هكذا سيخسر بوتين حرب الغاز ضد أوروبا

الأمة برس - متابعات
2022-09-16

هكذا سيخسر بوتين حرب الغاز ضد أوروبا (أ ف ب)

بعد أسبوع من تعليق شركة الطاقة الروسية العملاقة "غازبروم" صادرات الغاز إلى ألمانيا عبر "نورد ستريم 1"، هدد الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في 7 سبتمبر/أيلول بقطع الإمدادات المتبقية وترك "الغرب يتجمد" إذا حاول وضع سقف لأسعار النفط والغاز.

قبل بضعة أشهر فقط، كانت مثل هذه التصريحات ستدفع الأسواق إلى دوامة وتخلق حالة من الذعر السياسي، لكن لم يعد هذا هو الحال الآن. وبدلاً من ذلك، هناك مؤشرات على أن "بوتين" ربما يكون قد أفرط في الثقة بقوته وربما يوشك أن يخسر حرب الغاز ضد أوروبا.

ولأكثر من عام، أبقت شركة "غازبروم" أسواق الطاقة الأوروبية في حالة تأهب شديد، حيث خفضت الشركة الروسية إجمالي إمدادات الغاز هذا العام إلى أوروبا بنسبة 40% مقارنة بعام 2021، وقصرت الصادرات على كبار المشترين كما علقت تمامًا عمليات التسليم للشركات أو الدول التي رفضت الانصياع للضغوط السياسية.

ودفع هذا التكتيك أسعار الغاز الأوروبية إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق، حيث ارتفعت 10 أضعاف وسارعت الشركات والحكومات لإيجاد حلول فورية وتجنب أزمة طاقة غير مسبوقة مع اقتراب فصل الشتاء.

ومع ذلك، يبدو أن أوروبا تتكيف مع التكتيكات الروسية. وبالرغم أن الأسعار لا تزال متقلبة للغاية وأعلى بكثير من المتوسطات التي شهدتها السنوات الأخيرة، إلا أنها انخفضت بالفعل بأكثر من 40% منذ أن وصلت إلى مستويات قياسية في بداية سبتمبر/أيلول.

إجراءات التكيف تظهر نجاحها

في غضون ذلك، هناك مؤشرات متزايدة على أن الأسواق تجد حلولًا للظروف الجديدة، مما يبعث على التفاؤل الحذر بأن موسم الشتاء المقبل قد لا يكون قاتماً كما كان يخشى الكثير في أوروبا في البداية.

وعلى عكس عام 2021 عندما كانت مستودعات الغاز الأوروبية ممتلئة بنسبة 67% فقط في هذا الوقت من العام، أصبحت مرافق التخزين الآن عند 82% من طاقتها، متجاوزة بالفعل الرقم المستهدف البالغ 80% في 1 أكتوبر/تشرين الأول والذي حدده الاتحاد الأوروبي للدول الأعضاء.

ويعد هذا إنجازا غير عادي بالنظر إلى ارتفاع أسعار الغاز في الأشهر الأخيرة وحقيقة أن الإمدادات الروسية إلى أوروبا الآن أقل من ربع ما صدرته "غازبروم" قبل عام.

في الوقت نفسه، دفعت الأسعار المرتفعة المستهلكين الصناعيين الكبار إلى كبح الطلب، مما ساعد على إعادة التوازن بين العرض والطلب. وحتى الآن، انخفض الطلب الصناعي بنسبة 22% تقريبًا مقارنة بمتوسط ​​الـ5 سنوات في دول أوروبا الغربية، حيث أغلقت شركات الأسمدة التي تستخدم الغاز بشكل مكثف أو حدت 70% من عملياتها، وفقًا لشركة " ICIS" المتخصصة في بيانات وأخبار الطاقة والبتروكيماويات الدولية.

وصحيح أن الوضع بعيد عن المثالية بالنسبة للمستهلكين الصناعيين والاقتصادات ككل، لكن خفض الطلب هو أهم أداة للتعامل مع أزمة الإمدادات. وأوصى الاتحاد الأوروبي بخفض الطلب بنسبة 15% بين أغسطس/آب 2022 ومارس/آذار 2023.

وتعمل الحكومات الأوروبية أيضًا على إعداد سكانها للصعوبات التي من المحتمل أن يواجهوها هذا الشتاء وتشجع الأسر على التحول إلى إمدادات بديلة لا تعتمد على الغاز، ويبدو أن الرسالة وصلت، ففي أغسطس/آب وحده انخفض الطلب الإجمالي للأسر بنحو 10%، بينما يسارع المستهلكون الأوروبيون إلى تركيب الألواح الشمسية وتخزين الحطب من أجل المساعدة في توفير الغاز.

التحول للغاز الطبيعي المسال

من ناحية الإمدادات، تشهد أوروبا أيضًا تحولًا جذريًا، حيث تشهد جميع أنحاء القارة المزيد من تدفقات الغاز من الغرب إلى الشرق أكثر من اتجاه الشرق إلى الغرب. ويعني ذلك أن أوروبا تحولت بشكل حاسم إلى الإمدادات العالمية من الغاز الطبيعي المسال مع وصول واردات الغاز الطبيعي المسال الآن لمستويات قياسية.

واستقبلت أوروبا 1026 شحنة من الغاز الطبيعي المسال حتى الآن خلال هذا العام، نصفها تقريبًا من الولايات المتحدة. وللمقارنة، فقد بلغت شحنات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا في عام 2021 حوالي 1135 أتى منها 197 فقط من الولايات المتحدة، وفقًا لبيانات "ICIS".

ومن المقرر أن ترتفع هذه الكميات بشكل أكبر في الأشهر الأخيرة من العام مع قيام المزيد من البلدان بتوسيع البنية التحتية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال.

وبالفعل، رست وحدتا تخزين عائمتين للغاز الطبيعي المسال في هولندا وتستعدان لاستلام أول شحنات من الولايات المتحدة، وستوفر المرافق الجديدة الإمدادات ليس فقط للشركات المحلية ولكن أيضًا للمستهلكين في مناطق بعيدة غير ساحلية مثل جمهورية التشيك.

وتتوقع ألمانيا أيضًا إنشاء 3 وحدات تخزين عائمة للغاز الطبيعي حتى مارس/آذار 2023 ومن المقرر أن تدخل 3 أخرى حيز التشغيل بحلول نهاية عام 2023.

وقد استأجرت دول أخرى مثل إستونيا وفنلندا وحدات تخزين عائمة للغاز الطبيعي والتي يمكن أن تعمل في وقت مبكر من ديسمبر/كانون الأول 2022، بينما تتوقع بولندا تشغيل خط أنابيب لبدء جلب الغاز النرويجي بحلول أكتوبر/تشرين الأول 2022.

"بوتين" يخسر حرب الغاز؟

في حال جاء الشتاء القادم معتدلًا دون فترات طويلة من الطقس البارد، فمن المرجح أن تكون أوروبا قادرة على التكيف مع التحديات الحالية، حتى لو حدث السيناريو الذي تقطع فيه "غازبروم" إمدادات الغاز تمامًا.

ومع ذلك، سيعتمد ذلك على القدرة التقنية لمشغلي البنية التحتية في إدارة أنظمة نقل الكهرباء والغاز لتجنب انقطاع التيار الكهربائي المحتمل وكذلك على دعم الدول الأعضاء لبعضها البعض في حال الحاجة إلى ذلك.

وتعهدت فرنسا وألمانيا بالفعل بتقديم المساعدة عند الضرورة، حيث عرضت الأولى مبادلة الغاز الطبيعي بالكهرباء في حالة حدوث نقص هذا الشتاء.

وتحتاج اتفاقيات التضامن هذه إلى أن تمتد عبر أوروبا ويجب أن تشمل دولًا من خارج الاتحاد الأوروبي مثل أوكرانيا ومولدوفا.

ويتعرض صناع السياسة في الاتحاد الأوروبي حاليًا لضغوط سياسية هائلة لاتخاذ إجراءات شعبوية من أجل حماية المستهلكين من فواتير الطاقة المرتفعة.

لكن في حين أن حماية الضعفاء أمر إنساني، يحتاج السياسيون أيضًا إلى الانتباه إلى التدابير التي يتم اتخاذها حتى لا تنتج ضررًا على المدى الطويل أكثر من نفعها على المدى القصير.

ويجب أن يتذكروا أن أحد الأسباب الرئيسية وراء تأرجح أوروبا على حافة أزمة طاقة هو حرب الغاز الروسية ضد المستهلكين الأوروبيين.

هناك علامات مشجعة على أن "بوتين" يخسر حرب الغاز، لكن يتعين على أوروبا في نهاية المطاف ضمان نزع سلاح الغاز من يد روسيا إلى الأبد.

أورا سابادوس - أتلانتك كاونسل







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي