سيناريوهات الرد الروسي على انضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو

ستراتفور
2022-05-18

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ ف ب)

ترى روسيا عضوية السويد وفنلندا في حلف "الناتو"، على أنها خطوة أخرى لتوسع الحلف شرقًا لتطويقها في منطقة البلطيق. ومن المرجح أن ترد موسكو بتحركات انتقامية، لكن صراعها المباشر مع السويد أو فنلندا ليس ممكنًا حاليًا.

وأرسلت روسيا رسائل مختلطة بشأن تصورها عن احتمال انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو. وتشير هذه الرسائل إلا أن موسكو قد لا تعتبر احتمال الانضمام تهديدًا وجوديًا، لكن هذه الخطوة ستضطرها إلى توسيع عمليات نشر الأسلحة إلى منطقة البلطيق.

ومن شأن ذلك أن يثير احتمالات الاشتباكات العرضية بين القوات الروسية والغربية.

العمل العسكري مستبعد

قبل الحرب الأوكرانية، نظرت موسكو إلى فنلندا والسويد على أنها خارج نطاق نفوذها. وقد وضعت في اعتبارها احتمالية انضمامهما للناتو عندما اتخذت قرارها بالغزو. ويشير ذلك إلى أن روسيا لا تعتبر عضويتهما تهديدًا وجوديًا، وبالتالي لن ترد على هذا التطور بتحركات استثنائية يمكن أن تخاطر بمواجهة عسكرية مباشرة مع الحلف.

وعلى أي حال، فإن روسيا حاليًا غير قادرة على تنفيذ أي توغل عسكري ضد فنلندا؛ لأن 70% من القوات البرية الروسية مرتبطة بحرب أوكرانيا في الوقت الحالي (بالرغم أن بعض القوات انسحبت بسبب الخسائر الفادحة).

وحتى لو أرادت روسيا القيام بعمل عسكري استباقي ضد فنلندا، فإن القيام بذلك سيتطلب أسابيع من الاستعدادات فضلا عن تدابير التعبئة التي ستستغرق شهورًا.

وقال الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، في 16 مايو/أيار، إن روسيا لا تواجه مشكلة مع فنلندا أو السويد، لكن توسع البنية التحتية العسكرية لحلف الناتو في هذه المنطقة من شأنه أن يثير بالتأكيد ردًا عسكريًا مقابلًا.

وحذر الرئيس الروسي السابق والنائب الحالي لرئيس مجلس الأمن الروسي "ديمتري ميدفيديف"، في 14 أبريل/نيسان، من أنه إذا انضمت السويد وفنلندا إلى الناتو، فإن موسكو ستعزز قواتها البرية والبحرية والجوية في بحر البلطيق، بما في ذلك نشر الأسلحة النووية والصواريح فائقة السرعة، لكنه قال إن عضويتهما مختلفة بالنسبة لروسيا "لأننا ليس لدينا نزاعات إقليمية مع هذه البلدان، كما هو الحال مع أوكرانيا".

وقالت وزارة الخارجية الروسية، في 12 مايو/أيار، إن "انضمام فنلندا إلى الناتو سيؤدي إلى أضرار كبيرة في العلاقات الروسية الفنلندية والاستقرار والأمن في المنطقة الأوروبية الشمالية. وستضطر روسيا إلى اتخاذ خطوات انتقامية لوقف التهديدات لأمنها القومي".

وفي حين حذر المسؤولون الروس مرارًا وتكرارًا من رد عسكري في حالة عدم تلبية مطالب روسيا قبل غزو أوكرانيا، فإن هذه التدابير تجاه فنلندا قد تكون فقط على شكل نشر معدات عسكرية إلى منطقة البلطيق.

تدابير مزعزعة للاستقرار

يمكن أن يشمل الرد الروسي هجمات إلكترونية وغيرها من تدابير زعزعة الاستقرار، والتي من المحتمل أن يكون بعضها بدأ بالفعل. وبالرغم من تناقض الخطاب التهديدي للمسؤولين الروس، فإن موسكو لديها بعض الوسائل لمنع أو ردع البلدين من الانضمام إلى الناتو، أو فرض تكاليف كبيرة عليهما إن قامتا بذلك.

ونظرًا لأن التهديدات بضربة عسكرية تقليدية فقدت مصداقيتها بعد حرب أوكرانيا، فمن المحتمل أن تلجأ روسيا للتهديد بنشر أسلحة نووية إلى الحدود الفنلندية ومنطقة بحر البلطيق.

وستنظر موسكو أيضًا في تحركات فعلية تزيد التكاليف على السويد وفنلندا؛ بما في ذلك الهجمات الإلكترونية وعرقلة سلسلة التوريد ومفاقمة التضخم. ويمكن استخدام مثل هذه الهجمات جنبًا إلى جنب مع حملات التضليل والدعاية؛ بهدف إشعال السخط بسبب المشاكل الاقتصادية التي تجلبها عضوية الناتو.

ويمكن أن تسعى روسيا أيضًا إلى إيقاف إمدادات الغاز الطبيعي إلى فنلندا بحلول 23 مايو/أيار، عندما يحين موعد دفع ثمن الغاز للجانب الروسي.

وأشار "ميدفيديف"، في 14 أبريل/نيسان، إلى أنه "لا يوجد شخص عاقل يريد أسعارًا وضرائب أعلى"، مما يشير إلى أن روسيا يمكن أن تنفذ حملة معلومات مضللة لإقناع المواطنين في السويد وفنلندا بأن عضوية الناتو سترفع تكلفة المعيشة.

وتعطلت العديد من المواقع الحكومية الفنلندية في 8 أبريل/نيسان، عندما كان الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلنسكي" يخاطب البرلمان الفنلندي عبر الفيديو، ويبدو أن ذلك كان بسبب الهجمات الإلكترونية الروسية، مما يؤكد أن تدابير التدخل الإلكترونية والسياسية بدأت بالفعل.

ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام الفنلندية، في 12 مايو/أيار، فقد تم إطلاع المشرعين في البلاد على احتمال أن يكون قطع الغاز وربما الانتقام الاقتصادي الأوسع جزءًا من رد روسيا على تحرك فنلندا للانضمام إلى الناتو.

الاهتمام بالمناطق الحدودية

من المحتمل أن تتضمن الاستجابة الروسية (المتوسطة إلى الطويلة الأجل) زيادة كبيرة في بنيتها التحتية العسكرية بالقرب من فنلندا ومناطق البلطيق والقطب الشمالي.

وتشترك فنلندا وروسيا في حدود طولها 1340 كيلومترًا (حوالي 833 ميلًا). ويعاني الجانب الروسي من الحدود من قلة التطوير بسبب البُعد وعقود من الإهمال الحكومي. ولعلاج ذلك، ستنتقل روسيا لتوسيع البنية التحتية لمراقبة الحدود وبناء تحصينات جديدة على طولها.

وستكون روسيا حساسة بشكل خاص لأنشطة الناتو في فنلندا نظرًا للقرب من ميرمانسك؛ وهو ميناء روسيا الوحيد الخالي من الجليد والمتمتع بوصول غير مقيد إلى طرق المحيط الأطلسي والبحار العالمية. وهكذا سيصبح طريق النقل من وإلى النافذة التجارية والعسكرية الروسية على القطب الشمالي ضمن نطاق طائرات تجسس "الناتو" إذا انضمت فنلندا إليه.

وسيتعين على موسكو أن تنفق مبالغ كبيرة على الإسكان والمرافق اللازمة لتمركز القوات البرية الروسية حول ثاني أكبر مدينة لديها - سانت بطرسبرغ - (تقع على بعد أقل من 200 كيلومتر من الحدود الفنلندية) وكذلك في المنطقة الحدودية في كارليا.

التركيز على كالينينغراد

ستكون النقطة الرئيسية الأخرى في الاستجابة العسكرية الروسية هي كالينينغراد، التي من المحتمل أن تصبح رسميًا موطنًا للأسلحة النووية التكتيكية والأسلحة فائقة السرعة، بالإضافة إلى خليج فنلندا الذي من المحتمل أن تنشر روسيا فيه صواريخ ساحلية إضافية ومنظومات دفاع جوي.

وستتطلب هذه التدابير زيادة كبيرة في الإنفاق الدفاعي الروسي تجاه مشاريع البناء المكلفة، وهي تكلفة ستأتي فوق النفقات الضخمة المتعلقة بحربها في أوكرانيا.

ونشرت روسيا بالفعل أسلحة نووية في كالينينغراد، وأكد وزير الدفاع الليتواني "أرفيسدوس أنوساوسكاس" في 14 أبريل/نيسان، رصد صواريخ "كينزال" (فائقة السرعة وقادرة على حمل رؤوس نووية) على مقاتلة روسية هبطت بكالينينغراد في 7 فبراير/شباط، قبل الغزو الروسي لأوكرانيا.

استغلال المهاجرين

وقد تحاول موسكو استخدام تدفقات المهاجرين لزعزعة استقرار فنلندا والسويد، على غرار ما قامت به بيلاروسيا عندما استخدمت المهاجرين كسلاح ضد بولندا وليتوانيا في صيف وخريف 2021، بالرغم أن انخفاض التدفقات عبر روسيا، بسبب الحرب في أوكرانيا، سيجعل هذا الأمر صعبًا على المدى القريب.

وبالرغم أن طول الحدود الفنلندية يجعلها هدفًا جذابًا لمثل هذا المناورة، فمن غير المرجح أن يصبح ذلك الطريق المفضل إلى أوروبا؛ بسبب الظروف القاسية التي تجعل هذه الرحلة خطيرة في معظم العام.

يمكن لـ"مجلس القطب الشمالي" وغيره من هياكل حوكمة القطب الشمالي أن تنهار، حيث إن انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو من شأنه أن يقسم القطب الشمالي رسميًا إلى مجالين: دول الناتو وروسيا. وقد شوهدت بالفعل اضطرابات في التعاون بالعلوم وتنظيم الموارد البحرية في أعقاب الحرب الأوكرانية.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي