إلى إعطاء روسيا الدور المركزي في مجال نفوذ يشمل جزءا كبيرا من الاتحاد السوفياتي السابق، حتى لو كان ذلك على حساب سيادة دول مستقلة منذ 30 عاما.

وبالفعل، أظهرت روسيا في بيلاروسيا وكازاخستان -كما يقول الكاتب- أنها لن تخذل الأنظمة "الصديقة" المهددة، وأبدت عزمها على تهدئة الميول التحررية لدى من لم يكونوا يحملون نفس الطموح الأوكراني، وهي تطلب من الغربيين عدم التدخل، وتسألهم مباشرة "هل أنتم مستعدون للموت من أجل كييف؟"، وكأنها تقول "إذا كان الجواب: لا.. فتراجعوا"، ولكن هل هي جادة في ذلك أم لا؟ ليس لدى دول الناتو إجابة، وبالتالي عليها أن تتخذ قراراتها بناءً على حالة الشك هذه.

الخروج من أزمة مالي

أما في مالي، فالأمر مختلف تماما كما يرى الكاتب، لأن روسيا لاعب جديد يقوم بدور "المعطل" في منطقة في حالة اضطراب نسبي، وبالتالي فإن التركيز على روسيا وحدها سيجعل الأوروبيين ينسون الجذور العميقة لأزمة مالي التي تقوم أساسا على فشل الحكم والفشل السياسي في الحرب على الإرهاب، إضافة إلى  الاستعمار وما بعده من أمور لم تتم تسويتها.

ولا شك أن حضور مجموعة فاغنر -بحسب هاسكي- فاقم هذه التوترات، بتقديمها بديلا للمجلس العسكري الحاكم هناك، وبالتالي جعل الأمر أصعب بالنسبة لفرنسا والأوروبيين الذين يتزايد التزامهم بناء على طلب باريس.

فرنسا أخطأت كثيرًا في مالي كما يقول الكاتب، وبعد أن رحب بها السكان باعتبارها محررة من "الجهاديين" عام 2013، يُنظر إليها الآن على أنها قوة تفرض نفسها وتريد أن تملي قانونها، بل على أنها شريك للإرهابيين لتبرير وجودها، وهي -في نظر الماليين- التي أملت العقوبات القاسية للغاية التي فرضتها بلدان المنطقة يوم 9 يناير/كانون الثاني وتوشك أن تضر بالسكان أكثر مما تضر بالمجلس العسكري.

وخلص الكاتب إلى أن فرنسا التي جعلت من العلاقات مع أفريقيا إحدى أولويات رئاستها لمجلس الاتحاد الأوروبي، يجب أن تخرج من الأزمة المالية بحنكة أثناء القمة الأوروبية الأفريقية المقررة في النصف الأول من عام 2022، وإلا فستدفع الثمن غاليا في أفريقيا وأوروبا، خاصة أن هذه اللحظة تأسيسية بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يجب أن يتعامل بالتزامن مع أزمتين كبيرتين، وأن ينتج في نفس الوقت عقيدة للسنوات القادمة، من أجل مصداقيته "الضعيفة".







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي