
هذه النصيحة يقدمها الكاتب المساهم في مجلة «ذي أتلانتك»، آرثر سي بروكس، في مستهل حديثه عن كيفية النجاح حتى في أحلك أوقات الفشل، وبوصفه أستاذ ممارسة القيادة العامة في كلية «هارفارد كينيدي»، وأستاذ ممارسة الإدارة في كلية «هارفارد» للأعمال، يؤمن الكاتب بأن للإخفاق ثمارًا يمكن الاستفادة منها باستخدام الإستراتيجيات السليمة.
في مستهل المقال، يقول مقدم سلسلة البودكاست التي تحمل عنوان «كيف تبني حياة سعيدة»: قد تريد شيئًا بقوة، وتعمل بِجِدٍّ لتحقيقه، لكن الرياح لا تأتي بما تشتهيه في النهاية؛ ربما تخسر شخصًا، أو تنهار شركتك، أو تُطرَد من عملك، وربما تخفق في امتحاناتك على الرغم من أنك درست بجدٍّ، أو لا تتمكن من إيجاد ناشر لكتابك، حينها يعتريك ما هو أثقل على نفسك من الندم على ما فرَّطتَ.
كيفَ وقد بذلتَ قصارى جهدكَ بالفعل، لكنك لم تحقق ما تصبوا إليه؟! يترك هذا النوع من الإخفاق في حلقك غصَّةٌ لا تزول بسهولة، ومثلما كان كتابك غير المنشور، أو وظيفتك السابقة، ركنًا ركينًا من هويتك، فقد تبدأ في اعتبار هزيمتك هي الأخرى جزءًا أساسيًّا من هويتك.
ماذا تفعل حينذاك؟
قد تتقوقع على نفسك آملًا أن يندمل جرحك بمرور الوقت؛ لكن ربما تفضل مواجهة ألمك وإدارته بفاعلية، وهذا سيمنحك ما هو أكثر من تخفيف وطأة إخفاقك، بل سيحول فشلك إلى دافعٍ للتطور، وحتى إلى ينبوع للسعادة.
وربما تبحث عن تفسيرات – لا وجود لها – لسقوطك؛ بيد أن هذه فكرة سيئة؛ لأن اجترار الفشل يجعله مهيمنًا على حياتك، ويمكن أن يقودك إلى كارثة، فقد تسيطر على ذهنك سلسلة من الأحداث المُتَخَيَّلة التي تودي بك في هاوية لا قرار لها من البؤس الدائم، فتقول في نفسك: «لقد طُرِدْتُ من وظيفتي، والآن لن يرغب أحد في توظيفي، وسأظل عاطلًا عن العمل إلى الأبد، وقد أخسر منزلي، لقد دُمِّرَت حياتي».
هذه المشاعر السلبية لا تجعلك أقوى في مواجهة الصعاب، بل قد تقودك إلى هاوية الاكتئاب واضطراب القلق، وبدلًا من تجنيبك خيبة أمل أخرى مستقبلًا، يمكن لاجترار الفشل أن يهيئك لمزيدٍ من الفشل، أو على الأقل يضيع عليك فرصًا محتملة للنجاح، ولا غروَ، فالتفكير في الهزيمة يؤدي إلى الإحجام عن تجربة أي شيء جديد، وهكذا تتجمَّد في لحظة فشلك، وتجترُّ الهزيمة مرارًا وتكرارًا، وحين يسيطر عليكَ الخوف؛ تفقد الثقة في نفسك، وتفوت على نفسك الفرص التي قد تقودك إلى إحراز نجاحٍ جديدٍ.
لكن ما هي الإستراتيجيات العملية التي يمكن تطبيقها للخروج من بئر المعاناة النفسية بعد الفشل؟ للإجابة عن هذا السؤال استشار «بروكس» أستاذة الدراسات المعرفية في جامعة كولومبيا، شياودونغ د. لين، التي أنفقت سنوات في دراسة الإخفاقات الحتمية التي يواجهها العلماء والرياضيين وحتى العوام، ومن عصارة هذه الخبرة، أوصت بثلاث إستراتيجيات تنصح باتباعها للتحرُّر من أسر الفشل، وربما حتى الاستفادة منه:
1- فكِّر في إخفاقاتك وإخفاقات الآخرين السابقة
من المعلوم لدى الأطباء الذين يعالجون الخوف أن مواجهة هذا الشعور مرةً تلو الأخرى يمكن أن يجعله أكثر اعتيادية وبالتالي أقل تهديدًا، لسبر غور هذه الفكرة، أعدت الدكتورة لين وزملاؤها تجربةً منذ عدة سنوات، عرضوا خلالها على الطلاب إما نجاحات العلماء المشهورين وإخفاقاتهم وإما نجاحاتهم فقط، وجد الباحثون أن دراسة الإخفاقات حفزت الطلاب على التعامل بطريقة أفضل مع هزائمهم، وساعدتهم في الحصول على درجات أعلى بكثير من الطلاب الذين درسوا فقط نجاحات هؤلاء العلماء.
كما أن دراسة إخفاقاتك يمكن أن تجعلها تبدو أخف وطأة، يستشهد الكاتب بما أشار إليه باحث في مقال نشرته مجلة «نيتشر» في عام 2010 حول احتفاظ الناس بـ«سيرة ذاتية للفشل»، وهي قائمة مكتوبة بالأشياء التي لم تكلل بالنجاح في الحياة.
لكن مهلًا، أليس هذا لونٌ من اجترار الفشل الضارِّ نفسيًا، كما أشار الكاتب في بداية المقال؟ في الواقع لا، فالسيرة الذاتية للفشل مختلفة تمامًا، لأنها مُقَيَّدة بالكتابة، وهذا السلوك مختلف عن تقليب الأفكار في عقلك، وتركها تحلِّق على غير هدي في عالم المشاعر الغامض، حتى يتعذر عليكَ التحكم فيها، وتقييد مشاعر الفشل بالكتابة قد يدفعكَ إلى مزيد من المعالجة المعرفية للتجربة برمتها، مما يمنحك منظورًا أكثر وضوحًا ومنطقية للأحداث، بل قد يُمَكِّنك من رؤية جانبها الإيجابي.
2- توقف عن ملاحقة النجاح
أحد الأسباب التي تجعل الفشل مُدَويًا هو أننا نضع أهدافًا للوصول إلى النجاح، بدلًا من وضع أهداف للتعلُّم والتطوير، وقد يظن الناس أن الصواب هو ملاحقة النجاح، لكن هذا خطأ، وهل أسهل من التظاهر بذلك في عالمٍ مهووس بالسير الذاتية! وأشارت الدكتورة لين في رسالة بريد إلكتروني إلى أن ارتباط القيمة التي نكتسبها من العمل والحياة بإنجازاتنا أقل بكثير من ارتباطها بمعرفتنا وخبرتنا، وهذا يشمل التعليم الذي نستمده من قصورنا عن تحقيق النجاح.
يستشهد المقال على أن الفشل قوة جبارة للتطوير بالبحث الذي أجراه بعض العلماء مؤخرًا على المتقدمين للحصول على تمويل منح بحثية من المعاهد الوطنية للصحة، ووجدوا أن من رُفِضوا بفارق ضئيل في وقت مبكر من حياتهم المهنية استمروا في التفوق، على المدى الطويل، على من حالفهم النجاح في وقتٍ مبكرٍ.
ولكي تصبح فوائد خيباتك ملموسة، أضف سطرًا للدروس المستفادة في سيرتك الذاتية للفشل، على سبيل المثال، بجوار جملة «لم أحصل على وظيفة منظف نوافذ ناطحة سحاب»، قد تكتب «تعلمت أنني أخاف من المرتفعات»، وستدربك هذه الممارسة على رؤية التقدم في كل نكسة، وتذكرك لاحقًا بأن ألم الرفض مؤقت، لكن التعلم الذي تكتسبه يمكن أن يكون دائمًا.
3- اجعل مُثُلك العليا في مقدمة أولوياتك
الأهداف الجديرة بالاهتمام عادةً ما تكون مدفوعة بشيء أعمق من النجاحْ تقول الدكتورة لين إنها اكتشفت من محادثاتها مع الحائزين على جائزة نوبل «أنهم جميعًا لديهم شغف ونهم لاكتشاف حقيقة مشكلةٍ ما، ولم يكن الفوز بجائزة نوبل أبدًا هو الدافع وراء العمل الشاق الذي بذله هؤلاء الأشخاص».
هذا ليس مجرد مبدأ أخلاقي، بل وصفة عمليَّة؛ فعلى عكس أحلام الفوز بالجوائز، فإن قيمنا الجوهرية «مقاوِمة لخيبات الأمل»، كما يصفها الباحثون؛ صحيح أن بعض الناس يتكبد خسائر وخيبات أمل أكثر من غيرهم؛ بسبب الحظ أو الظروف أو حتى الميل إلى مقارعة المخاطر، لكن بغض النظر عن هويتك، سيعثر عليك الفشل، والسؤال ليس ما إذا كنت ستفشل، ولكن كيف ستستفيد من فشلك؟
علاوةً على ذلك، حين تركز على مبادئك الأساسية تستطيع فهم سبب مخاطرتك حين تسعي لتحقيق هدفك في المقام الأول، كما أن هذا السلوك يوازن بين تكلفة تجربة الفشل ومكافأة تذكُّر الشخص الذي تسعى إلى أن تكون عليه، ويضرب الكاتب على ذلك مثلًا: توماس أديسون.
ذات مرة، أصيب مساعد مختبر شاب باليأس نتيجة فشله المتكرر كلما أجرى تجربة، مرةً تلو الأخرى. فردَّ عليه أديسون: «ألم تصل إلى أية نتائج؟ كيف ذلك يا رجل؛ لقد حصلتُ على كثير من النتائج! بِتُّ أعرف آلاف الطرق التي لا تؤدي إلى الهدف»؛ سواءً كنتَ تصنع مصباحًا كهربائيًا، أو تتقدم لوظيفة، أو تسعى وراء علاقة رومانسية؛ يجدر بك التعامل مع الفشل من هذا المنظور.