عبد الرحيم أبو حسين.. رحيل مؤرّخ "التمرّد الطويل"

2022-06-24

تتصادى في منهجيّات التأريخ اللبناني المعاصِر السياسة مع الأخيلة الوطنية للجماعات السياسية والطائفية، التي تُفصِّل التاريخ الوطني العام عن طريق الأساطير المُتخيّلة، فيصبح ــ بزعمها ــ كلّ ما هو خاصّ و"بطولي" نموذجاً قابلاً للتعميم بالقوّة.

على عكس هذا التوجّه كان هناك تيّار من المؤرّخين الذين راحوا يحطّمون السرديات الضيّقة ورموزها بأدوات عِلمية، وقد تأثّر هذا التيّار بمآلات الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990) ومن أبرز أعلامه الباحث الفلسطيني عبد الرحيم أبو حسين الذي رحل أمس الخميس، في بيروت، بعد صراع مع المرض.

وُلد أبو حسين عام 1951 في بلدة نوبا شمال مدينة الخليل الفلسطينية، ثم انتقلَ بعدها إلى الأردنّ ليتابعَ تعليمه هناك، وعند إتمامه المرحلة الثانوية تحصّل على منحة من "الجامعة الأميركية في بيروت"، حيث بدأ دراسته الجامعية، وحيث سيصبح عام 1982 أستاذاً في التاريخ العثماني.

اهتمّ الراحل بمصادر التاريخ العثماني، وأهمّها بطبيعة الحال "الأرشيف العثماني" في مرحلة كان يُنظَر فيها إلى تلك المصادر بقلّة اهتمام من تيّارات مُختلفة، الأمر الذي شكّل نقصاً معرفياً في التأريخ العربي، وهذا مردّه إلى أسباب أيديولوجية وسياسية. ويعدّ أبو حسين إلى جانب الراحل المؤرّخ كمال الصليبي (2011) من من القلائل الذين انطلقوا بأدواتهم الاستقرائية صوب الاشتباك مع الأفكار القارّة والمدرسية حول الوطنية اللبنانية وتاريخها في النصف الثاني من القرن العشرين، وهي أفكار راجت إمّا بسبب الأنظمة الاستبدادية أو تنامي الجماعات الأهلية التي تشجّع على الاستبداد وتستثمر فيه.

من أهمّ مؤلّفاته: "لبنان والإمارة الدرزية في العهد العثماني: وثائق دفاتر المُهمّة (1546 - 1711)" الصادر عن دار "النهار" عام 2005، وفيه تحرّى من خلال "دفاتر المُهمّة" (وهي جملةُ القوانين الإدارية الصادرة عن السلاطين العثمانيين وواجبة التنفيذ من قبل حكّام الولايات) البُنى الاجتماعية والسياسية في جبل لبنان في تلك المرحلة.

وكتبَ أيضاً "الكنائس العربية في السجلّ الكنَسي العثماني (1869 - 1922)"، وساهم في كتاب "كمال الصليبي، الإنسان والمؤرّخ (1929 - 2011)" الصادر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" (2016).

ولكن يبقى كتابُه الأخير "صناعة الأسطورة: حكاية التمرّد الطويل في جبل لبنان" الصادر عن دار "الساقي" (2019) المبحثَ الذي توّج مسيرتَه، وفيه تتّضح أدواته المنهجيّة، إذ تعاطى مع شخصية رمزية في الوعي التاريخي اللبناني هي شخصية الأمير فخر الدين المعني الثاني (1572 - 1635)، حيث قرأه أبو حسين ضمن سلسلة من التمرّدات الطويلة التي شهدها جبل لبنان ضدّ الحكم العثماني في تلك الفترة، الأمر الذي ينزع عنه سحر الإحالة أو التأسيس للوطنية اللبنانية المُتخيَّلة.







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي