رحلة من ثلاثة أجيال : تاريخ العرب الأميركيين للمؤلف غريغوري اورفللي

الأمة برس
2022-06-11

غلاف الكتاب (الأمة برس)قراءة : عون جابر*

في المقدمة و الفصل الأول يركز المؤلف على الظروف الشخصية التي أحاطت به لبدء رحلته ليس إلى "البلاد" فقط بل لمسار تبنيه للهوية العربية الأميركية بقناعة ودون إندفاع عاطفي. وهنا يتكلم المؤلف عن نفسه فيفيض بسلاسة وصفاء واضحين كونه على معرفة بها أكثر من أي موضوع آخر، و كراوٍ يقسم "جسمه في جسوم كثيرة". وجذبا للقارئ يعتمد الكاتب على سرد للحدث وتداعياته و ردة فعل وقعه على غريب حط على أرض غريبة ، وللتحري أيضا عن مآل تلك التجربة العكسية قياسا لتجربة أهله ، هم غامروا وقامروا بكل ما يملكون عندما إندفعوا نحو العالم الجديد، زادهم قوة ودوافع ذاتية قد تعمل جيدا وقد تتعطل جزئيا وكليا. أما هو فمدفوع بحشرية السائح وللقطع بين يقين معرفته بالجد والجدة والشك بخلفيتهم الثقافية والتاريخية ، وأيضا لسبر خلفية من يحب ومعرفة دوافع عودة جده بعد أكثر من خمسة عقود من الهجرة ، إضافة إلى الدوافع التي عززتها دراسته وإهتمامه بالتاريخ كهدف لإختصاصه. لم تخطرأسئلة الهوية/ الإثنية في باله إلا بعدما ترك باسادينا في كاليفورنيا وإستقر كطالب جامعي في الساحل الشرقي. الرياح السياسية في بداية السبعينات المحملة بالإحتجاج على حرب الفييتنام وإستمرار إندفاعة موجة اليسار شكلتا الرافعة للتعرف ولإحتضان قضايا الشعوب العالمثالثية ، فكيف إذا ترافق ذلك مع ضبابية وغموض وجهل محبب لجذور عائلته الموسعة و مجتمعها في العالم القديم.
كتابة التاريخ المعاصر هي الأصعب حتى بالنسبة للمؤرخين المتمرسين وقد تجاوز غريغوري أورفللي ذلك بمزج السرد الروائي بالتأريخ ، فكان الفصل الأول للكتاب مكرس لتجربة شخصية إستجاب القارئ لسبر كُنهها بشغف كما إستجاب هو لنداء جده عندما كان يعمل مؤقتا كمحرر لصفحة الأموات في فرجينيا صيف 1972، يومها هاتفه جده كامل عواد، طالبا منه أن يحزم أمتعته ليرافقه بالسفر إلى البلاد بعد مرور أكثر من خمسة عقود على غيابه عن أخته وإخوته الخمسة في عربين- سوريا.حاول المؤلف التملص فلم يفلح ،إذ اجابه الجد يمكنك الكتابة عن الأحياء هناك.
تألفت الرحلة من ثلاثة أجيال تجلت بخمسة أنفار، الجد والجدة والوالدة والمؤلف وقريبه غاري . صلة وصلهم مع العائلة في عربين أحد الأقارب الموظف في فندق سميراميس في دمشق . حطت الطائرة في بيروت وانتقلوا برا إلى دمشق ثم عربين. تفاجأ لدى وصوله بموج من العواطف الغامرة من أفراد لم يستوعب مدى علاقته بهم ، ما ألفه في البدء هوأن معظم ألمستقبلين المجايلين لعمره أو أصغر منه سنا يرتدون ثيابا ليست غريبة عنه، إستنتج لاحقا بأن ما يرتديه مستقبلوه هي ثيابه التي طالما أرسلتها الجدة في فترات سابقة إلى عربين ،عندها تخيل غريغوري نفسه بأنه فد يكون أحد المستقبيلن لو أن قرار سفر جده منذ أكثر م خمسين عام قد وقع على أي من إخوته الاخرين .
في هذا الفصل الشيق يتكلم الكاتب عن حدوث معجزتين . الأولى في مرافقته لجدته لزيارة الكنيسة في صيدنايا ،هناك إلتقت صدفة بإحدى أعز صديقاتها منذ الطفولة وقد أصبحت راهبة. حرارة اللقاء أذابت وجوده كحفيد إذ غرقت الإثنتان في بحر من الدموع والإحتضان المتكرر.مشهد هذا اللقاء – الصدفة هو إحتفاء عاطفي صادق و مشاعر إنسانية لم يألفها بهذه الحدة ساعده على إستيعاب أفضل للخلفية الثقافية لأجداده.
أما المعجزة الثانية فحدثت عند عودة والده ، بائع الثياب المتجول من نيويورك إلى باسادينا – كاليفورنيا ،إلى البيت ليتفاجأ بذهاب معظم أفراد العائلة إلى البلاد. فطار فورا إلى أوروبا ثم إلى بيروت وكل ما يعرفه فقط هو إسم قريبه العامل في فندق سميراميس بدمشق.عندوصوله إلى الفندق إكتشف بأن الجميع قد غادر إلى زحلة لزيارة أقاربهم ، أي عمة جده بائعة الكشة نظيرة جبلي ، و بسبب تأخرهم بالوصول حجزوا لليلتهم في أحد فنادقها( أوتيل دا أميريكا على البردوني ).وهكذا فعل الوالد الملهوف الذي لم يأت لزيارة أجداده في حمص ،أو للتفتيش عن الجذور بل أتى حاملا الزهور وللإلتحاق بعائلته ، فذهب إلى زحلة ووصلها متأخرا بسبب إجراءات الحدود فحجز في الفندق ذاته. .خلال الليل قصد الجد الحمام فإلتقى بالوالد الملهوف في الرواق ، الدهشة أيقظت كل زبائن الفندق اللذين شاركوا فرحهم ببهو الفندق حتى الهزيع الأخير من الليل.
زيارة لبنان في نفس الرحلة مع قريبه غاري أسفرت عن لقائهم مع الصبيتان هند وسينثيا بشارع الحمراء، وبلقائهم صدفة أيضا بزميل غاري في الدراسة ، بجامعة شيكاغو، الفلسطيني خليل حكيم.


( يتبع الفصل الثاني )

*كاتب لبناني أمريكي







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي