التسوية أو التصعيد.. الحرب في أوكرانيا أمام مفترق طرق

الأمة برس - متابعات
2022-09-22

 من صور الحرب الأوكرانية الروسية (ا ف ب)

يمثل التقدم العسكري الأوكراني في خاركيف نقطة تحول رئيسية في مسار الحرب التي أطلقتها روسيا قبل 7 أشهر. ويواجه الجانبان الآن قرارات حرجة.

ويجب على روسيا أن تقرر ما إذا كانت ستتخلى عما تسميه "عملية عسكرية خاصة" وتعلن الحرب الشاملة، وهو خيار سيؤدي إلى مخاطر أعلى ومزيد من الدمار لكلا البلدين. أما "الناتو" فيجب أن يحدد ما إذا كان سيستفيد من هذه اللحظة لفرض تسوية مواتية من موقع القوة، أو المخاطرة بصراع أكثر خطورة.

وفي أوائل أبريل/نيسان الماضي، أصبح من الواضح أن استراتيجية موسكو الأولية، وهي الضغط على كييف على أمل انهيار الحكومة الأوكرانية، فشلت. وجرى إعادة تجميع القوات الروسية إلى شرق أوكرانيا لمتابعة استراتيجية جديدة تركز على الاحتفاظ بالأراضي هناك. لكن الهجمات الأوكرانية المضادة تظهر نقاط ضعف خطيرة في تلك الاستراتيجية أيضًا.

وتكبدت روسيا خسائر فادحة في صفوف قوات الغزو الأولية البالغ عددها 200 ألف فقط. ويعد هذا العدد قليلا بالنسبة لخط  الحدود الهائل الذي يبلغ طوله حوالي 1000 كيلومتر في شرق أوكرانيا، ويمتد من الحدود الشمالية لأوكرانيا مع روسيا إلى البحر الأسود في الجنوب.

ويمكن لروسيا جمع ما يكفي من القوات لمقاومة الهجمات الأوكرانية في بعض المناطق كما فعلت في صد التقدم الأوكراني تجاه خيرسون. لكن كما أوضح الانهيار السريع للقوات الروسية حول خاركيف، فهذا غير ممكن في كل مكان.

ويبدو أن العديد من القوات الروسية في المنطقة هي من الحرس الوطني الذين هم في الأساس قوات شرطة غير مدربين على القتال العسكري في الخط الأمامي.

ويطرح ذلك سؤالا مهما: هل استراتيجية روسيا لخوض حرب محدودة (عملية عسكرية خاصة دون تجنيد عسكري كامل أو التعبئة على مستوى المجتمع) عملية على المدى الطويل؟ أم أن الكرملين بحاجة الآن إلى تعبئة الجيش بشكل كامل ووضع الاقتصاد المدني في خدمة الجهود الحربية؟ وكما هو موضح في مقال حديث في صحيفة "نيويورك تايمز" حول الحياة المدنية في موسكو، كان المدنيون الروس محميين في الغالب من العواقب المادية للحرب.

وفي الواقع يعد هذا أمرا غامضا إلى حد ما. لماذا يختار "بوتين" خوض الحرب بجزء صغير فقط من القوة القتالية الروسية. وفي بداية الحرب، كان هذا منطقيا بناءً على اعتقاده أن الحكومة الأوكرانية ستنهار في مواجهة القوة الروسية. ولكن بعد 6 أشهر، لم يعد هذا منطقيا لأن أوكرانيا المدعومة من الناتو اتضح أنها عدو عسكري لا يستهان به.

ومع القدر الهائل من المساعدات الخارجية (تعادل المساعدات الأمريكية وحدها الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا قبل الحرب)، يمكن لأوكرانيا أن تضع الكثير من سكانها في خدمة المجهود الحربي.

وفيما يتعلق بالمعدات العسكرية، يجري دعم أوكرانيا من قبل الولايات المتحدة وحلف الناتو (إجمالي الناتج المحلي لهذه الدول مجتمعة يفوق روسيا 20 مرة). وليس هذا صراعًا يمكن أن تنتصر فيه روسيا دون التزام أكبر بكثير.

وأحد التفسيرات هو أن "بوتين" لا يريد تحمل التكلفة السياسية للتعبئة الكاملة، حيث سيتعين عليه مشاركة المزيد من السلطة مع النخب الأخرى التي ستكون مساعدتها أمرًا بالغ الأهمية لجهد عسكري موسع.

وقد يكون الغرب متفائلا في تصوره أن الدعم الروسي الداخلي للحرب هش وأن أي دفع بقوة أكبر قد يتسبب في انهيار نظام "بوتين". وسواء كان هذا صحيحًا أم لا، من الواضح أن المطالبة بمجهود حربي أكبر ينطوي على مخاطر سياسية لـ"بوتين".

ولكن قد يكون هذا تفاؤلا مبالغا فيه أن يقوم الشعب الروسي (الذي يشتهر بقدرته التاريخية على تحمل الصعوبات الكبيرة) بالتخلي عن قادته إذا تصاعدت الحرب. وكانت الانتقادات التي واجهها "بوتين" حتى الآن من القوميين الروس تركز على ضرورة تكثيف المجهود الحربي.

وفي يوليو/تموز الماضي، قال "بوتين" في خطاب أمام النخب السياسية الروسية: "نسمع أنهم يريدون هزيمتنا في ساحة المعركة. حسنا ماذا يمكن أن أقول؟ دعهم يحاولون.. إننا لم نبدأ بعد المعركة". ويشير ذلك إلى العديد من الخطوات الأخرى على سلم التصعيد.

وفي الواقع، فإن الموجة الجديدة من الضربات التي تشنتها القوات الروسية في الأيام الأخيرة ضد البنية التحتية الأوكرانية الحساسة، مثل شبكة الطاقة والسدود، هي مثال على هذا التصعيد الذي قد يزيد من معاناة الشعب الأوكراني.

إن القضية الحاسمة هي ما يمكن أن يجلبه التصعيد مع استمرار حلف الناتو والولايات المتحدة في ضخ المساعدات والأسلحة إلى أوكرانيا. هل ستزيد روسيا بشكل حاد من مواردها العسكرية من خلال تعبئة الاحتياطي وبذل جهود أكبر لتحويل الصناعة المدنية لصالح المجهود الحربي؟ حتى الآن، يبدو أن الكرملين يرفض دعوات اليمين للتعبئة الكاملة، وهو ما يشير إلى إما المخاطر السياسية لهذه الخطوة أو إلى بعض الاعتقاد بأن بإمكان الجيش الروسي تثبيت وضعه العسكري في أوكرانيا باستخدام القوات الموجودة.

وستؤدي التعبئة الكاملة إلى توسيع ما هو بالفعل أكبر حرب أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية حيث إن روسيا تعتبر الصراع وجوديًا.

ولكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو ما قد يتجاوز التصعيد التقليدي. ويحذر البعض بالفعل من أنه إذا صعدت روسيا إلى تكتيكات أكثر تدميراً في أوكرانيا، فيمكن لقوات الناتو أن تدخل الصراع بشكل أكبر أو مباشر. وإذا أصبحت أوكرانيا المدعومة من الناتو قادرة على الضغط على شبه جزيرة القرم، التي تعتبرها روسيا أراضيها، فهل يصبح التصعيد النووي أمرًا محتملاً؟

وكما يشير تقرير عن الحرب في جامعة "براون"، فإن ضعف القوات التقليدية الروسية مقارنة بالناتو هو ما يدفع موسكو إلى الاعتماد بشكل كبير على الأسلحة النووية التي لن يتم استخدامها غالبا إلا في حال الهزيمة العسكرية التقليدية.

وقد ألمحت موسكو بالفعل إلى السلاح النووي عدة مرات خلال هذا الصراع. وربما أصبح العالم لا يبالي بهذه التهديدات بسبب قعقعة روسيا السابقة بسيفها النووي والمخاطر الهائلة التي قد تتعرض لها في حال اللجوء إلى الأسلحة النووية. لكن تكاليف الصراع النووي ستكون باهظة للغاية بحيث يجب أخذ هذه المخاطر على محمل الجد.

ولكن من جانب "الناتو"، يوفر التقدم الحالي في ساحة المعركة إمكانيات دبلوماسية إضافية لمتابعة تسوية تحافظ على استقلال أوكرانيا وسيادتها. ومع تزايد وضوح المخاطر الوجودية على الدولة الروسية، من المرجح أن يكون "بوتين" أكثر استعدادًا لحل وسط يحفظ ماء الوجه حتى لو كان ينطوي على الانسحاب من الأراضي الأوكرانية المحتلة منذ فبراير/شباط الماضي.

وعلى العكس من ذلك، فإن الضغط من أجل تحقيق انتصارات أكبر في ساحة المعركة دون أي مبادرات دبلوماسية سوف يحجز روسيا أكثر في الزاوية، مع عواقب لا يمكن التنبؤ بها.

ولا يخدم استمرار الحرب أي طرف حيث يتواصل الدمار وتنتشر الفوضى وتتزايد الاحتمالات الخطيرة من تصعيد وتيرة الصراع، لذلك تعد هذه لحظة مناسبة لفتح الباب أمام الدبلوماسية.

ماركوس ستانلي - ريسبونسبال ستيتكرافت







كاريكاتير

إستطلاعات الرأي