سلمان زين الدين في مهب «الرواية العالمية»

2022-01-26

عبد المجيد زراقط

صدر للشاعر والناقد اللبناني سلمان زين الدين عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» مؤخَّراً، كتابان في النقد الروائي، هما: «في الرواية العالمية» و»في الرواية العربية» يتضمَّن كلٌّ منهما خمسين مقالة نقديَّة، تقدِّم كلٌّ منها معرفة نقديَّة برواية عربية، أو رواية عالمية مترجمة، وبهذا يمثل الكتابان وثيقة تؤرِّخ للإنتاج الروائي العربي والمترجم، في هذه الاَونة من الزمن، في الوقت نفسه الذي يتضمَّنان فيه مقالات نقدية متميِّزة تقدِّم للقارئ معرفة بهذا الإنتاج.

تتمثّل أهمية هذا الإنجاز المعرفي النقدي، إضافة إلى ما سبق ذكره، في أنه يلبِّي حاجة الحياة الأدبية الماسّة للنقد الأدبي الموضوعي، الموجَّه للقارئ العادي والمتخصِّص، في الوقت نفسه، في مقالة نقدية صحافية متميِّزة. في سبيل تبيُّن هذا التميُّز، نجري هذه القراءة في أحد الكتابين وهو: «في الرواية العالمية».

تاريخ أدبي

تفيد قراءة هذا الكتاب، بوصفه وثيقة تاريخية، أنَّ الترجمة تتمّ بمبادرة من بعض دور النشر اللبنانية والعربية، دون أن يكون هناك مشروع معدّ لها، وأنها لم تقتصر على الدول الغربية، وإنما شملت دولاً اَسيوية وافريقية، وأن معيار الاختيار هو شهرة الكاتب، أو كثرة مبيع الرواية، وهذا يقرِّره المترجم أو صاحب دار النشر، وما يفيد ذلك قول زين الدين: تعود ترجمة الرواية إلى العربية «إلى شهرة صاحبها، فهو يتصدّر أكثر الكتب مبيعاً». وهو، إذ يقرأ الترجمات، يرى إلى لغة الترجمة، فيتحدَّث عن خصائصها، فيقول، على سبيل المثال: «اللغة السلسة الرشيقة للترجمة» «براعة المترجم، فتبدو الرواية عربية لا معرَّبة». «ولا يحول جمال لغة الترجمة دون الإشارة إلى بعض الهنات الهيِّنات التي وقع فيها المترجم»..

وهكذا يقدِّم هذان الكتابان، في المجال التأريخي معرفة، وإن موجزة، بمئة روائي عربي وعالمي، وبمئة رواية عربية وعالمية، وبواقع الترجمة الروائية ومستوى لغتها، وهذا إنجاز كبير في مجال التأريخ الثقافي بعامّة، والروائي بخاصّة.

نقد أدبي

ويمكن التحدُّث عن الكتاب، بوصفه كتاب نقد أدبي، كما يأتي: يقدِّم سلمان زين الدين، وهو شاعر وناقد وناشط ثقافي، ومفتش تربوي، هذه المعلومات، في سياق مقالاته بشيءٍ من التفصيل. وهو يمتلك معرفة واسعة بالحياة الروائية العربية والعالمية، فعلى سبيل المثال، نجده، لدى الكلام عن الروايات التي أثارت سؤال «الإرهاب» يتحدَّث عن أربعين رواية عربية وعالمية أثارت هذا السؤال. يقدِّم زين الدين لكتابه بمقدمة وافية يعرِّف فيها به، وبالأسئلة التي يثيرها، وهي أسئلة كثيرة ومتنوِّعة: تاريخية، سياسية، اجتماعية، اقتصادية، فكرية.. وهو، في هذا التقديم، يكشف عن تميُّز قراءته للرواية، وإذ نقرأ الكتاب، نتعرَّف إلى هويَّة هذا التميُّز فنقرأ، على سبيل المثال، وصفه لعملية القراءة، بأنَّها نوع من الحراثة في الوعر، ويستعير لها فعل «التوغُّل» الذي يدمي يدي المتوغِّل ويشوِّك قدميه، ويوصله إلى متعة الاكتشاف وقطف وردة الدهشة.

المقالة النقدية

يُؤتي توغُّل الناقد الممتلك معرفة وذوقاً أدبياً مرهفاً مدرَّباً تمثُّلاً للنص يتمثّل في مقالة نقدية نذكر من خصائصها ما يأتي: تبدأ المقالة بعنوان يثير انتباه القارئ، ويجذبه، ويشوِّقه، وتنطلق من مثير للفضول مشوِّق لطلب المعرفة، فعلى سبيل المثال، ينقل عن صحيفة مشهورة أن هذه الرواية فازت بجائزة كبرى، وأنها أكثر الكتب مبيعا، وأنها مرشحة لأفضل جائزة، ويسأل: «هل تستحق الرواية هذا الفوز والتصنيف والترشيح؟». وفي مثال اَخر، يضع عنوانا هو: «جيلبير سينويه يروي سيرة ابن رشد» ويعرِّف هذه الشخصية بأنها إشكالية، ما يثير أسئلة منها: ما هي هذه الإشكالية؟ كيف تُروى السيرة؟ هل تختلف السيرة عن الرواية؟ في هذا الفضاء، تقدِّم المقالة معرفة موجزة بالروائي والرواية، تفضي إلى إجراء القراءة النقدية، تتمثل هذه القراءة في سياق سردي وصفي نقدي يعرِّف بإيجاز ببنية الرواية ومكوناتها: القصة، الشخصيات، المكان، الزمان، المنظور، وفي مسار التعريف، ينقد، ويثير مسائل روائية، ويناقشها، وينتهي إلى حكم. غير أن نقده لا يقتصر على العرض وإصدار الحكم، وإنما يشمل أموراً أخرى مهمّة، منها نوع الرواية وخصائص هذا النوع. والأمثلة على هذه الأمور المشمولة بالنقد كثيرة في الكتاب لا يتسع المقام لذكرها.

سؤال النوع

يطرح زين الدين سؤال النوع في غير موضع من كتابه، فلدى تحديد نوع «تراتيل ثعابين البحر» لباتريك سفينسون، يسأل: هذا الكتاب هل هو سيرة ذاتية أو تاريخ طبيعي أو رواية؟ ويجيب: «لأن الرواية نوع حمَّال أوجه، ومفتوح على سائر الحقول المعرفية، سأبيح لنفسي تجاوزاً اعتبار الكتاب رواية» ويعلِّل ذلك بهيمنة السرد، وبأن الرواية مسألة شكل قبل أن تكون مسألة مضمون، وينتهي إلى الحكم بأنَّ «الكتاب هو رواية تاريخ طبيعي بامتياز» وفي خاتمة المقالة يقرّر أنَّ الكتاب «يجمع بين روائية الإطار ومعرفية المحتوى». في هذا السياق، يطرح زين الدين سؤال التمييز بين السيرة والرواية، لدى قراءته عدداً من الروايات، فيقول مرة: «يمكن إدراج رواية سينويه في إطار رواية الشخصية التي تجمع بين السيرة الذاتية في سلكها الأول، والسيرة الغيرية في سلكها الثاني». ويتحدث مرة أخرى عن احتفاظ كل من السيرة والرواية بهويتيهما الأدبية، لكن في حالات قد تزول المسافة بينهما، «فيتحدان في نوع واحد هجين، بحيث تكون المادة سيرية، ويكون تشكيلها روائياًّ». ويرى أن كتاب «قبل شروق الشمس» يجمع بين الرواية والسيرة الذاتية والقصة القصيرة والدراسة العلمية».

مصطلحات نقدية

يستخدم زين الدين، في مقالته، مصطلحات تحتاج إلى نقاش، ومنها «الوحدة السردية» ويعني بها، كما يبدو، ما يسميه بعضهم الفصل، وهو يستخدم مصطلح الفصل أحياناً، أو المقطع. والوحدة السردية، في مصطلحات المنهج السردي، تعني التفصيل أو التفاصيل، التي تُحدث تحوُّلاً في مسار السرد، وتؤدي وظيفة ما، كالتوازن واتخاذ القرار والخروج، ويبدو لي أن المصطلح الأكثر صواباً هو «الوحدة النصية» وهو مصطلح يستخدمه زين الدين أيضاً، لأن هذه الوحدة نسيج يشكله السرد والوصف والحوار والتعليق..

ومن المصطلحات التي تحتاج إلى نقاش، مصطلحا الحكاية والخطاب. يرد ذكر هذين المصطلحين كثيراً في مقالات هذا الكتاب، ومن نماذج ذلك: «وبذلك، تتكامل الحكاية والخطاب، ويصنعان حكائية الحكاية وروائية الخطاب، ويقدّمان رواية رائعة تشهد للخيال والفن والجمال».

وبعد، إن هذه المقالات هي الخطاب النقدي الذي أنتجه زين الدين لدى تلقِّيه هذا العدد الكبير من الروايات، وهو خطاب يرقى إلى مستوى هذه الروايات الإبداعي، فكان عطاءً متميزاً في النقد الأدبي، الذي يشكو الكثيرون من غيابه، أو من تقصيره في أداء دوره في هذه الاَونة من الزمن العربي الذي يكثر فيه الاستهلاك، ويقل الإنتاج.

كاتب لبناني







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي