العُوْد ٭

2022-01-19

حيدر المحسن

جلست العجوز «حربية» في مكانها المعتاد، وأغمضت عينيها، وكانت تحدس العذاب الذي ينتظرها، لأن ابنها العود، عبد الرحيم، جمع أخوته اليوم (الجمعة) ومعهم أحفادها، وسوف يتناقشون حتماً في أمور السياسة. ها هي تفتح عينيها على اتساعهما، توجه نظرات ناريّة إلى الجميع، وتحرّك أصابع يديها، كأن غضبات عريقة تتجمّع في أطرافها. الإصبع الوسطى، بسبب طولها النافر، تبدو كأنها الأكثر تأهباً للتعبير عن سخطها.

أذّن للظهر، وقامت العجوز للصلاة، الجديد في الأمر اليوم أن أحفادها كامل، وسعد، وسعيد، كانوا يكلّمون آباءهم بغطرسة، وأصواتهم تعلو شيئاً فشيئاً. عدا أمور السياسة، هؤلاء الشباب لا يبدو عليهم الاهتمام بأي أمر آخر في الحياة، رغم أن أغلبهم عاطلون عن العمل، ويعيشون في أحضان عوائلهم، الآباء والأمهات الحنونات.

«إحم»!

قالت العجوز، كي تؤكد أنها ممنوعة من الكلام الأرضيّ، منقطعة إلى السماء. كانوا يتجادلون في شؤون خاسرة، أكيداً، وهي تجبر نفسها على التحمّل. سجدتْ، وأطالت في السجدة، كي تنسى الوضع الذي وجدت نفسها فيه. اعتدلت، وأطلقت احتجاجاً شجنياً:

«الله أكبر»!

ما الذي تقوله أكثر، وهي متوجّهة إلى القبلة؟ ثم صعد حفيدها كامل، ابن ابنها العود، عبد الرحيم، وأخذ يهتف، ويصرخ بأعلى صوت يمتلكه شاب لم يتجاوز العشرين. صعقت العجوز لا بسبب الهتاف، لكن لأن ابنها الأكبر عبد الرحيم كان يجلس على الأريكة نفسها، بفخامة، وينظر إلى ابنه بعينين وديعتين. حدجته أمه بعينين ضيقتين، يعلوهما حاجبان غليظان:

«الله أكبررر»!

قالت، وقامت إلى الركعة الثالثة من الصلاة، وتضمّنت حركات جذعها وذراعيها امتعاضها لما يدور. كان حفيدها يرتدي ملابس غريبة الشكل، حذاءً أحمر وبنطالاً قصيراً ورديّاً مخططاً بشريط ذهبيّ على الجانبين، والقميص أخضر مزركشاً بأصداف سوداء. ثبّتت العجوز عينيها على شكل شفتيه الحمراوين الممتلئتين، مثل شفتي فتاة. لم تنتبه إلى هذا التشكيل العجيب من الثياب، إلا عندما اعتلى الأريكة. أخذ يصفّق بيديه، ويهتف، ويهز كتفيه، ويرفس برجليه، أرسلت العجوز تنهيدة طويلة:

«الله أكبرررررررر»!

ابنها العود، بدلاً من أن يزجر ابنه اعتلى الأريكة هو الآخر، وجعل يهتف، ويلاكم الهواء، وينطحه برأسه. تملكت العجوز عند ذاك روح شيطانية عنيفة، وصاحت بصوت حانق: «الله أكبر. الله أكبر…».

وكي لا تموت من الاختناق ظلت تعمل بإصبعها الوسطى إشارات إلى ابنها العود لم يحجب خام الصلاة معانيها البذيئة، ثم رمت بهذا الفحش الغريب بقية أبنائها، والأحفاد جميعاً. حتى الموتى المعلّقة صورهم على الجدران، كانت لهم حصّتهم من غضب العجوز «حربيّة».

٭ العُوْد: المُسنّ من الإبل.

كاتب عراقي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي